مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لبدء الحملة العسكرية الروسية في سورية والتي تصادف في 30 الجاري، يتباهى المسؤولون الأميركيون بصحة توقعات الرئيس باراك أوباما، والتي أبلغها لنظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل عام، والقائلة بانعدام جدوى أي تدخل للقوى الكبرى عسكريا في منطقة الشرق الأوسط.
ويأتي تباهي الإدارة الأميركية في وقت تتدفق الدراسات الأميركية والروسية التي تفيد بأن جيش الرئيس بشار الأسد «شبه منهار»، وان المراهنة الروسية عليه لاستعادة السيطرة على البلاد، أو فرض سيادته، أو لعب دور في التسوية السياسية مستقبلا، هي رهان في غير محله.
وكانت «الرأي» علمت من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أن الهدنة تأخرت بسبب قيام القوات المتحالفة مع الأسد، مثل «حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية التابعة لإيران، بشن هجمات في كل مرة كانت واشنطن وموسكو تقتربان من إعلان وقف الأعمال العدائية.
وعلى رغم الضغوطات الروسية الهائلة على الأسد، لاحظ المسؤولون الأميركيون أن الرئيس السوري لا يمسك عسكريًا بالأرض، وأن قبوله الهدنة يتعلق بمدى مقدرته على إقناع حلفائه من الميليشيات التابعة لإيران بالتزامها.
وفي الجانب الأميركي، قدم الخبير توبياس شنايدر دراسة أظهرت أن «القوة العسكرية للأسد تلاشت»، وان وحدتي «القوات الخاصة» المعروفتين بـ «النمور» و«صقور الصحراء» تتألفان في الواقع من قوات غير نظامية، الأولى بقيادة ضابط من المراتب المتوسطة، والثانية بقيادة أخوين ممن اكتسبوا شهرة ومالًا من عمليات التهريب عبر الحدود مع العراق منذ زمن حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ويعتبر شنايدر أن «الفرقة الرابعة» من قوات النخبة، التي يفترض أن ماهر، شقيق الرئيس السوري، يقودها، هي وهمية أكثر منها حقيقية، فيما يدير الأخوان مخلوف، ابنا خال الأسد، ميليشيا خاصة بهما، وكذلك يفعل عدد من رجال الأعمال.
في المحصلة، «الجيش العربي السوري» اصبح عبارة عن مجموعات قليلة الموارد والتسليح، تعتاش من فرض الإتاوات على السوريين في المناطق التي تحاصرها، ومن بيع النفط والسلاح إلى كل الفصائل السورية المتقاتلة، بما فيها المعارضة وتنظيما «الدولة الإسلامية» (داعش) و«فتح الشام».
من موسكو، كانت لافتة الدراسة التي قدمها الجنرال السابق ميخائيل خودارنوك على موقع «غازيت» الروسي المقرب من الكرملين. وطالب خودارنوك الحكومة السورية بسحب قواتها قبل نهاية هذا العام، وقال إن الجيش السوري يتوزع على ألفي حاجز محصنة وغير مرتبطة ببعضها. يعيش الجنود في كل حاجز بتحصينات خوفًا من هجمات المعارضين، ويعتاشون على ابتزاز السكان المحليين وسلب مواردهم.
وكتب الخبير الروسي انه على مدى العام الماضي، كان جيش الأسد مهزومًا دائمًا، ولم ينجح في شن هجوم ناجح واحد، وسبب ذلك هو انعدام الموارد والتسليح، ونقص في عدد المقاتلين، والخوف من تكلفة الهجوم ماديًا وبشريًا، وانحدار الروح المعنوية لمقاتلي «الجيش العربي السوري»، في مقابل ارتفاع في معنويات الفصائل المعارضة، التي يمكن لمقاتليها الانسحاب إلى الدول المجاورة، خصوصًا تركيا، للشفاء من جراحهم، وإعادة تنظيم صفوفهم، والحصول على موارد جديدة.
وحسب خودارنوك، ف‘ن الحكومة السورية لا تسيطر إلا على حدودها مع لبنان، وعلى 50 كيلومترا فقط من حدودها مع الأردن.
ويقول إن القوة الجوية السورية شكلت 70 في المئة من القوة النارية لقوات الأسد على مدى السنوات الخمس الماضية، وان الغالبية المطلقة لطلعاتها هي لقصف مناطق المعارضة، أي أنها لا تقوم بأي إسناد جوي لمقاتلي الأسد على الأرض. كذلك اعتبر خودارنوك أن مقاتلات الأسد تغير منفردة لتوفير الموارد وتقليص المخاطر، وأن القوات الجوية تشن عددًا كبيرًا من الغارات يوميًا، وصلت أحيانًا إلى 100 غارة في اليوم العام 2015.
ومنذ اندلاع الثورة السورية في 2011، خسر الأسد 200 مقاتلة و150 طيّارًا في الغارات ضد المعارضين، ويقول خودارنوك أنه لا يمكن للأسد تعويض خسائر قوته الجوية، وأن اتفاقيته مع موسكو بتدريب طيارين معلقة حاليًا. أما المقاتلات العاملة لدى الأسد فيقل عددها عن أربعين، تقابلها 40 مروحية مازالت عاملة.
وخوفًا من الدفاعات الجوية للمعارضين، تشن مقاتلات الأسد هجماتها على ارتفاع أعلى من 3000 متر، وفي حالات نادرة تقوم بهجمات انقضاضية على ارتفاعات منخفضة.
وفضلًا عن تهالك قوتيه البرية والجوية، تخلو خزائن الحكومة السورية من الأموال المطلوبة لتمويل العمليات الحربية، أو لتمويل عمل مؤسسات الحكومة في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة نظام الأسد، وهو ما اجبر القوة الجوية للأسد على رمي كل ما بحوزتها من قنابل في غاراتها على المعارضين بدك هذه القنابل في ما يعرف بالبراميل.
يقول الخبير الروسي إن القوة الجوية السورية رمت ألغامًا بحرية وطوربيدات وما تيسر لها من قنابل، قبل ان تبدأ بحشو البراميل بمواد متفجرة وإلقائها على أهداف كبيرة، مثل بنايات ومقرات وتجمعات كبيرة لمقاتلي المعارضة.
ويختم الخبير الروسي بتقديم سلسلة من الاقتراحات لوقف انهيار قوات الأسد، ويقول إنه يمكن تطبيق إجراءات عقابية عسكرية صارمة لفرض النظام في وحدات الجنود، لكن لا يمكن لأي جيش أن يفوز بالحرب عن طريق المحاكمات الميدانية، ولابد من وجود روحية قتالية وعقيدة دفاع عن الوطن، وهذه تغيب تماما لدى مقاتلي الأسد، ما يجعل إمكانية ترميم جيشه ضئيلة.
لذا، بسبب الانهيار غير القابل للترميم الذي تعانيه دولة الأسد والقوات العسكرية التابعة لها، يقترح خودارنوك على الحكومة الروسية الانسحاب من سورية قبل حلول العام 2016، وترك بعض القواعد العسكرية الروسية المحصنة لأسباب استراتيجية بمعزل عن تطورات الأحداث السورية.