قضايا المجتمع

النفايات الطبية تهدد بمخاطر وبائية في ريف إدلب

على الرغم من أن معايير السلامة تقضي بإتلاف النفايات الطبية والصيدلانية، بطرق وأماكن خاصة، إلا أن هذه النفايات تُرمى في مكبّات النفايات العادية في ريف إدلب، الأمر الذي يُشكّل خطرًا على البيئة، وعلى عمال النظافة، وعلى الصحة العامة للسكان، وتُهدد بانتقال الأمراض والأوبئة المعدية، كالتهابات الكبد الفيروسية، والعدوى المعوية، وأمراض الجهاز التنفسي، وفطريات الالتهابات الجلدية، والتسمم وأمراض الدم.

الموت المختبئ في الحاويات

مازالت المؤسسات الطبية المعنية في المدينة، تضع معظم النفايات الطبية ضمن أكياس القمامة العادية، وترميها في الحاويات ومكبّات النفاية العادية، في الحارات وقرب البيوت، وفي الأحياء التي ينقصها -أصلًا- كثير من المتطلبات الصحية الأساسية.

وعن هذه الظاهرة، قال الطبيب محمد الخضر، أحد أطباء المستشفيات الميدانية في ريف ادلب، لـ (جيرون): “على الرغم من القفزات المهمة في عالم الطب، والتي كان لها أثر إيجابي في المحافظة على صحة الإنسان، ومحاربة الأمراض المختلفة، إلا أن هناك جانبًا سلبيًا للتقدم في الطب وإجراءاته، وهو تلوث البيئة بمختلف الملوثات الطبية، التي قد تؤدي بدورها إلى إصابة الإنسان بأضرار خطرة ومميتة في أغلب الأحيان، وتتنوع هذه المخلفات الطبية؛ لتشمل الحُقَن والقطن والشاش وبقايا العينات الملوثة بسوائل ودماء المرضى، ومخلفات صيدلانية وكيميائية، ومخلفات مُشعّة، ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها، وغالبًا ما يتم استثناء الأطعمة والأوراق التي يستهلكها المرضى، خلال فترات العناية بهم، ولا يخفى على أحد أن تلك المخلفات مصدرها المريض، لذا فهي تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، وعلى الرغم من سوء الوضع، إلا أن بعض المنظمات الطبية، العاملة في مناطق سيطرة المعارضة في سورية، اهتمت بهذه المشكلة، بعدما أثبتت البحوث مسؤوليتها عن أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار”.

غياب الاهتمام

ينتقد كثيرون ظاهرة رمي النفايات الطبية من العيادات والمستشفيات الميدانية التي تنتشر في ريف إدلب، في أماكن رمي القمامة العادية، عبد الرحمن، وهو أحد المدنيين في مدينة سلقين في ريف إدلب، قال لـ (جيرون): “نُشاهد يوميًا بأعيننا عشرات العلب الطبية الفارغة، تُرمى في أماكن رمي القمامة العادية، من المستشفيات الميدانية ومراكز التحاليل الطبية، ووصل الأمر إلى حد انبعاث رائحة الأدوية الطبية من حاويات القمامة الموضوعة إلى جانب تلك المستشفيات والمراكز في ريف ادلب كاملًا، ومع انتشار الأوبئة والأمراض، فنحن نحمّل المسؤولية للمجالس المحلية والمنظمات الطبية التي تعمل في الداخل السوري، والتي تنشط أكثرها بريف إدلب‏‏‏.

يأمل بعض السكان الواعين لمخاطر هذه القضية أن تقوم المنظمات المعنيّة، المحلية أولاً ثم الدولية، بإيلاء اهتمامها لهذه المشكلة، وحول ذلك، عبّر الصيدلاني مراد السيد علي، وهو من ريف إدلب، عن أمله في “أن تقوم المنظمات الطبية والبلديات والمجالس المحلية، في ريف إدلب، بإحداث وحدات لمعالجة النفايات الطبية على مستوى كل منطقة من مناطق الريف بأسرع وقت، من أجل تفادي أخطار التلوث الكيميائي الذي يُشكّله رمي النفايات الطبية في مكبات القمامة العادية، وما يتبعه من تأثير على نوعية الهواء والماء والتربة”.

جهد قاصر

الطبيب (أبو فراس)، وهو مدير أحد المستشفيات الميدانية في ريف إدلب، طلب عدم ذكر اسمه الكامل، تحدّث عن طرق الدفن الصحيحة للنفايات الصلبة، وعن تقصير المنظمات الطبية في هذا المجال، وقال: “من المفروض أن تُدفن النفايات الطبية بعد معالجتها بالتقنيات الحديثة مثل الأوتوكليف والميكرويف، أو المحارق ذات الجودة العالية، وبدرجة حرارة كبيرة تصل إلى 1200 درجة مئوية، بواسطة مختصين مدربين، وعلى كفاءة عالية، ويمكن أن تتم معالجة النفايات الطبية عن طريق المحارق، وهي غير متوافرة في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري”.

وأوضح “توجد أجهزة محرقة تُعالج النفايات الطبية عن طريق الفرم والبخار، تحت درجة حرارة 138 درجة، وضغط 3,8 بار، وقد تم عرض مشروع اقتناء هذا الجهاز على أكثر من منظمة طبية، تعمل في ريف إدلب، لكنهم رفضوا تزويدنا به، دون توضيح سبب الرفض، مُكتفين بتقديم حارق صغير لحرق “الإبر” فحسب، أما النفايات الأخرى فنحن نتعامل معها بطرق غير آمنة، عن طريق وضعها في أكياس القمامة ورميها في أحد المكبات غير المدروسة، وتوجد مستشفيات ميدانية وعيادات طبية ترميها مع القمامة المنزلية؛ ما يرفع احتمال انتشار أوبئة وأمراض نحن بغنى عنها”.

من جهته، قال بدر غزال، مسؤول المكتب الخدمي -سابقًا- في منظمة (ميديكال ريليف)، لـ (جيرون): “لقد نفّذنا مشروع مكبٍّ مُخدَّم للنفايات الطبية خاص في مدينة سلقين، بالقرب من مستشفى سلقين الميداني، من أجل ردم وحرق النفايات الطبية الصلبة، وقد نُفِّذ المشروع منذ سنة ونصف تقريبًا، ويتألف من ثلاثة أقسام، الأول عبارة عن حفرة من الإسمنت، يوجد فيها حراق مخصص للأطراف المبتورة أو الأشلاء الناتجة عن القصف، والثاني عبارة عن حفرة من إسمنت مُكثّف مخصصة للسوائل، أي للدماء والسوائل التي تخرجها أجهزة غسيل الكلى، والثالث حفرة تحوي على الرمل والإسمنت، مخصصة لدفن النفايات الصلبة كالإبر والمشارط والشاش والقطن، ويتم حرقها بين الحين والآخر”.

وعن المخاطر المباشرة على السكان، نتيجة هذه النفايات الصلبة، قال المواطن نجيب البش: “منذ سنة تقريبًا، وفي فصل الشتاء تحديدًا، انتشر وباء الحمى التيفية واليرقان، بشكل غريب في مدينة سلقين، وبالأخص بين الأطفال، وشكّ السكان حينها بأن تسرب مياه الأمطار لمكب النفايات الطبية، هو ما تسبب بانتشار هذه الأمراض، الذي كان من المفترض أن يكون محميًا من تسرب مياه الأمطار الغزيرة التي تتسرب لاحقاً للتربة، ونطالب أي جهة طبية متخصصة أخذ عينات في التربة وفحصها، حتى لا يتكرر هذا الأمر في الشتاء المقبل”.

وكان أعضاء المكتب الطبي في المجلس المحلي في مدينة سلقين، قد طالبوا سابقًا بعد إنشاء المكب من أصحاب العيادات الصحية ومراكز التحليل، رمي النفايات الطبية والصلبة ضمن هذا المكب، لكن كثيرًا منهم لم يلتزم، باستثناء المستشفى الميداني والمستوصف الطبي في المدينة.

تصنيف النفايات الطبية

ويشار إلى أن النفايات الصّلبة، تُصنّف ضمن ثلاثة أنواع، أولًا: النفايات العادية؛ وهي التي لا تُشكل أي خطورة على صحة الإنسان، مثل الأوراق والزجاجات الفارغة التي تحتوي على مواد غير خطرة، وبعض المواد البلاستيكية والعلب الفارغة وبعض بقايا الأدوية العادية غير الخطرة وبقايا المطهرات، وهي غير سامة، ولا أثر سلبي لها على البيئة، ثانيًا: النفايات الخطرة؛ وتتضمن بقايا غرف العمليات الجراحية، وتشمل أعضاء بشرية وسوائل الجسم من أثر العمليات، والدم الذي قد يحتوي على الأمراض، وبقايا المختبرات من سوائل التحليلات وبقايا العينات التي تُستخدم في التحاليل، إضافة إلى نتائج التفاعلات الكيميائية التي تلقى بعد معرفة نتائج التحاليل، وكلها مخلفات غاية في الخطورة، ويجب أن تُعامل معاملة خاصة عند التخلص منها، ولا تُرمى مع النفايات العادية نهائيًا، كما تشمل النفايات الناتجة عن مستلزمات الجراحة، كالضمادات الملوثة التي استُهلكت، وملابس المرضى التي يتم ارتداؤها في غرف العمليات، وقفازات الأطباء التي يستخدمونها في الجراحة، والقطن المُلوّث والإبر البلاستيكية والحقن وغيرها من النفايات الملوثة بحد ذاتها، والتي قد تُشكّل مصدرًا للعدوى في حالة تعرض الإنسان العادي لها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تشمل أخيرًا النفايات المُشعّة، وهي تتضمن بقايا غرف الأشعة، والمختبرات المتخصصة، والمحاليل المشعة المستخدمة في التحاليل الطبية، كاليود المشع وغيره، وهذه البقايا قد تكون مواد مشعة ذات نصف عمر قصير، وقد تكون ذات نصف عمر طويل، وتكون ذات خطورة بالغة على صحة الإنسان وعلى البيئة المحيطة به.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق