هموم ثقافية

المصطلحات السافرة لـ “العلوية الثقافية”

عدد من المثقفين العلويين، المؤيدين لسلطة بشار الأسد -وهم كثر- يكرِرُون، مداورة أو مباشرة، اتهامهم لكل من يشير إلى الطبيعة الطائفية للنظام، بالسلفية والوهابية وترويج الإرهاب، ويقدمون أنفسهم روادًا للعلمانية، والسلم الأهلي، ورفض العنف، ويعدون كل اقتراب من وصف النظام، كما هو في حقيقته وبنيته وممارساته، وهي ممارسات همجية ضد ما أطلقوا عليها “البيئة الحاضنة”، أنه طائفي “سني”، طالما هو يدين هذا القتل، الذي يفتخر منفذوه، بقصف حتى المستشفيات الميدانية، ويتجاهلون تمامًا أن عددًا من المثقفات والمثقفين العلويين كانوا قد وصفوا النظام بالطائفي، ومثلهم كثر ينتمون لكل طيف الشعب السوري.

في استخدامي لمصطلح “العلوية الثقافية”، لم أنطلق من رغبة في بث روح الكراهية، وما أتيت به ليس “شلفًا تأويليًا”، يريد النيل من أحد، والاستنجاد بعبارة مرت بين السطور، أو بفكرة ملتبسة بنيت عليها أساسًا هشًا ومتهالكًا لتمرير هذا المصطلح.

دعونا من التجريد؛ ففي المحدد والمتعين؛ عندما يقرأ أي شخص، مصطلحات من قبيل: (الجرح العلوي، الهوية العلوية، الرواية العلوية، المسألة العلوية، القضية العلوية، الوثيقة العلوية، الممثلين الشرعيين للعلويين، وهلم جر…)، ماذا يمكن أن يستنتج؟

وإذ تظهر هذه المصطلحات، والبلد قد تحول إلى بحر من الدماء، ومقبرة تحت تلال من ركام المدن والبلدات والقرى، بفعل نظام فاشي همجي مستبد، أعلنَ -منذ البداية- أنه حامي “الأقليات”، بعد أن نجح، باعتماد وسائل مختلفة، بإظهار نفسه ممثلًا “للأقلية الطائفية” الأكبر من بين سائر “الأقليات”. ولا يعود استقبال المصطلحات المذكورة بوصفها خطًا لغويًا، لم يدقق صاحبه بوقعه على مجريات الاستقطاب الحاد والمشوه لشرائح الشعب السوري. كما أن زمن حضورها (المصطلحات)، وشكله، ومناسبته، لا يمكن أن يُنظر إليها كاجتهاد باحث سيسيولوجيي أنثروبولوجي، يهتم بالبحث الأدبي الثقافي، ولا ينطلق من محاولة الحفر في الواقع المأساوي، الذي تعيشه سورية تحت سلطة المافيا المستبدة، ووحشيتها في القتل، وما استحضرته موضوعيًا، أو تآمريًا، من إرهاب تتغذى منه؛ لتبرير المزيد من الجرائم، ولإحكام قبضتها على أدوات سلطتها، ولتأكيد أنها حامية الأقليات، وأولًا وأساسًا حامية العلويين من “الاجتثاث”، إن هي خسرت استبدادها على سورية!

ينطلق صاحب هذه المصطلحات (قمر الزمان علوش)، من “جرح” علوي، مضى عليه أكثر من ألف عام، ومن قلق على مستقبل العلويين. أما حاضر سورية، وما تقوم به السلطة الفاشية الطائفية، من همجية -تقترب من محو البلد برمته من الخارطة الشرق أوسطية- فهو (الحاضر) -بحسب رأيه- الذي نتج عن “تمرد طائفي سلفي سني، يريد إسقاط سلطة يعتبرها المتمردون سلطة العلويين”.

هذا التوصيف للثورة، ثورة الحرية، هو نقطة البدء بتأسيس المنهج الانتهازي، وتزييف الحقيقة التي أقر بها العالم حين عدّ ما أقدم عليه السوريون ثورة ضد الاستبداد، ولتبرير هذا المنهج، التقطت أبواق النظام والمثقفون الانتهازيون، أو اخترعت، شعارًا “ردده” المتظاهرون في المدن الثائرة وهو “علوية ع التابوت ومسيحية ع بيروت”، وراح هؤلاء ينصِّبون رجل دين سني متهالك ومأفون، ناطقًا باسم الشعب السوري الثائر ضد نظام الطغيان. ولم يسمعوا، بل تجاهلوا مئات الشعارات عن وحدة السوريين، والأخوة بين الطوائف والإثنيات. ولم يروا ماء غياث مطر وورود رفاقه في داريا، يقدمونها لعناصر أمن النظام وجيشه. ولم يتوقفوا عند ريبورتاجات صارخة بوضوحها، قدمها عدد من الناشطين، تظهر أن لا وجود لروح الانتقام من العلويين ومن أدوات النظام بعد سقوط الدكتاتور. وأتذكَر ما دونته الناشطتان السوريتان العلويتان، روزا ياسين حسن، وسمر يزبك، بهذا الخصوص في كتاباتهما، عن أحاديثهما مع نساء مدينتي معضمية الشام وحرستا. واشتاط هؤلاء غيظًا من صور فدوى سليمان العلوية والساروت السني، وهما يهتفان معًا في حمص من أجل الحرية، ولعلهم ارتاحوا قليلًا بابتعاد فدوى عن الساروت.
من الواضح أن صناعة الرعب -وهو رعب مزدوج- نحو الثورة، ونحو العلويين، وتأكيد الخوف من المستقبل، كانتا ضرورة لتدعيم نظام الأسد، وللحفر عميقًا في وعي أبناء العلويين، لجعله خيارهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة، بالالتفاف حول سلطته، ولتحقيق التماهي بين السلطة والطائفة؛ حتى وإن لم يعلن هؤلاء المثقفون ذلك صراحة. فلنقرأ هذه الفقرة لتكون شاهدًا على حقيقة ما ذهبت إليه في الفقرة أعلاه:

“أي علوي مهما كانت درجة انتمائه (لاحظوا درجة انتمائه) إلى هذا الحد أو ذاك، عندما يرى كل هذه المرعبات حوله لابد أن يقلق. لدينا أبناء وأطفال هم قدريًا ووراثيًا علويون شئنا أم أبينا. ليس من العدل أن نورثهم الخوف أو الأحقاد، ومن حقهم علينا أن نؤمن لهم الحماية في وطن آمن، أن نخلصهم من هاجس التكفير الذي يلاحقهم قرونًا طويلة بلا انقطاع” (قمر الزمان علوش).

هذا هو منطلق رواية “العلويين” الذي أسس عليه الكاتب مصطلحاته، وأدرج في تداعياته حزمة من الأفكار في مسلسل متواصل من تدوين ما أطلق عليه “الرواية العلوية”، فهل -بالفعل- ما جرى عام 2011 في سورية، قام على تكفير العلويين المتواصل منذ قرون طويلة؟ وهل المرعبات وقعت على مناطق البيئة العلوية؟ أليس الضحايا الذين ساقهم بشار الأسد من أبناء الطائفة، لحماية سلطته، سقطوا وهم يهاجمون مدن الشعب السوري وبلداته لسحق ثورة الحرية؟

لا يمكن إنكار ظهور انحرافات داخل فئات الشعب الذي خرج مطالبًا بالحرية، بدا فيها الحقد على أساس طائفي، وتأسس في نفوس بعضها التهديد بالانتقام؛ غير أن ذلك ليس استمرارًا لتكفير لاحقَ العلويين مئات السنين. إن استدعاء مراحل تاريخية مضت، وإسقاطها على الحاضر، لزرع ثقافة الرعب والخوف، يقع اليوم ضمن أجندة سياسية، صار يعرفها القاصي والداني، فالدولة “المفيدة” التي ينظر إليها الاستبداد وحلفاؤه، هي الوطن الآمن للعلويين، أما الممثلين الشرعيين “للعلويين”، بحسب مصطلح الكاتب، لن يكونوا غير جهاز استشاري ومعنوي لسلطة الاستبداد.

وللموضوع صلة تتبع.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق