تحقيقات وتقارير سياسية

الفارسية “الخمينية” واستراتيجية الاستيطان في سورية

كان من الممكن أن تشكل “الثورة العربية” ذات الأهداف المشتركة، المتمثلة في “الحرية والكرامة”، والتي اندلعت بالتتابع في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية، نواة لتحرر وطني، يُنجز مشروعُا عربيُا قويُا، إلا أن تدخل إسرائيل وإيران، ومن ورائهما، من قوى دولية (روسيا والولايات المتحدة)، عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، قد أطال من أمد الوصول إلى نهاية النفق العربي المظلم الضعيف، الذي تريد تلك القوى الإبقاء عليه؛ خدمة لمصالحها المتمثلة في منع الشعوب من نيل حريتها وكرامتها، وبالتالي قوتها، التي من شأنها الوقوف أمام استراتيجية كل من إيران وإسرائيل.

الأنظمة التي ثارت الشعوب العربية عليها، لم تكن لتصمد أمام الثورة لبضعة أيام، لولا تدخّل تلك القوى إلى جانبها، خاصة في اليمن وسورية، ودعم عسكرة الثورة و”تطييفها” خلق كارثة وطنية كبرى، بقتل مئات الآلاف من المواطنين، وتدمير البلاد، وهجرة ونزوح ملايين السكان.

مطلب استمرار تلك الأنظمة اللا وطنية هو مطلب خارجي وحاجة لا وطنية، إذ تُتيح من خلال عمالتها لتلك القوى تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، فليس من باب الغرابة أن يبيع النظام السوري معظم البلاد لإيران، مقابل بقاءه في الحكم، وليس من باب الغرابة -أيضًا- أن يُكرر معها ما قدّمه لإسرائيل من وعود وتطمينات، بُعيد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، الحادثة التي كادت أن تسوقه إلى محكمة الجنايات الدولية لولا تدخل إسرائيل القوي إلى جانبه.

يُشكّل النظام السوري، الذي يدين باستمرار وجوده لإسرائيل وإيران، مانعًا قويًا أمام طموح إنجاز مشروع عربي تحرري نهضوي، لطالما كان حلمًا يراود الأحرار الذين بذلوا حياتهم من أجله، ولا تبتعد معظم الأنظمة العربية عنه في ممانعته للمشروع العربي، فهي الأخرى تخشى من أن تطيح بها “الحرية والكرامة” التي ستتبلور أكثر كإرادة شعبية عربية، مهما طال الزمن أو قصر، ومهما تعددت استراتيجيات القوى المتهافتة، ولا سيما استراتيجية كل من إسرائيل وإيران، المبنية على الاحتلال والاستيطان، وإن اختلفت أهدافهما المعلنة.

وإذا كانت الكوارث التي ألحقتها إسرائيل في المنطقة العربية، على مدى العقود الماضية، قد كشفت طبيعة وخفايا استراتيجيتها في تثبيت أنظمة قمعية استبدادية عربية، بعد احتلالها الأرض والاستيطان فيها، وتمددها الاقتصادي والثقافي وغير ذلك، فإن الكوارث التي ألحقتها إيران بالشعب السوري خصوصًا، من خلال دعمها العسكري والاقتصادي اللا محدود للنظام المستبد، كشفت بعضًا من حقائق عناوين استراتيجيتها إزاء العرب، والتي كانت تُغطى بعناوين سياسية انطلت على كثيرين.

 

الفارسية والصهيونية والعامل العقائدي

ثمة تقاطعات ليست بالقليلة بين إسرائيل وإيران، تُمثّل هدفًا لكل منهما في المنطقة العربية، فتاريخيًا، الظاهر المعلن هو أن ما يجمعها في مشروعيهما في المنطقة العربية العامل “العقائدي”، الذي هو المدخل والمُحرّك لإستراتيجيتهما، ففلسطين للصهيونية أرض الميعاد الإلهي، وفيها مقدساتهم الدينية، وأهمها حائط البراق أو ما يسمونه “المبكى”، فيما المقامات الدينية، وقبور آل البيت بالنسبة للإيرانيين أماكن مقدسة خاصة في “سورية” وليس في “مكة”.

في الجوهر، فإن المشروعين الإسرائيلي والإيراني انطلقا بالتزامن مع بداية مرحلة نهوضهما القومي، ففي المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بال عام 1897، وترأسه “ثيودور هرتزل”، المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل، تقرر عودة “اليهود” إلى أرض الأجداد “الميعاد”، وفي عام 1979 تقرر أيضًا في إيران “العودة” من خلال تصدير “الثورة الخمينية” إلى الأرض العربية، ويلتقيان -أيضًا- في أن المحرك الرئيس لاستراتيجيتهما هو المطامع الاقتصادية والسياسية، في ظل غياب مشروع عربي أو وطني.

وإذا كانت الصهيونية قد استندت على اليهود العرب، والبالغة نسبتهم نحو ثمانية بالمئة، للتغلغل في العالم العربي في بداية “الهجرة” إلى فلسطين، فإن الخمينية استندت -أيضًا- على الشيعة العرب، بداية من لبنان بإنشاء “حزب الله”، وبعدها في سورية، خاصة مع بداية الثورة، في حين يلتقي الجانبان في نسج علاقات مع ما يُعرف بالأقليات؛ لإعطاء قوة ذاتية لكل منهما، وخلق حالة أقرب إلى التوازن مع الأكثرية الدينية، وإضفاء نوع من الشرعية؛ لتسهيل حالة التوغل والتمدد. وفي حين تمكنت الصهيونية من احتلال الأرض والاستيطان فيها، بيد أن إيران قطعت شوطًا لا يستهان به في هذا المجال، ووضعت أقدام مشروعها في أكثر من مكان في بلاد العرب خاصة في سورية.

 

الخمينية والهوية الفارسية

لم تحمل ثورة “الخميني” في جوهرها رؤية دينية مجردة، بقدر ما كانت تنطوي بشكل فعلي على قضايا تتعلق بيقظة الشعور القومي “الفارسي”، وقد صاغت -والحقّ يقال- هوية نهضوية لإيران جديدة، بعد أن كانت خلال حكم “الشاه” مجرد دولة تابعة للغرب، بيد أن هذا الشعور سرعان ما استعاد أمجاد “فارس” لحقب ما قبل الإسلام، وما حمله ذلك التاريخ من صراع وحروب مديدة، خاصة مع العرب، وعلى هذا، فقد امتزجت الشعور القومي الفارسي بالكراهية وروح الانتقام من العرب، فيما بدا التاريخ الإسلامي المشترك بين القوميتين عبئًا ثقيلًا في الوجدان القومي الإيراني الفارسي المستحدث.

بحسب المفكر الإيراني “كرماني”، كما تنقل عنه الباحثة “جويل بلندل سعد”، فـ “إن العرب هم الذين جلبوا الدمار للحضارة الإيرانية، وإن الإسلام دين غريب فرضته على الأمة الآرية النبيلة أمة سامية، تضم حفنة من آكلي السحالي الحفاة العراة البدو الذين يقطنون الصحراء”. ويضيف: “عندما اعتنق الفرس الإسلام، أو وجدوا أنفسهم مضطرين لاعتناقه لأسباب مختلفة، عملوا على (تبيئته) وجعله يتكيف مع أحوالهم وحاجاتهم”.

على هذا يمكن فهم الخمينية الفارسية، ذات الجوهر “الانتقامي التمددي”، والأدوات في ذلك هم الشيعة في بلاد العرب، وقد انقسموا إزاء الخمينية قسمين: قسم يدين بولاية الفقيه، وهم “الشيعة العرب”، والقسم الآخر هو “العرب الشيعة”، حيث تضيق المسافة وتتسع بينهما بحسب أولويات العناوين المساقة، ففي الحالة الدينية المذهبية، تكون إيران هي الأقرب إلى الجانبين، وفي الحالة القومية تظهر الهوة في اتساع بين الجانبين، إلا أن العامة تُساق على إيقاع غرائزي، وتتم قيادتها بالشعارات العقائدية، فلا يظهر على سبيل المثال عناصر (حزب الله) الفقراء في غالبيتهم، إلا ضمن فعل غرائزي ترعاه إيران من خلال الضخ المذهبي.

 

“الثورة” الخمينية وسورية الأسد

منذ انتصار “الثورة الخمينية” عام 1979، تأسست علاقات النظام السوري مع إيران، التي أعلنت عن تصدير نفسها للدول العربية خصوصًا، وتعززت تلك العلاقات مع وقوف النظام السوري إلى جانب إيران في الحرب ضد العراق، الذي كان في الحقيقة موجّه ضد صدام حسين، العدو اللدود للأسد الأب، الذي تعلّق في علاقته مع إيران الخمينية بشعارها الذي كان مدخلًا سياسيًا إلى العالم العربي، وهو: “تحرير فلسطين”، وذلك من أجل تبرير تحالفه معها داخليًا وعربيًا.

كان لسطوة الأسد الأب وقوة قمعه خاصية إدارة العلاقة الاستراتيجية مع إيران، فهو لم يتجاوز مفهوم الحليف الداعم لنظام حكمه ضمن إطار من التوازن مع المحيط العربي، ولا سيما ما كان يُعرف بركائز التضامن العربي الثلاث سورية ومصر والسعودية، وبالمقابل كانت إيران -من جهتها- ترغب بتأسيس علاقة قوية مع النظام، وعلى عدم إغضاب الأسد، ودعم نظام حكمه سياسيًا، ورعاية أهم المراقد الدينية التي لا تُشكّل أي خلاف مع المجتمع السني، مثل مقام “السيدة زينب” بدمشق ومقام “الشهد” بحلب.

عملت إيران في مراحل متقدمة على التسلل إلى المناطق التي توجد فيها الطائفة العلوية، مستغلة ما تعده تقاربًا مذهبيًا مع أبنائها، وقامت بنسج علاقات مع بعض المشايخ العلوية، من أمثال الشيخ فضل غزال المقرب من الأسد، كما رعت بشكل محدود وغير معلن بعض المراقد المعروفة لدى العلويين، وعلى هذا فقد استشعر خطرهم وخشي من ابتلاعهم لنظامه، واتخذ سلسلة إجراءات داخل الطائفة العلوية وخارجها لضمان حراسة مملكته من توغل الإيرانيين الذي كان يعطيهم بعضًا مما يطلبون من مصالحهم في البلاد، وعلى الرغم من ذلك، فقد بدا “الأسد الأب” مدركًا لخطر إيران على ابتلاعها نظام حكمه، لكن على المدى البعيد، وعمل على الإمساك بزمام إدارة التحالف معها وعلى قوننة محاولاتها في التوغل، وإعادة حصر أماكن وجودها في منطقة السيدة زينب التي شهدت فيما بعد ثراءً إيرانيًا فاحشًا، حيث استملكوا في فترة لاحقة وبشكل تدريجي العقارات المحيطة.

معظم ما قامت به إيران من خطوات للتمدد في سورية في هذه المرحلة، كانت تتم تحت عنوان دعم الموقف السياسي السوري و”القضية الفلسطينية”، ولم تكن تأخذ شكل نشر التشيع، وإنما كانت تُركز على البعد الإسلامي العام، كإقرار يوم القدس العالمي من الخميني، والتركيز على المسجد الأقصى، فيما كانت تدعم بشكل شبه سري جهات شيعية تعزيز نفوذها الاقتصادي، وشراء العقارات في أماكن مختلفة، ولا سيما في العاصمة دمشق.

 

الخمينية والأسد الابن

في عهد بشار الأسد، كان واضحًا الدور الذي قامت به إيران من خلال حزب الله في تغيير طابع العلاقة الإيرانية مع النظام الجديد، وكان مشهد زيارة التهنئة التي قام بها حسن نصر الله للرئيس الجديد، ذا دلالة كبيرة على هذا الدور، ولا سيما أنه قدم ومعه المئات من أتباعه، وهم يرتدون الزي العسكري لحزب الله؛ لتهنئته في بداية ولايته الأولى؛ ما يُذكِّر بواقعة قدوم البرامكة الشيعة لزيارة هارون الرشيد لتهنئته، إلا أن بشار الأسد لم يطردهم كما فعل الرشيد، الذي قال لهم غاضباً: “هذا وفد جاء للمباركة أم جيش جاء للقتال”، بل بدا بشار الأسد مسرورًا مرحبًا بهم؛ ما أعطى مؤشرات مستقبلية إلى أن البلاد تتجه للارتماء في أحضان إيران وحزب الله.

لقد شكلت حركة التشيع لإيران مدخلًا ذا أهمية قصوى؛ لخلق ركائز لها في المجتمع السوري، تشكل ضامنًا لحركتها الاقتصادية المقبلة، فأصبح التشيع -في بداية عهد الأسد الابن- يسير بشكل أوضح وعلني، ويُقال: إن عدد المتشيعين بالإغراءات المادية مضافًا إليهم عدد الذين تم تجنيسهم من الإيرانيين والعراقيين “الشيعة” ذوي التوجهات الإيرانية، قد وصل إلى المليون شخص، يقيم معظمهم في منطقة السيدة زينب وما حولها.

كذلك برزت عمليات التزوير الفاضحة للتركيبة الديموغرافية للشعب السوري، ولعل أشدها وضوحًا، تلك الدراسات الوهمية التي نشرتها المخابرات السورية عن أن المجتمع السوري هو مجتمع أقليات، وأن أهل السنة العرب لا تتجاوز نسبتهم 45 بالمئة من مجموع الشعب السوري، وأن هؤلاء منقسمون على أنفسهم، في محاولات لتزوير التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا السورية.

