صعّدت كل من الولايات المتحدة وروسيا من تصريحاتهما السياسية المتعلّقة بسورية، إثر غارات طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، على موقع جيش النظام السوري في دير الزور شرقي البلاد، حيث عقد مجلس الأمن جلسة طارئة مساء أمس (السبت)، كانت قد دعت إليها روسيا لمناقشة الموضوع، كما اتهمت الولايات المتحدة بالتواطؤ مع تنظيم الدولة (داعش)، الأمر الذي رفضته أميركا.
وكانت طائرات تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، قد شنّت غارات على موقع لقوات النظام، في “جبل ثردة” على مشارف مطار دير الزور العسكري، وقد نقلت وكالات الأنباء أن هذا الهجوم قد أسفر عن مقتل أكثر من 60 مقاتلًا وجرح نحو 100 آخرين.
وأقرت القيادة الأميركية الوسطى، في بيان لها، بأن قوات التحالف قصفت بالخطأ مواقع لقوات النظام جنوب دير الزور، وقالت: إن قوات التحالف كانت تظن أنها تقصف مواقع تابعة لـ “تنظيم الدولة الإسلامية”، لكنها أوقفت عمليات القصف فور تلقيها معلومات من مسؤولين روس تفيد بأن تلك المواقع كانت لقوات النظام السوري، علمًا بأن قوات التحالف أخبرت القوات الروسية -مسبقًا- بموقع القصف، وفق الأميركيين.
من جانبها، أفادت وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة، بأن مقاتلي التنظيم تمكنوا من السيطرة الكاملة على جبل الثردة، المطل على مطار دير الزور العسكري، وهو أكبر مواقع النظام شرقي سورية.
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان نقتله وسائل إعلامها الرسمية: إن تنظيم الدولة الإسلامية شنّ هجومًا واسعًا على مواقع النظام، عقب الغارة التي جاءت من الحدود السورية العراقية، واستنتجت: إذا كانت الضربات نُفّذت بطريق الخطأ، فهذا “دليل على رفض واشنطن المتصلب تنسيق عملياتها العسكرية في سورية مع روسيا”، ودعت مجلس الأمن إلى التنديد بما وصفته بالعدوان الأميركي، وأن يطلب من واشنطن احترام “السيادة” السورية.
وكان من المقرر عقد جلسة لمجلس الأمن أول أمس (الجمعة)، من أجل إقرار هذا الاتفاق، لكن تم إلغاء الجلسة بطلب من البلدين، ليأتي هذا الهجوم الأخير؛ ما استدعى من روسيا طلب عقد جلسة طارئة أخرى، احتجت عليها الولايات المتحدة.
وذكرت وكالات الأنباء أن مندوب روسيا في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، خرج غاضبًا من الجلسة، بعد خروج مندوبة الولايات المتحدة سامانثا باور من الجلسة لمقابلة الصحافيين، حيث تبادل الجانبان الاتهامات بشأن ما يجري في سورية، وبالعمل على عرقلة اتفاق الهدنة، وذكّرت بأن روسيا تُعرقل قرارات دولية لإدانة جرائم النظام، وتُقدّم االدعم له وتدافع عمن يقتل شعبه، وشددت على أنه يتعين على روسيا “التوقف عن أسلوب تسجيل النقاط الرخيصة، والإبهار والإثارة، والتركيز على ما يهم، وهو تنفيذ ما وصلنا إليه من اتفاق بنية صادقة”.
إلى ذلك، قالت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ (جيرون): “نعتقد أن ما حصل في دير الزور السبت، ليس خطأ أميركيًا، وهو بالتأكيد ليس لدعم تنظيم الدولة الإسلامية كما يدّعي الروس، لأن هذا كلام فارغ”، وأضافت: “على الأرجح إن ما جرى كان أمرًا مُتعمدًا، ورسالة أميركية لروسيا، مفادها: إن استهدفتم حلفاءنا في المعارضة السورية المسلّحة، من الآن فصاعدًا، سنستهدف حلفاءكم”، في إشارة إلى قوات تدعمها الولايات المتحدة وتعدها معارضة مُسلّحة مُعتدلة، من جهة، وقوات النظام السوري والقوات الرديفة لها، من جهة أخرى.
وتابعت: “حتى اللحظة، السماء السورية مُلكٌ للولايات المتحدة، وما تُخطط له عبر قوات التحالف يُنفّذ، ولا تملك روسيا الاعتراض، مهما كانت المهمّة مُريبة من وجهة النظر الروسية، ومن الواضح وفق تفسيرات العسكريين في الـناتو، أن روسيا متوترة، والولايات المتحدة ليست كذلك، ترفع الأولى صوتها ويتم تنفيذ ما تريده الثانية”.
يُشار إلى أن السجال السياسي بين الجانبين، قد ابتدأ بالتصاعد تدريجيًا، إثر اتفاق على هدنة بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة، أقرّها وزيرا خارجية البلدين، جون كيري وسيرغي لافروف، على أن يتم خلالها إدخال مواد إغاثة إلى المناطق المحاصرة في سورية بإشراف أممي، إلا أن المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ينس لاركيه، أبدى خيبة أمل من عدم موافقة النظام على إدخال الشاحنات، كذلك صرح المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا، بأن النظام يُعرقل إدخال الشاحنات؛ بسبب تعقيدات “بيروقراطية”.
وفي هذا السياق، فإن الهدنة التي تم الاتفاق عليها، بدت هشّة، وأخذت روسيا -على لسان مسؤوليها- تُحمّل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك، وتتهمها بأنها تعرقل التنسيق معها بشأن خرائط توزع فصائل المعارضة المعتدلة، والفصائل الأخرى التي تصفها بـ “الإرهابية”، حيث تضغط روسيا، لنشر تفاصيل ذلك الاتفاق بينما تُعارض أميركا ذلك.