الإنسان أناني بطبعه، وميّال إلى حب التملك، تبعًا لذلك؛ فإن الإرهاب وليد العصور القديمة، عرف الإنسان “الإرهاب” ومارسه دفاعًا عن نفسه ووجوده، وعن ملجئه، وكوخه، وبيته.
اللجوء إلى القوة والعنف أمر فطري، لجأ إليه الإنسان لتأكيد ذاته، أو لاستغلال أخيه الإنسان، إلا أن فكرة “الإرهاب” والعنف الكامنة في النفس البشرية تطورت بتطور الإنسان ومحيطه، فانفلتت من المحيط الفردي والشخصي للإنسان؛ لتكتسب المنحى الشمولي للمجتمع، بما له من معطيات بنيوية إنسانية واجتماعية واقتصادية.
غير أن صورة “الإرهاب” أصبحت أكثر وضوحًا بنشوء المجتمعات الأولى، القائمة على الملكية، مرورًا بمرحلة المشاعية البدائية التي تجبر على قانون تفاعل العلاقات الاجتماعية والقوى المنتجة. وهو قانون لا يمكن الإخلال به، فعدم التوافق بين العلاقات الإنتاجية والقوى المنتجة يسير بالأمر نحو الثورة الاجتماعية.
أما في مرحلة الرق فإن المجتمع ينقسم إلى طبقتين متضادتين: طبقة مالكي العبيد، وطبقة العبيد. هذه المرحلة نشأ فيها الصراع الطبقي، نتيجة للكبت الاجتماعي والظلم الاقتصادي، فكانت النهاية لهذه المرحلة بثورة العبيد وإسقاط مجتمعات الرق، التي ولد من حطامها النظام الإقطاعي، الذي احتوى في مضمونه عدة طبقات “النبلاء، والكهنوت، والفلاحين، والتجار، وأخيرًا الإقطاعيين”.
فكان الفلاح هو الضحية؛ ما ولّد لديه روح التمرد. كما ظهرت المدن، وأُنشئت ورشات العمل اليدوي، ونما الرأسمال التجاري، معتمدًا على طبقات أخرى، تحالفت وقامت بثورات، قضت خلالها على النظام الإقطاعي ليحل محله النظام الرأسمالي.
إن النظام الرأسمالي قد طور الاقتصاد، وكرّس رأس المال، وأدخل العلم لجميع الميادين، كما أشار لذلك ماركس بقوله: خلقت البرجوازية منذ تسلطها الذي لم يكد يمضي عليه قرن واحد، قوى منتجة تفوق في عددها وعظمتها كل ما صنعته الأجيال السابقة مجتمعة.
انقسم العالم على إثر النظام الرأسمالي إلى تكتلات سياسية واقتصادية، وظهرت الاحتكارات الرأسمالية المتطوّرة، والبلدان النامية التي حصرت سيادتها تدريجيًا عن طريق سياسة الإفساد على نطاق واسع، حيث استعملت الدول الاحتكارية وسائل أكثر عنفًا؛ لإخضاع شعوب العالم لسيطرتها، لذلك ازدادت عمليات “الإرهاب”، وتنوعت وسائله في ممارسة هذه العمليات.
المستفيد الوحيد من انتشار ظاهرة “الإرهاب” وتعميمها في العالم، هو الاستعمار والإمبريالية العالمية وعملائها، وعندما جاء القرن العشرين، عصر التحرر من الاستعمار القديم “التقليدي والتبعي”، وبالتحديد بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917، بدأت تظهر إلى الوجود دول جديدة، ذاقت شعوبها ويلات الحروب، من خلال الثورات الشعبية ضد الغاصب المحتل، وكان الوصف الدائم لجميع هذه الثورات “الإرهاب والإرهابيين” بينما أميركا سيدة الكون تعمل على أمركة العالم، حيث كتب “تيودور روزفلت” إلى السيناتور “هنري كابوت لودج” ما يلي: “آمل أن ينفجر الصراع عما قريب، وقد أقنعتني صيحات الاجتماع التي أطلقها أنصار السلام أن البلاد تحتاج إلى الحرب”، وبعد سنوات قليلة كان روزفلت يقول: “إن قدرنا هو أمركة العالم.. تكلموا بهدوء واحملوا عصا غليظة، عندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيدًا”.
وكان الوصف الدائم لتلك الثورات كما ذكرنا “الإرهاب، والإرهابيين”؛ فلم يكن هناك تمييز بين “الإرهاب” والعنف، وكثير من المصطلحات، فإذا كان العمل العنفي مدانًا، فأين موقع “الإرهاب” الذي تجاوز أي عمل عنفي بآلاف المرات، لما يتركه من أثر نفسي وسياسي على الشعوب واقتصاداتها، فمن باب أولى إدانته هو أي “الإرهاب” بداية تبعًا للآثار المترتبة عليه.
ما إن حلّ القرن الحادي والعشرين، حتى تغيّرت صوره وتشعبت أشكاله. حتى بات الخلط حاجة ماسة لبعض القوى، أكثر من أن يكون توصيفًا وتشريحًا. تحول معها اختلاف الدول حول مفهوم “الإرهاب” رغبًة لا واقع حال؛ حتى صار في المفهوم الخاص إشكالًا، وبالمفهوم العام غلقًا وإبهامًا، ودخلنا في حلقة مفرغة لا بداية لها ولا نهاية، أو تحولت إلى أغنية ممجوجة طربت لها آذان العالم. المتحضّر