هموم ثقافية

معنى الشهر وتقسيم لياليه عند العرب

وقف الإنسان حائرًا أمام الظواهر الكونية التي تتبدّى أمامه، فكان يلاحظ التغيرات والعوامل المحيطة، عاجزًا عن فهم جوهرها، غير عارف الطريقة التي يجب عليه أن يتعامل معها، فقد كانت سيرورة الليل والنهار أول ما نبهته إلى الاختلافات، وساعدته في الرصد؛ إذ كان أقدم توقيت عرفه الإنسان تعاقب الليل والنهار، وبنى أسسه عليه، ثم لاحظ تعاقب الفصول والظواهر الطبيعية التي ترافقها.

أما الليل بسواده ودُهمته، فقد كان ستارًا عاتمًا لم يفهمه الإنسان، ولم يجد فيه إلا ذاك القرص المنير الذي سحره، فمجده وجعله إلهًا له، ملاحظًا حركته التي كانت العلامة الوحيدة التي تدله على مرور الوقت ليلًا، فبظهوره انقضت ليلة، ثم يختفي نهارًا، وتمر ليال من دون أن يظهر، حتى يعاود ذلك بعد ثمانية وعشرين يومًا، فراقب الإنسان الأول ذلك الجسم الغامض بدأب، وقرنه مع ما حوله، محاولًا ربطه بأحداث توفر له معرفة الزمان، فوجد أن المرأة تحيض عند اكتمال البدر، فاتخذه معيارًا زمنيًا، وصار يرسم الأحداث وفق حركة القمر المتتابعة، ولقد كان سكان بلاد الرافدين يعدون تمام البدر يومًا تحيض فيه عشتار، وتستريح من كل أعمالها، فمع كل ظهور قمر يمر شهر؛ فتمام البدر يحتاج ثمانية وعشرين يومًا.

انتبه لذلك البابليون؛ وكونهم أقدم ما وصل إلينا، وأول حضارة نطمئن إلى أخبارها وتاريخها، فكانوا أول من جعل اثني عشر قمرًا متتاليًا عامًا كاملًا، ومثلوا شهور السنة القمرية بأبراج السماء الاثني عشر، وسموها منازل القمر، وتابعتهم الشعوب اللاحقة في التقويم القمري؛ فالعرب سموا الشهر شهرًا؛ لأنه بحسب ما ورد في لسان العرب والمعاجم العربية أن الشُّهرة: ظهور الشيء في شُنْعة حتى يظهره الناس، والشَّهْر القمر، سُمي بذلك لشهرته وظهوره، وقيل: إذا ظهر وقارب الكمال. قال ابن سيده: والشهر العدد المعروف من الأيام، سُمي بذلك؛ لأنه يشهَر بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه، وقال الزجاج: سُمي الشهر شهرًا لشهرته وبيانه، وقال أبو العباس: إنما سُمي الشهر شهرًا لشهرته؛ وذلك أن الناس يشهرون دخوله وخروجه.

ذكر القلقشندي في صبح الأعشى أن الشهر هو الزمان، أو الوقت الذي يستغرقه القمر للدوران دورة كاملة حول الأرض؛ ولهذا أسمته العرب شهرًا؛ لأنه يشهر بالقمر.

ويتراوح عدد أيام الشهور بين ثمانية وعشرين يومًا وواحد وثلاثين يومًا. والشهر العربي عبارة عما بين رؤية الهلال إلى رؤيته ثانيًا، وعدد أيامه تسعة وعشرون يومًا ونصف يوم على التقريب، ولما كان هذا الكسر في العدد عَسِرًا عدوا جملة الشهرين تسعة وخمسين يومًا، أحدها ثلاثون وهو التام، والآخر تسعة وعشرون وهو الناقص.

وقد قسمت العرب ليالي الشهر بعد استهلاله كل ثلاثة أيام قسمًا وسمتها باسم؛ فالثلاث الأولى هلا، والثانية قمر، والثالثة بُهْر (ما اتسع من الأرض)، والرابعة زُهْر (والزهر البياض) والثلاث الخامسة بيض؛ لأن الليالي تبيَضّ بطلوع القمر فيها من أولها إلى آخرها، والسادسة دُرَع (الدُّرَع السواد مع بياض العنق)؛ لأن أوائلها تكون سودًا وسائرها بيض، والسابعة ظُلَم (لإظلامها)، والثامنة حنادس (تحندس الليل أظلم)، والتاسعة دآدئ (الواحدة منها دأدأة، دأدأ الهلال أسرع السير)، والعاشرة ليلتان منها محاق، وليلة لإمحاق الشمس القمر فيها.

ومنهم من يقول ثلاث غرر (وغرة كل شيء أوله) وثلاث شهب، وثلاث زُهْر، وثلاث تُسَع، لأن آخر يوم منها التاسع، وثلاث بُهر؛ بهر فيها ظلام الليل، وثلاث بيض، وثلاث دُرْع، وثلاث دُهْم وفحم وحنادس، وثلاث دآدئ.

ويروى عنهم أنهم يسمون ليلة ثمان وعشرين الدعجاء، وليلة تسع وعشرين الدهماء، وليلة الثلاثين الليلاء.

مقالات ذات صلة

إغلاق