يعتقد بعض المعارضين السوريين أن دور ما يسمى بـ “قوات سورية الديمقراطية”، والتي يُشكّل مقاتلون أكراد عمادها الأساس، بات مهددًا، ولا سيما أن كل الأوضاع التي ساهمت في تأسيسها بدأت بالتلاشي، أو -على الأقل- بالتراجع تدريجيًا، ومقابل هذه القناعة، هناك إصرار لدى العديد من الأكراد، وخاصة المؤيدين لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”، راعي هذه “القوات”، بأن وجودها أبدي، وأن دورها لن ينتهي، لا الآن ولا في المستقبل، وستكون عماد “قوات” عسكرية للفيدرالية التي يأملون ترسيخها في شمالي سورية.
خلال الأسابيع الماضية، شهدت هذه “القوات” حركة تمرد، لا يُعرف حجمها، بين المنضوين تحت رايتها، من بينها انسحاب “لواء التحرير” وجزء من لواء “أحرار الرقة”؛ ما دفع بعضهم إلى الاعتقاد بأن هذه “القوات” الكردية قد تدخل مرحلة التفكك بسهولة، خاصة أن تركيبة مكوناتها مصلحية موقتة لا استراتيجية طويلة المدى، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن النكسات التي أُصيبت بها خلال الأسابيع الماضية تقرع جرس الإنذار بأن الولايات المتحدة التي تدعمها، وتُقدّم لها أهم أسباب الاستمرار والوجود، قد تتخلى عنها إن اقتضت مصلحتها ذلك.
وعن طبيعة هذا التحالف، يقول سليمان يوسف، الباحث المختص بشؤون الأقليات، لـ (جيرون): “إنه تحالف عسكري، فرضته أوضاع الحرب، وتقاطع المصالح، وإذا ما دققنا في تركيبة (قوات سورية الديمقراطية)، نجد بينها كثيرًا من التناقضات الفكرية والسياسية والعقائدية، وتباعد في الأجندات والأهداف الاستراتيجية، وتصادم الأجندات بين الفصائل العسكرية، قد يُفضي إلى تصادم البنادق”.
وأضاف: “إن دور ومصير ومستقبل (قوات سورية الديمقراطية) و(وحدات حماية الشعب) الكردية، مرتبط بتطورات الأزمة السورية ونتاجها، وبطبيعة الحلول السياسية والتفاهمات والتوافقات الإقليمية والدولية، ولا شك في أن التقارب التركي – الروسي – الإيراني، حول الموقف من الأزمة السورية، سيُخفّف من الدعم العسكري الإقليمي والدولي لهذه (القوات)، وربما يُفقدها الغطاء السياسي الذي توفره لها روسيا، ويُقلص الدعم العسكري الأميركي، ومع هذا من المستبعد جدًا أن ترضخ هذه (القوات)، حتى لو تخلّت وانشقت عنها جميع الفصائل العربية والتركمانية والسريانية الآشورية، وبقيت وحيدة كفصائل كردية بحتة في الميدان، وأعتقد بأنها لن تتردد بمقاتلة الفصائل المتحالفة معها، إذا قررت الدخول إلى مناطق سيطرتها شرق الفرات والجزيرة السورية، فهي تعدها (مناطق كردية) لها وحدها، وهي الأولى بحُكمها وإدارتها”.
وتشير طبيعة تحالفات هذه “القوات”، مع الفصائل الكردية والعربية والتركمانية والسريانية الآشورية، إلى أنها اتفقت واجتمعت حول هدف واحد فحسب، وهو محاربة “تنظيم الدولة الإسلامية”، وما عدا ذلك، كل ما بينها قد يكون مختلفًا ومتناقضًا، ولا يجمعها هدف عسكري ولا سياسي محدد، فلا هي متّفقة على الموقف من النظام السوري، ولا على الموقف من الثورة، كما أن نظرتها إلى المعارضة السياسية السورية مختلفة، ولا هي متّفقة أيضًا على رؤية مشتركة لمشروع (الفيدرالية) لسورية الجديدة ما بعد الأسد، التي أعلنها من طرف واحد “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، الجناح السياسي لـ “وحدات حماية الشعب” الكردية، والشقيق السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، وكل هذا يدفع للاعتقاد بأنه إن اختفى تنظيم “تنظيم الدولة الإسلامية” من الساحة السورية، فستبدأ الخلافات والتناقضات الكامنة بين الأكراد والفصائل المسلحة السورية، المتحالفة معهم حاليًا، بالظهور إلى السطح.
ويرى يوسف، أن التوغل العسكري التركي داخل الأراضي السورية، دعمًا لفصائل الجيش الحر في محاربة “تنظيم الدولة الإسلامية” والمسلحين الأكراد معًا، سيُسرّع عملية تفكك وانهيار تحالف “قوات سورية الديمقراطية”، وقال: “لقد بدأت بالفعل ارتدادات وتأثيرات التوغل التركي تظهر سريعًا على المشهد السوري، بشقيه العسكري والسياسي، وبشكل خاص على هذه (القوات)”.
ويتابع يوسف: “النظام السوري -بوضعه الراهن- غير قادر أصلًا على فتح جبهة عسكرية مع مسلحي أكراد سورية، معركة قد تجرّ إلى معركة مع أكراد العراق، فعلى الرغم من ةالخلافات العميقة بين (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي وبين (حكومة) مسعود البرزاني في أربيل، إلا أن الأخير لن يبقى مكتوف الأيدي إذا ما نشبت معركة ومواجهة حقيقية ومصيرية بين النظام السوري والمسلحين الأكراد في الجزيرة السورية، وسيُرسل (البشمركة) إلى سورية تحت شعار (حماية أكراد سورية)”.
وتتلقى “قوات سورية الديمقراطية” دعمًا أساسيًا من الولايات المتحدة، كونها تجعل من أولوياتها قتال “تنظيم الدولة الإسلامية”، واتهمتها المعارضة السورية بأنها تحالفت مع النظام في أكثر من موقعة، وشاركته في محاربة بعض فصائل المعارضة السورية، فيما اتّهمتها منظمات حقوقية محلية ودولية بارتكاب جرائم حرب، وبتهجير سكان المناطق التي تسيطر عليها، بهدف تغيير المنطقة ديموغرافيًا، وتنفي هذه “القوات” عن نفسها هذه التُهم، وتقول إنها غير صحيحة.
تعليق واحد