سورية الآن

داعش والقاعدة ومكب النفايات في الشرق الأوسط

تتواتر أخبار العنف الذي يعصف بالعالم من كل اتجاه؛ عمليات إرهابية، انتحاريون، تفجير قنابل في التجمعات، اعتداءات في الأماكن العامة؛ كل الأسلحة متاحة، ابتداء بالساطور، وليس انتهاء بحقائب المتفجّرات، والجميع أهداف، مهما كانت جنسيتهم، وأيًا يكن توجههم.

اللافت في أمر هذه الاعتداءات أن المعارضة السورية خسرت حليفين مهمين جدًا، في غمرة هذه الحوادث العدائية، أولهما كان النائبة البريطانية “جو كوكس”، والقس الفرنسي “جاك هامل”، الذي اغتيل مؤخرًا في فرنسا.

أصابع الاتهام كلها موجهة لـ “الإرهاب السني المتمثل بـ (داعش)”، ولكن أحدًا لم يتساءل “أين كانت (داعش)، حين ضربت موجة إرهابية مشابهة الدول الأوروبية وأميركا في مطلع الألفية؟”.

يحاول الأوروبيون -جاهدين- أن يتناسوا المصنع الحقيقي للإرهاب، في إيران التي تكتسب حماية خاصة من الصين وروسيا، بموجب “الفيتو” الذي تحملانه، والذي يعطّل القرارات التي تدين انتهاكات إيران، التي سُمِح لها أن تشكل كيانًا دينيًا على مرأى العالم، دونما حديث عن انتهاكاتها بحق الأقليات فيها، إلا من قبيل الضغط لتحقيق مكتسبات معينة، أو ذرّ الرماد في العيون!

يحاول العالم -بأسره- أن يتناسى حقيقة مفادها أن موجة العنف التي ضربت أوروبا، جاءت عقب الضغوطات الدولية على إيران وأذرعها في المنطقة، المتمثلة بتنظيم حزب الله -والذي ظلت فرنسا “شيراك” تناضل طويلًا لمنع إدراجه على لائحة الإرهاب- وكذلك النظام السوري؛ غير أنّ المفارقة تكمن في أن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق “رفيق الحريري”، والذي ناضل لمنع إدراج الحزب على لائحة الإرهاب، كان أحد أبرز ضحايا إرهاب الأخير!

بالعودة بالذاكرة قليلًا، نجد أن موجة مشابهة من التفجيرات والأحداث العدائية، قد ضربت أوروبا والعالم بأسره في مطلع الألفية الثالثة، كان أولها تفجير برجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001، تبعتها عدة تفجيرات في بريطانيا وإسبانيا، وأحداث عنف واحتجاجات كبيرة في كلّ من فرنسا والدانمارك وسويسرا وهولندا، على خلفية عرض أفلام مسيئة للرسول محمد (ص)، أو رسوم تهكّمية، تسخر من المسلمين ومعتقداتهم، ترافقت مع دعوات من جهات متعدّدة لاحتجاجات شعبية، وتظاهرات تستنكر هذه المظاهر، ما أسفر عن تصاعد وتيرة الاحتقان، وتشديد الرقابة على أنشطة المسلمين وتجمّعاتهم.

كانت الذريعة تنظيم القاعدة الذي تبنى معظم هذه العمليات، ولكن هل كانت كلّ القرارات ترمي إلى استئصال شأفة القاعدة، أم أنها جاءت للتضييق على حرّيات الوافدين على تلك المجتمعات، والمنتمين إلى أصول إسلامية، مهما كانت درجة تماهيهم في تلك المجتمعات؟ والسؤال الأهم: هل كانت القاعدة دخيلة فعلًا على تلك المجتمعات، أم أنها صنّعت فيها لأغراض معينة؟

في لقاء تلفزيوني، عُرض في تسعينيات القرن الماضي، تحدّث الفنان الراحل أحمد زكي، عن لقاء جمعه بأسامة بن لادن في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يصبح زعيمًا لتنظيم القاعدة، وتحدّث وقتها “زكي” عن الشاب “المودرن” الذي شاهده، والذي كان يرتدي “الجينز” والسلسلة الذهبية في رقبته، وكان هذا اللقاء في “لندن” بحسب زكي، فهل يعقل أن تنظيمًا بحجم القاعدة، يمكن أن يتشكّل بين عشية وضحاها؟

أعتقد أنّ وجود تنظيم مثل تنظيم القاعدة، يشكّل ضرورة لحماية أوروبا من أي تحركات قد تخلّ بتوازن دولها، في ظلّ تنامي الوجود الإسلامي، بعد حالة الانفتاح التي عاشها العالم، ففي بريطانيا على سبيل المثال، هنالك نسبة كبيرة من الباكستانيين والأفغان والإيرانيين والعرب، يمكن أن يحدثوا خللًا في البنية الديموغرافية لهذه المجتمعات، بفعل القاعدة الشبابية العريضة، التي تفتقدها المجتمعات الأوروبية، حيث أنها تعاني من الترهل بسبب قوانين تحديد النسل التي جعلت من المجتمع الأوروبي مجتمعًا عجوزًا. لهذا كان لابدّ من تجميع المتطرفين دينيًا ممن هم غير قابلين للاندماج في هذه المجتمعات، وإرسالهم إلى مجتمعات تغذي هذه النزعة لديهم؛ كي يتم الإجهاز عليهم، تمامًا كما يتمّ تسمين الخروف قبل ذبحه، وبالطبع، بما أن القيادات قد صنعت لديهم، سيكون من السهل رصد تحرّكات هؤلاء الأشخاص.

يأتي لاحقًا دور إيران التي تسوّق نفسها على أنها تمثل التيار الإسلامي المعتدل، في مواجهة التيار السلفي المتجسد بالسعودية، لكي تقوم بدورها في التصدي لهذه التنظيمات، غير أن التقارير الاستخباراتية التي تحدثت عن العثور على وثائق تثبت وجود صلة بين بن لادن وإيران، عقب مداهمة مقره عام 2011، وكذلك الحديث عن وجود أفراد من عائلته على الأراضي الإيرانية، تدحض هذه النظرية.

تجيد إيران استثمار الأحداث التي تهدّد أمنها الوطني أو نفوذها الطائفي، لتعمل على إشعال دول القرار للضغط عليها، ولكن العقل الإيراني المبدع في التملّص، يعمل على نفي أي ارتباط لإيران وحلفائها من المكون الشيعي الذي يفترض أن يظل معتدلًا في مخيلة العوام من الأوروبيين، والبعيدين عن المختبرات السياسية، لذلك تستعين بالمتطرفين السلفيين من المكون السني، لتأليب الرأي العام ضدهم، طبعًا ليس بالضرورة أن  تكون الحكومات الأوروبية على دراية بما يمكن حدوثه، ولكنها تعلم أنه فيما لم تتم تلبية المطالب الإيرانية، فالمقبل سيكون أمرّ وأدهى. لذلك تُرك لبنان لنفوذ حزب الله بشكل كامل بعد عام 2008، نتيجة سلسلة من العمليات الإرهابية، مع انطلاق مشروع محاسبة سورية في الكونغرس الأميركي، وموقف الدول الأوروبية المؤيدة له، والتي ضربتها تفجيرات مختلفة (إسبانيا 2004، بريطانيا 2005، 2008..)، وظلت فرنسا “شيراك” بمنأى عنها، كون الرئيس الفرنسي كان يومها عرابًا لحملة توريث بشار الأسد، والتي هي مطلب إيراني، إلى أن حصل الانفصال بين المسارين الإيراني والفرنسي عقب إقصاء رفيق الحريري، عراب صفقة التوريث، عن رئاسة الوزراء في لبنان، على خلفية رفض التمديد لإيميل لحود، واغتيال الحريري لاحقًا، والذي أتاح الفرصة لإيران للكشف عن مشروعها الطائفي بشكل سافر.

لا يختلف سيناريو تصنيع تنظيم الدولة (داعش) كثيرًا عن سيناريو القاعدة، الذي بات لعبة سخيفة بعد مقتل ابن لادن، ولهذا كان لا بدّ من تصنيع “بعبع” سني جديد، مع الاستفادة من دروس الماضي، فجاء مؤتمر الدعوة للجهاد في سورية، الذي عُقد في القاهرة عام 2013، ليضرب عصفورين بحجر، الإطاحة بمرسي كونه ينتمي إلى تيار إسلامي، وتجميع المتطرفين والراديكاليين وشحنهم إلى سورية، وبالتالي؛ تنظيف شرق آسيا، حيث توجد إيران وتمتد الحدود الروسية، من مصدر القلق والإزعاج، ونقل بؤرة التوتر إلى الشرق الأوسط، وهو ما يمكن أن يؤثر على تركيا التي تنامى نفوذ حزب العدالة والتنمية فيها؛ الأمر الذي لا ينبغي أن يحدث.
يبقى الثابت في الأمر، أن الدول التي ترسل جهادييها إلى “مكب النفايات” سواء أكان العراق أم أفغانستان، أم سورية، أم ليبيا، بحسب التسريبات الأخيرة، تدري تمامًا أين توجد هذه المجموعات، ذلك أن القيادات قد صُنعت لديها، ويبقى على هذه الدول تصفية راديكالييها بعيدًا عن أراضيها، وجني المكتسبات السياسية، والاقتصادية ، من خلال ضرورة أن تدفع هذه الدول التي تلعب دور “مكب النفايات” فاتورة الحرب التي تدور على أراضيها. لتصفية خلايا جرى تصنيعها لدى هذه الدول.

فيما يبدو أن إيران تكرر سيناريو ما قبل 2008، بالاستعانة بداعش وإرهابها في أوروبا؛ لتنفير المجتمعات الأوروبية من السوريين، وبالتالي؛ إرغامهم على العودة إلى حكم الأسد، وكذلك الضغط على أوروبا؛ لإبقائه دون محاسبة، وبلورة مشروعها الطائفي، أما فائدة أوروبا فتتجلى من خلال التخلص من الأشخاص الذين يُخشى من توجهاتهم الراديكالية..

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق