تحقيقات وتقارير سياسية

بديهية (ثيوسيديس) تُخيّم على طريقة تعاطي الأمم المتحدة مع الثورة

واضح -تمامًا- أن الحديث المسيطر على الساحة السورية، في هذه الأيام، هو الهدنة التي أعلن النظام -كعادته- موتها، والاتفاق الغامض بين روسيا وأميركا، الذي وصفه العميد أحمد رحال، في مقالة صحافية بأنه “عبارة عن تقسيم جغرافي للقتل”، ذلك الاتفاق السري، والمحجوب؛ حتى عن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ومبعوثه الخاص إلى سورية، ستيفان دي مستورا، هو نتيجة طبيعية لحالة العجز التي تعيشها الأمم المتحدة، بمنظماتها وهيئاتها المختلفة، نتيجة هيمنة مصالح الدول الكبرى عليها، وانعكاس اختلاف تلك المصالح، تعطيلًا لدورها، وتجميدًا لفاعليتها، وفقدانًا لصدقيتها، خصوصًا بعد الفشل الذريع في إيقاف آلة القتل التي يقودها النظام السوري، بمساندة أكثر من 42 ميليشيا موالية له، منذ خمس سنوات، قُتل خلالها مئات الآلاف من الأبرياء، ودُمرت مدن عدة، وهُجّر ملايين المدنيين من بيوتهم.

يأتي الواقع المزري الذي تعيشه سورية اليوم نتيجة لاستهتار المنظمة الأممية، ووقوفها، والهيئات التابعة لها، موقف المتفرج الصامت، أو القلق في أحسن الأحوال، وتسليمها قيادة الاستراتيجيات للدول الكبرى لتقرير مدى فاعليتها، حتى تحولت هذه المنظمة إلى صدى لمواقف تلك الدول في كثير من الأحيان.

ليس الاتفاق الأميركي – الروسي الذي يُتداول هذه الأيام، سوى صفعة جديدة في وجه الأمم المتحدة، التي لم يطلعها أي من المتفقَين على أي تفاصيل؛ لتؤكد أنها مجرد مقر تتبادل فيه الدول الكبرى السجال فيما بينها، دون أدنى تأثير للمواثيق والقوانين الناظمة لعملها، وأنها باتت حملًا زائدًا؛ لقصورها عن مواكبة التغيرات المستمرة على ساحة الصراع، واكتفائها بلعب دور الوسيط؛ لإجراء مصالحات في مناطق التماس المباشر، وفقًا لمصلحة الدول ذات التأثير، وليس وفقًا للقوانين أو الأعراف المرتبطة بهذا الشأن.

تجاوزت الأمم المتحدة حياديتها حين غضّت الطرف عما يحدث في سورية، ولا سيما في ما يتعلق بالتغيير الديموغرافي للمناطق، وداريا مثال قريب جدًا، وكذلك الوعر، في ظل عدم القدرة على تطبيق القرار 2188، وعجز عن إدخال المساعدات الإنسانية، أو حماية قوافلها من القصف أو السرقة، بل والتورط في صفقات مشبوهة مع النظام، فضلًا عن عدم القدرة على إصدار إدانة بحق الميليشيات الموالية للنظام، والتي تعيث في سورية فسادًا، وكذلك عدم الاكتراث بالتدخلات الإيرانية السافرة، وتوظيف سورية كورقة بيدها، والانخراط الروسي الكامل في دعم النظام، ومشاركته في تدمير ما لم تستطعه إيران وحزب الله وبقية الميليشيات.

في ظل ذلك كله على المعارضة السورية أن تُدرك حقيقة أوضحها (كلاوز فيتز) في كتابه “الحرب ليست سوى مواصلة السياسة بوسائل أخرى”، وهذا يحتم العمل على صعيدين: أولهما توحيد فصائل المعارضة المسلحة جميعها، ووضع استراتيجية عسكرية تتلاءم وواقع الصراع، والثاني وضع استراتيجية سياسية واضحة المقاصد، قادرة على الخروج من حالة الاستعصاء الذي تمر به الثورة؛ نتيجة عدم الجدية الأميركية لحسم الملف، في مقابل الاستشراس الروسي لدعم النظام، بكل السبل المتاحة، ويتأتى ذلك بتعزيز الرؤية السورية وتغليبها على رؤية الدول “الداعمة”، من خلال مزيد من التفهم للغة المصالح، والعمل على توظيف ذلك؛ لخدمة الثورة السورية، وإعادة الزخم إلى مقاصدها، وكسب المزيد من الجدية في التعاطي معها، وإلا فإننا سنبقى خاضعين لبديهة المؤرخ الإغريقي (ثيوسيديديس) التي تقول: “القوي يفعل كما يريد، والضعيف يعاني كما يجب”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق