أصبحت حياة السوريين في لبنان مليئة بالمتاعب، فمشكلاتهم لا تتوقف عند إحساسهم بالغربة، وعدم توافر متطلبات الحياة اليومية فحسب، وإنما يهيمن عليها، وبشكل دائم، رُهاب الاعتقالات العشوائية التي تلاحقهم من دون مبرر، وهذا الأمر ينسحب خصوصًا على الشبّان من اللاجئين في المخيمات، إذ أن حجة توقيفهم جاهزة دائمًا، وتندرج تحت بند قانوني يتعلق بعدم حيازتهم وثائق قانونية للإقامة، وهذا الأمر واسع الانتشار، خاصة وأن الحكومة اللبنانية كانت قد وضعت، في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، شروطًا بالغة القسوة للحصول على الإقامة، لا يمكن تأمينها بسهولة لهؤلاء الشبّان، ومنها الكفيل الشخصي، أو كفالة العمل، وعقد إيجار منزل، وغيرها، وهذه الإجراءات جعلت من الصعوبة بمكان تسوية أوضاع كثيرين بشكل قانوني.
رُهاب الاعتقال
التُهم الأكثر شيوعًا لتبرير المداهمات والاعتقالات، هي البحث عن المسلحين، والتي زادت بشكل كثيف بعد تداعيات أحداث عرسال أواخر عام 2014، وفي لقاء مع اللاجئين، تبين أن الخائفين من الحديث عن موضوع المداهمات والاعتقالات كُثر، والكل يخشى من أن يلحق به ضرر.
اعتُقل الشاب السوري سمير من الأمن اللبناني منذ نحو سنتين ونصف، ولا يزال موقوفًا في سجن رومية، وعن سؤال محمد، وهو أحد أقاربه الذي يقيم في أحد مخيمات البقاع، عن ملابسات الاعتقال، قال لـ (جيرون): “كان يعمل في صالون للحلاقة الرجالية، في منطقة المرج بسهل البقاع، وفي أحد الأيام رأى كيف يتبادل بعض الشبّان من زبائنه حبوبًا مخدرة في الصالون، على مرأى من الزبائن، وكانت القوى الأمنية تراقبهم، وقامت وحدة مكافحة المخدرات بإلقاء القبض على الشبان فورَ خروجهم من الصالون، لاشتباههم بتجارة أو ترويج المخدرات، وبعد أيام استدعى الأمن سمير، وقام بالفعل بمراجعة أقرب فرع لهم، ومنذ ذلك اليوم لم نره ولم نعد نعرف عنه شيئًا، ولا يوجد أي متابعة قضائية لملفّه، لأن أحدًا من أقاربه لم يُوكّل محاميًا، لعدم امتلاكنا أوراق الإقامة، وخوفًا من إلحاق الأذى بنا”، وأضاف: “لقد هرب سمير من معتقلات النظام السوري وبطشه وظلمه، لتتلقفه السجون اللبنانية بالأحضان”.
من جهته، أكّد المكتب الإعلامي لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لـ (جيرون) أن المفوضية “تتابع مع الأجهزة الأمنية اللبنانية المختصة ملفات اللاجئين الموقوفين في السجون، وتقوم بزيارات أسبوعية للسجون، وهناك لاجئون يقومون بزيارة المفوضية من السجون، إذا ما كانت لديهم مقابلة، أو أي موضوع يتعلق بالحماية”.
غياب حقوق الإنسان
“لا يقتصر الاحتجاز على من لديه جنحة واضحة، بل هو اعتقال عشوائي، والتُّهم جاهزة لأي سوري، وإن لم يعترف بذنبه، فإن للأمن اللبناني وسائل خاصة لإقناع الموقوف بالاعتراف، بأي بشيء، بل ويُعلن عن استعداده للبصم على بياض، بأصابع منتفخة بعد التحقيق” هذا ما قاله وسام، ابن الـ 25 عامًا، الذي سُجن ما يقارب السنة وأربعة أشهر في سجن الريحانية بطرابلس، وخرج في منتصف العام الماضي، من دون معرفة السبب الذي اعتُقل لأجله.
وأضاف: “اختراق حقوق الإنسان في سجن الريحانية ورومية غير مُلفت للحكومة اللبنانية، على الرغم من أنه غير مسموح به وفق القانون اللبناني”، وتابع: “لم أرتكب أي جريمة، اعتقلوني خلال سفري من لبنان إلى سورية، على أحد حواجز الجيش بطرابلس، وفي الطريق تعرضت لإهانات ولعنف وضرب مبرح، وسمعت شتائم دينية، وفي فرع مخابرات (أبلح)، كانوا يتسلون بضربي، لكن في وزارة الدفاع لم أتعرض للضرب، لكن في سجن الريحانية، وفي المبنى “د” الذي احتُجزت فيه تعرضت أنا ورفاقي لأشد أنواع التعذيب، وكان وضع السوريين بغاية السوء”، وتابع “هناك سوريون كُثر، والتقت بنا لجنة الصليب الأحمر، لكن اكتشفنا أن صلاحياتها محدودة، وتقتصر على تقديم علاج بسيط للسجين إن كان مريضًا”.
من جهته، قال المحامي نبيل الحلبي، المدير التنفيذي لمؤسسة (لايف) لحقوق الإنسان، لـ (جيرون): “هناك حوالي 65 شخصًا سوريًا، بين ضابط وعسكري، منشقين عن القوات السورية النظامية، لازالوا محتجزين في سجن رومية في بيروت منذ نحو سنتين ونصف، ينتظرون إحالتهم إلى المحكمة العسكرية”، منوهًا بأن “الاضرابات التي يقومون بها لم تكن مجدية أبدًا”.
وأضاف: “هناك نحو 150 سوريًا في سجن رومية، محرومون من أبسط الحاجيات، وتمر عليهم أحوال بالغة القسوة، خصوصًا في الشتاء، ويُتركون دون طعام صحي أو تدفئة أو حتى عناية صحية، وموضوع الاعتقالات والتعذيب مستمر، ولا يقتصر على الرجال فحسب، بل يطال النساء أيضًا، حيث تم اعتقال كثير من النساء من عرسال في أوقات متفاوتة”.
أصدرت مؤسسة (لايف) تقريرًا عام 2015 بعنوان “لاجئون خارج الحماية”، تَضمّن وصفًا لكل الانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان، وأوضح التقرير أنه لم تقتصر عمليات اعتقال اللاجئين السوريين على سبب يتعلق بوضع إقامتهم في لبنان، بل تعداها ليشمل اعتقال ضباط وعناصر سوريين منشقين عن القوات النظامية السورية، كانوا قد هربوا إلى لبنان، على الرغم من أن القانون اللبناني لا يجيز اعتقال أي شخص بدون أمر قضائي مسبق، باستثناء ضبط الشخص متلبسًا في حال ارتكابه جريمة مشهودة.
كذلك، يشير أخر تقرير لمديرية السجون اللبنانية التابعة لوزارة العدل، صدر عام 2015، إلى أن السجون اللبنانية تحتجز حوالي 2587 سجينًا سوريًا، أي ما نسبته 24 بالمئة من إجمالي المعتقلين في السجون اللبنانية، فيما كان عددهم عام 2014 نحو 2557 سجينًا، أي 29 بالمئة من عدد السجناء الكلّي.