تأتي مشاركة المرأة في ميادين العمل الاجتماعي المدني، وحتى السياسي، أحد أبرز ملامح الدول الحديثة، ويؤشر -بطريقة وأخرى- إلى مدى تطوّر البُنى الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وفيما يتعلق بهذه المُشاركة في سورية، وتحديدًا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في جنوبي سورية، أو ما تدعوها المعارضة بـالمناطق المُحررة، يُلاحظ أن ملامح هذه المشاركة بدأت تتبلور وتبدو أكثر وضوحًا، إذ أصبح للمرأة في تلك المناطق دورًا فاعلًا في النشاط الاجتماعي والخدمي، كالدفاع المدني، ومراكز التعليم البديل، والدعم النفسي وغيرها، وبات يُلاحظ تصاعد مشاركة المرأة في هذا النشاط، إلى حد يمكن القول معه أنها الآن شريكًا كاملًا في لميادين الاجتماعية الخدمية المختلفة، وهو ما يرجعه كثيرون إلى درجة وعي المرأة، وتفاعلها مع المؤسسات والهيئات التي تُساهم في بناء المجتمعات المحلية في هذه المناطق.
في هذا الجانب، قالت غاليه الفرج، إحدى المدرسات في مراكز التعليم البديل في درعا لـ (جيرون): ” يُعدّ دور المرأة في مراكز التعليم عنصرًا مهمًا في عملية التنمية المستدامة، ولذلك؛ يجب أن تتوافر للمرأة معطيات أساسية تُمكّنها من المساهمة الإيجابية في حركة التنمية وتوجيهها، حيث تقوم المرأة في مراكز التعليم على الإعداد والتأهيل والتدريب، وتنمية قدرات التلاميذ وإمكاناتهم، ولذلك؛ كان لوجود المرأة في مجال التعليم وحلقات التوعية الأثر الأكبر في التأثير على الأسرة، ودعم الثقة في مراكز التوعية والتعليم”.
وشددت الفرج على أن المرأة “أصبحت تؤمن بأنَّ العمل واجب لخدمة المجتمع، إضافة إلى كونه عاملًا ضروريًا فرضته أوضاع الحرب، وعليه؛ فقد بدأنا نلحظ وجود المرأة في مجالات مختلفة، منها خطرة كحالة الدفاع المدني، ومساهمتها في توعية المرأة وطرق التعامل مع الحالات الحرجة، وحالات الإنقاذ التي تتطلب وجود العنصر النسائي، كون المجتمع في محافظة درعا من المجتمعات المحافظة، وهذا ما استدعى أن تكون المرأة على قدر من المسؤولية؛ لإثبات دورها في المجتمع ومساعدة الآخرين”، لافتةً إلى أن المرأة “تمتلك كالرجل، روح الجد وحب العمل، والقدرة على مواجهة الصعوبات والتحديات التي تفرضها الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد، بل وأحيانًا تتفوق عليه في بعض النواحي”.
بدورها، قالت الممرضة، ميسون الجابر، لـ (جيرون): “إنَّ مشاركة المرأة في المجالات المتعلقة بالأطفال والأسرة والصحة والتعليم، يُعزز الثقة في مؤسسات العمل، ويبني جسور ثقافة العمل والتعاون والاندماج المجتمعي، وتعميق قيم العدالة والمساواة والتآخي بين أبناء المجتمع الواحد، الذين يواجهون ذات المعاناة ذاتها في ظل الحرب الدائرة، فمشاركة المرأة تُمثّل إعلانًا لخروجها من مربع الكفاف المنزلي، إلى مربع الإسهام في دورة النمو الاجتماعي”.
أما خديجة الخطيب، مديرة مراكز “بسمه لرعاية الأطفال” سابقًا، فقد أكّدت على أن المرأة “أثبتت قدرتها على أداء دورها التنموي، من خلال قبول المجتمع الراهن لعمل المرأة في مجالات مختلفة، وهذا يتطلب الوعي المجتمعي والوقوف على أحوالها ومحددات عملها”، مشيرةً إلى وجود بعضٍ مواطن الخلل في عدد من مفاصل المجتمع، “تتجلى بعدم التفهم لدور المرأة، كشريك أساسي في عملية تطور المجتمع، وهذا له أسباب كثيرة، منها سيطرة الثقافة التقليدية والنمطية على الحياة، والقيود الاجتماعية التي تُكبل المرأة، وهو ما يشكل عائقًا أمام تقدم المرأة ومنعها من أخذ دورها الصحيح في المساهمة في تنمية المجتمع”.
كانت التجربة النسوية في سورية، على الصعيد الاجتماعي والسياسي، جزءًا من سلمية الثورة وشعبيتها، وإحدى أهم الدلائل على مدى انفتاح المجتمع السوري، وردًا قويًا على أولئك المصابين بـ “فوبيا” وأوهام التطرف، ولعلها في لحظة ما تكون قادرةً على إنعاش ضمير العالم.