لم تنته مشكلة اللجوء السوري، في دول الاتحاد الأوروبي، عند صعوبات التواصل اللغوية، بل كان للعادات الاجتماعية -التي تبناها القانون السوري- نصيب من هذه المشكلة، كمشكلة القاصرات المتزوجات في سورية، واللاتي أتين مع أزواجهن إلى أوروبا. هذه المشكلة وضعت القانون الألماني أمام معضلة جدلية معقدة.
فقد ذكر السجل المركزي لشؤون الأجانب في ألمانيا، الجمعة 9 أيلول/ سبتمبر 2016، أن نسبة زواج القاصرات مرتفعة في ألمانيا، حيث سُجلت 1475 حالة زواج تحت السن القانوني، معظمها بين اللاجئين.
وبحسب التقرير الذي نشره السجل، بطلب من حزب الخضر الألماني، ودعم مجموعة (فونك) الإعلامية، فإن سورية تمثل العدد الأكبر للأزواج القاصرين؛ حيث بلغ عدد الحالات 664 حالة على الأراضي الألمانية، في حين كان نصيب أفغانستان 157 حالة، والعراق 100 حالة، وتوزعت الحالات الأخرى على جنسيات أوروبية مثل بلغاريا، بولونيا، ورومانيا، واليونان.
أضاف التقرير أن “أكثر من ثلثي حالات الزواج المسجلة، تتراوح أعمار الزوجين بين الـ 16 و18 سنة، كما يوجد 361 طفلًا لم يتجاوزوا سن الرابع عشرة، سُجل زواجهم في ألمانيا حيث يعيشون حاليًّا”.
القانون السوري وتزويج القاصرات
يقول أنور المحيميد، محام وناشط حقوقي مقيم في ألمانيا، لـ (جيرون): إن مسألة زواج القاصرات “من أكثر المسائل تعقيدًا خلال الفترة الماضية في سورية، على الرغم من وجودها سابقًا في مناطق عدة، ولا سيما الأرياف، وانتشارها بين الشرائح الأقل تعليمًا؛ حيث لوحظ تزايدها خلال فترة الحرب في سورية، كون الفتاة أو ولي أمرها يقبل بأي شخص قادر على الإنفاق عليها، أفضل من الفقر والعوز من وجهة نظر غالبية أفراد المجتمع”.
ويضيف أن “قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 للعام 1953، يحدد في المادة 16 منه أهلية الزواج، وفق الآتي: تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر. وينص في المادة 18 على 1- إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج، يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما، 2- إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته”.
وتابع، قائلًا: “يُلاحظ أن القانون السوري سمح بزواج القاصرات، لكن بضوابط معينة، ولا يجوز تجاوزها، وقد راعى قانون الأحوال الشخصية السوري المسألة الاجتماعية، من خلال إعطاء الولاية للأب أو الجد ولكن ضمن حدود المصلحة، وفي الأحوال الطبيعية يُرفض كثير من عقود الزواج التي يكون أحد طرفيها قاصرًا، ولكن يلجأ بعض الآباء إلى تزويج بناتهم عرفيًّا، خارج إطار المحكمة، وبعد حدوث الحمل يتقدم بدعوى تثبيت زواج أمام المحكمة؛ ليفرض واقعة قانونية على المحكمة؛ لتثبيت الزواج”.
يرى المحيميد أن أهم مسببات هذه الحالة “هو الجهل، سواء بالقانون أو بالشريعة، وتزايدت طردًا بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة التي يمر بها جزء كبير من المجتمع السوري، واستغلال ضعاف النفوس وأصحاب الأموال بتقديم العروض للزواج، مستغلين حالة العوز التي تمر بها كثير من العائلات”.
وتابع: “مسألة زواج القاصرات أصبحت عابرة للحدود مع تزايد أزمة اللجوء، وظهورها بشكل قوي في الدول المجاورة، ولا سيما في جنوبي تركيا، وانتقالها إلى الدول الأوروبية، مع توافد موجات اللجوء إلى القارة العجوز؛ لتجد الدول الأوربية نفسها أمام حالة موجودة، ومخالفة للقوانين الأوربية “.
في ألمانيا
لم يقف الألمان أمام قانونهم الخاص بالزواج يومًا، لكن ازدياد نسبة القاصرات المتزوجات في مجتمعهم، أثار الأسئلة لديهم، ولا سيما أن الزواج من القاصرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 16 عامًا مشروع في ألمانيا (في حالات خاصة، على أن يتجاوز عمر أحد الزوجين سن الـ 18)، على الرغم من التعامل المختلف مع تلك الحالات. وللحد من “هذه الثغرة” في القانون الألماني -والتي تخالف مبادئه الحضارية بطبيعة الحال، شكّل وزير العدل الألماني، هايكو ماس، فريق عمل مشترك من ممثلي الولايات الألمانية، وممثلين عن الحكومة؛ للبحث في قانون موحد لجميع الولايات بخصوص الموضوع.
وبحسب تقرير نشرته وكالة “دوتش فيله” الألمانية، فإن “السؤال الرئيس الذي يشغل بال أعضاء الفريق هو: هل ينبغي الاعتراف بالزواج الذي عُقد خارج ألمانيا؟”، موضحًا أنه “في أثناء عملية تسجيل اللاجئين، لاحظ الموظفون أن هناك عديد من حالات زواج القاصرين… أما تفاصيل محددة عن عمر الأزواج، ومتى عُقد القران من الصعب التكهن به، وبما أن الإدلاء بأي معلومات عن الحالة الاجتماعية للاجئين لم يكن إلزاميًّا في أثناء عملية تسجيلهم، من الصعب إعطاء أي إحصائية دقيقة حول عدد الحالات، ولكن التكهنات تقول بأن العدد مرتفع جدًا”.
يقول رشاد الهندي، الإعلامي والموظف المتخصص في مجال القاصرين في ولاية هامبورغ الألمانية، لـ (جيرون): “حالت عادات اللاجئين السوريين في عدم إظهار عواطفهم في الأماكن العامة، دون معرفة المجتمع الألماني لحالات الزواج هذه، مشيرًا إلى أن من يعلمون بهذا النوع من الزواج طرفان: الموظفون الحكوميون والمطلعون على الأوراق الثبوتية للاجئين، أو الجيران والأصدقاء للزوجين، وهذا نطاق ضيق جدًا”.
ويرى المحيميد أن “الحكومة الألمانية وجدت نفسها أمام حالة قانونية جديدة، لم تتم على أراضيها. حالة يحظرها قانونها، ولكنها قانونية بوثائقها، كون أغلب حالات الزواج من قاصر تمت بعقود صحيحة أمام المحاكم الشرعية في سورية”.
وحول كيفية تعامل الحكومة الألمانية مع الموضوع، يقول الهندي: إن “الحكومة الألمانية تعد الزواج رسميًا إذا ما قُدمت ثبوتيات حكومية سورية للزواج، ويتم الاعتراف به هنا، وبالتالي؛ يصبح زواجًا له كافة الحقوق والواجبات”، واستدرك قائلًا: “لكن مؤخرًا ونتيجة للإحصائية التي نشرها بعض المؤسسات الحكومية والحقوقية عن كثرة وجود قاصرين متزوجين ضمن اللاجئين، أُثير الموضوع على المستوى السياسي، وهنالك من يطالب بعدم الاعتراف به رسميًّا، وإنما تطبيق القانون الألماني الذي يرى بأن الزواج يحق لمن هم فوق سن الثامن عشرة فحسب”.
كما أشار المحيميد إلى أن “هناك ولايات قامت بالفصل بين الزوجين، ووضع الزوجة في مكان مخصص للقصّر، وفي بعض الحالات قد تكون حاملًا، أو لديها طفل، وتبقى في هذا المكان بإشراف مسؤولة الدعم المجتمعي؛ حتى بلوغها سن الثامن عشرة، والقرار متروك لها -في هذه الفترة- بالمطالبة بالانفصال أو العودة إلى زوجها، كما أن هناك ولايات أبقت الحال على ما هو عليه، ويعيش الأزواج في بيت واحد، وهناك زيارات دورية لمسؤولة الدعم المجتمعي لمتابعة حالة الفتاة”.
ونوه إلى أن بعض الأزواج يقومون “بإخفاء وثائق زوجته، والادعاء أنها في سن الثامن عشرة والإصرار على ذلك في التحقيق أمام مكتب الهجرة واللجوء، ولم يتم إلى اليوم -بحسب المعلومات المتوافرة لدي- أي فحص طبي؛ لإثبات السن في حال شك المحقق في سن الفتاة”.
هل من حلول
تختلف الرؤى في الساحة الألمانية، حيث إن بين يدي الحكومة حالات زواج سابقة، لا تعلم كيف تتعامل معها، خصوصًا أنها تضع القانون الألماني على المحك، مع تزايد عدد الوافدين إلى أراضيها، تقول ميريا بوموكه، عضو منظمة (Terre de Femmes) الفرنسية لحقوق المرأة، “نطالب بشطب هذا الاستثناء، ونطالب بتطبيق سن 18 عامًا كحد أدنى لسن الزواج، دون أي استثناء، نحن لا نطالب بالطلاق القسري، ولكن نطالب بعدم الاعتراف بهذا الزواج؛ لحماية هؤلاء الفتيات”، وفق “دوتش فيله”.
ويرى راينر بيكر، الرئيس التنفيذي لجمعية “مساعدة الطفل في ألمانيا”، أنه “يجب النظر في زواج الأطفال الذي عُقد خارج البلاد، كل حالة على حدة”، وتابع “يجب علينا أن نتعامل مع هذه القضية والاعتراف بها، ولكن أن نقول ببساطة: نحن لا نعترف بزواج القاصرات عمومًا، تصرف لن يفيد هذا الموضوع على الإطلاق. فليس كل زواج قاصرة زواج أُرغمت عليه”.
بدوره، يقول المحيميد: إن “التناقضات الموجودة فعليًا أكثر من الحلول، وتزداد تعقيدًا في حال وجود حمل أو أطفال؛ ما يقوض دور منظمات الدعم المجتمعي، أو حتى النخب المثقفة من سورية على التوعية، بتجنب حالات الحمل المبكر في حال استمرار العيش سويًّا، أو دعم الفتاة من الجانب التعليمي والتأهيلي، في حال تم فصلها عن زوجها ووضعها في نزل القاصرين لحين بلوغها السن القانونية، والخيار في النهاية متروك لها”.
وأضاف: “شهدت العديد من حالات عودة الزوجة لزوجها؛ وحتى حدوث حالات طلاق وانفصال في حالات أخرى، ولا تتوافر لدي أرقام دقيقة عن كل حالة، ولكن الملحوظ -وبشكل قوي- هو انتشار هذا الزواج في المجتمعات غير المتعلمة؛ أغلب الحالات التي سمعت عنها، أو شاهدتها بأم عيني، تجد أن الزوجين أميان، ما ساهم في صعوبة التواصل بينهما، وبين مسؤولي الخدمة الاجتماعية، وصعوبة تعليمهما اللغة الألمانية؛ كونهما لا يتقنان حتى لغتهما الأم قراءة وكتابة”.