بدأت الثورة السورية بصراع سوري – سوري، ولكنّها سرعان ما انتقلت إلى صراع إقليمي، مع بعد طائفي سنّي – شيعي، ومن ثم إلى صراع دولي مفتوح. تبادل الطرفان، طرف السلطة وطرف الثورة/ المعارضة، الاتهامات بإدخال الأجانب والاستعانة بهم، وخيانة الوطنية السورية، في البداية كانت سياسة الإنكار لدى الطرفين هي السائدة، ومن ثم من ازدياد حجم التورط الأجنبي، أتّبع الطرفان سياسة التقليل من شأنّه، فمن جهة السلطة السورية جرى تبرير تدخل حزب الله اللبناني بكونه لحماية القرى الشيعية على الحدود اللبنانية السورية وتأمين خاصرة حزب الله، ومن ثم استخدمت حجّة حماية المُقدسات الشيعية ومقام (السيدة زينب) وغيرها من المقامات التي اكتشفها السوريون أنفسهم أخيرًا! ومع الانخراط الكامل لحزب الله في القتال على كامل الجغرافيا السورية، أعلن عن تحالف “جبهة المقاومة في وجه التكفيريين والعدو الصهيوني”، وفسّر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في إحدى خطبه تدخّل قوات حزب الله في سورية بكونه لتحرير القدس وفلسطين، “طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة في سورية.. لا يمكن أن تكون مع فلسطين إلا إذا كنت مع إيران… فهي الأمل الوحيد المتبقي بعد الله لاستعادة فلسطين”[1]، وكذلك جرى تبرير تدخل مليشيات المتطوعين الشيعة العراقيين والأفغان بحماية المقدسات الشيعية، وجرى تبرير التدخل الإيراني بكونه ذو دور استشاري فقط، وجرى تبرير التدخل الروسي العنيف والوحشي، بكونه جاء من قبل الحكومة السورية الشرعية وفقًا للقانون الدولي، ومن جهة روسيا تمّ تسويق هذا التدخل تحت شعار مكافحة الإرهاب وحماية الأقليات في سورية ونصرة المسيحيين الأرثوذكس.
أمّا من جهة الثوار/ المعارضة، وفي الأعمّ استندتْ استراتيجيتهم لإسقاط النظام على فرضيّة استدعاء التدخل الخارجي، على غرار التدخل الأميركي الأطلسي في ليبيا، فقد أعلنت بسمة قضماني أحد الأعضاء البارزين في المجلس الوطني السوري في مؤتمر صحافي في باريس في 22 شباط/ فبراير 2012 أن المجلس “يرى أن التدخل العسكري هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة المستمرة منذ عام، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف في سورية، هناك شران: إما التدخل العسكري أو حرب أهلية طويلة”[2]، ومن ثمّ جرى التعويل على تدخل عسكري تركي، أو تدخل عسكري سعودي – تركي “التحالف الإسلامي”، لم يحدث بسبب الهيمنة الروسية المتزايدة على سورية، وتعقيدات الوضع الدولي.
من جهة أخرى فقد وجدتْ التنظيمات الجهادية الأممية في الثورة/ الحرب السورية، فرصة مناسبة لتمكين مشاريعها في إقامة “دولة الخلافة الإسلامية”، وهي تنظيمات لا تؤمن أصلًا بالوطنيّة السورية، وتتحاشى حتّى استخدام مصطلح سورية، ولقد كان دخول المتطوعين الجهاديين السنّة عبر العالم إلى سورية أمرًا مرغوبًا به من طرفي الصراع، فهذا يُساعد السلطة السورية على تحويل الثورة الشعبية إلى ثورة إسلامية طائفية سنّية، وبالتالي تحويل الصراع إلى حرب على الإرهاب وقطع الطريق مسبقًا على إمكانية وجود بديل حقيقي للنظام، مقبول إسرائيليًا وإقليميًا ودوليًا، ومن جهة أخرى هو يساعد الثوار/ المعارضة على الصمود وتجنب إمكانية سحقها من السلطة، لما عُرف به هؤلاء الجهاديون من بأس وشجاعة في القتال.
يتبيّن من العرض السابق، أنّ طرفي الصراع، سواء السلطة السورية أم الثوار/ المعارضة السورية -باستثناء الناشطين السلميين والعسكريين المنشقين في المراحل الأولى من الثورة السورية- كانوا راغبين، لا بل ويراهنون على تدخل “الغرباء الطيبين المفيدين”، كلّ لجهة مصالحه، وسواء أكان هؤلاء الغرباء أفرادًا أو مليشيات أو حتى دول، فعقب مجزرة الكيماوي بالغوطة التي ارتكبتها السلطة السورية في آب/ أغسطس 2013، والاستعدادات الأميركية لقصف مواقع وقوات السلطة، وجدنا حملة احتجاج كبيرة في الأوساط المؤيدة للسلطة؛ لرفض التدخل الخارجي، والروح الوطنية السورية هو عنوانها الأبرز، ولكن مع مجيء القوات الروسية وقصف الطيران الروسي لمواقع الثوار/ المعارضة، وجدنا حملة ترحيب كبيرة في هذه الأوساط المؤيدة للسلطة نفسها، لا بل وضمن أوساط المثقفين غير المنتفعين من السلطة، حيث كتب الشاعر نزيه أبو عفش على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ما يلي: “أجمل قصيدة… مسامحة القتلة مسؤولية الله أما إرسالهم إلى الله… فتلك مسؤوليتي. فلاديمير بوتين أبو عفش[3].
مما سبق نستنتج أنّ طرفيّ الصراع كانا يستخدمان ما سوف نطلق عليه اسم “أسطورة الغريب النجس” بشكل براغماتي وللتسويق الإعلامي، وللانتقاص من قيمة الخصم، السلطة تتهم الثوار/ المعارضة بالخيانة الوطنية، والاعتماد على الغرباء، وكذلك الثوار/ المعارضة يقابلونها بالمثل تقريبًا! الغريب في نظر الموالين للسلطة هو قريب في نظر الموالين للثوار/ المعارضة، والعكس! والنجس في نظر الموالين للسلطة هو ملاك في نظر الموالين للثوار/ المعارضة. إنّ هذا المثال يخفي هشاشية الوطنية السورية، ووجود صراع هويّاتي بين السوريين، صراع ذو طبيعة جوهرانية، بحيث يصبح ليس غير السوريين الداعمين للثوار/ المعارضة هو الغرباء الأنجاس، بل وأيضًا السوريين الموالين للثورة / المعارضة أنفسهم هم الغرباء الأنجاس! والعكس كذلك، كلاهما من تعبيرات الشرخ الهويّاتي بين السوريين، وقصور النخب السياسية والثقافية السورية في العموم.
ليس تفسيرات التدخل الأجنبي في سورية ممثلًا بدول ومليشيات وأفراد بالتعبير الوحيد عن (أسطورة الغريب النجس)، ولكن يمكن رصد أشكال متنوعة للتعبير عن هذه الأسطورة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولًا- سيناريوهات تخوين سوريين لبعضهم بعضًا، حيث ينظرون إلى فئويتهم القومية أو الدينية على أنّها سوريّة أصيلة الوطنية، بينما الفئويات الأخرى طارئة غريبة وافدة من خارج الحدود، مشكوك في انتمائها الوطني.
ثانيًا- تقديم الإسلام الشامي المعتدل بشكل طهراني، وعزو التكفير والتطرف الديني إلى غزو الإسلام الوهابي البدوي لسورية، أو وفود الإسلام الإخواني العنفي من مصر! وهذا ما تعرّضنا له في مقال سابق (الإسلام الشامي المعتدل! شبكة جيرون 14 أيلول/ سبتمبر 2016).
ثالثًا- محاولات إثبات أصول يهودية أو فارسية لعائلة الأسد!
رابعًا- المقولة الأسدية الشهيرة في الجراثيم، وتبرير الإبادة الجماعية والمجازر بكونها تطهير وقضاء على جراثيم غريبة!
هوامش:
[1] نصر الله طريق القدس يمر بالزبداني والقلمون، الجزيرة نت، 10-7-2015, الرابط: http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/7/10
[2] المجلس الوطني السوري: التدخل العسكري هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، موقع روسيا اليوم عربي – 22 شباط/ فبراير 2012, الرابط https://arabic.rt.com/news/579147
[3] بالصورة نزيه أبو عفش يثير غضب “المعارضة”، موقع آسيا نيوز، 22-11-2015, الرابط: http://www.asianewslb.com/?page=article&id=7030