في حين تقدر إحصاءات متطابقة أن نسبة الشيعة السوريين كان قبل ذلك يتراوح بين 3 إلى 4 في المئة، وأبرز المناطق التي يوجدون فيها هي في دمشق، ويتوزعون في زين العابدين والجورة وحي الأمين، الذي يعد أهم مركز للشيعة في سورية، وفيه مسجدان: الأول مسجد الإمام علي بن أبي طالب، وحسينية يمتد نشاطها على مدار السنة، والمسجد الآخر مسجد الزهراء.

 

الخمينية الاقتصادية في عهد الأسد الابن

كانت العلاقات الاقتصادية الرسمية والتبادل التجاري بين البلدين لمصلحة إيران في معظمها، فقد أظهرت إحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية أن عجز الميزان التجاري كان لصالح إيران، خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة التي انتهت عام 2005، وكان ضخمًا إذ بلغ 384 بالمئة تقريبًا، وبالنسبة للصادرات الإيرانية إلى سورية، في السنة الأخيرة من الخطة مقارنة بالأولى، فقد تضاعفت 1.6 مرة تقريبًا (أي بنسبة 58 بالمئة) وبذلك، يكون العجز التجاري قد زاد بالنسبة إلى الجانب السوري بنسبة 52 بالمئة تقريبًا في السنة الأخيرة، مقارنة بالسنة الأولى من الخطة الخمسية العاشرة لصالح إيران.

وإذا كان طموح إيران في عهد الأسد الأب في إيجاد ركائز راسخة لها في سورية، بغض النظر عن المرابح أو النفوذ الاقتصادي، إلا أنه في عهد “الأسد الابن” عملت على تحقيق العاملين معًا، مستفيدة من سياسة الانفتاح الاقتصادي ونظام الخصخصة الذي بدأ النظام يعمل به، ضمن سياسة التحول إلى اقتصاد “السوق الاجتماعي”، وتخسير قسم لا يستهان به من شركات القطاع العام؛ بغية بيعها لمتنفذين ورجال إعمال سوريين، ونسجت شبكة من العلاقات الاقتصادية مع رجال أعمال سوريين متنفّذين، من أمثال رامي مخلوف وسليمان معروف ومحمد حمشو والمفتي أحمد حسون وإياد غزال وزيدان غزالة والشيخ فضل غزال وغيرهم، وعملت من خلال هذه الفاعليات غير الشيعة على زيادة نفوذها بشكل عام في سورية، ولم يحتل البعد المذهبي أولوية بالنسبة لسياستها الاقتصادية، بل شملت علاقاتها شخصيات ومجموعات اقتصادية وثقافية وفنية ودينية وعشائرية خصوصًا من السنة والمسيحيين والدروز.

شاركت المجموعات الاقتصادية الإيرانية في تأسيس شركات اقتصادية كبيرة من خلال رامي مخلوف، مثل بنك سورية الدولي الإسلامي الذي يساهم فيه إيهاب مخلوف شقيق رامي مخلوف وسليمان معروف، وكذلك شام القابضة والشركة الإسلامية للوساطة والخدمات المالية، وكذلك شركة تطوير المهمة التي أسستها إيران بواجهة سورية (سليمان معروف وخالد قدور ومحمد حمشو) عام 2008، لتتولى التعهدات والمقاولات في سورية، ولتكون واحدة من نافذة التهرب من العقوبات الدولية على مؤسسات الحرس الثوري الإيراني المالية.

في دمشق، كان بارزًا دور “محمد حمشو”، كقوة اقتصادية وشريك علني لإيران، من خلال استثماره في ما يعرف بالسياحة الدينية، وصرف مبالغ ضخمة في السيدة زينب ومقام السيدة رقية، التي كانت تحتل أولوية في المخطط الإيراني؛ للاستيلاء على سوق العصرونية، ولاحقًا، سوق البزورية، بقلب دمشق، ومجمع الرسول الأعظم في اللاذقية.

في حلب، كان المفتي أحمد حسون ذراع إيران الطويلة، حيث عمل شريكًا مع الملحق الثقافي الإيراني في حلب، آية الله عبد الصاحب الموسوي، في معظم الفعاليات الدينية والاقتصادية، وسهل له وللفاعليات الاقتصادية الإيرانية إقامة شركات مع شخصيات تجارية حلبية، خاصة من عائلة الجربوع التي تمتلك واحدة من أهم شركات الصرافة والحوالات “اكسبريس”، وكذلك آل بري “المافيا العشائرية الكبيرة”، كما ساهم المفتي حسون من خلال تلك الشراكة في تقوية دور إيران في حلب، حيث سيطرت على المشروعات، الوقفية كالمسجد الأموي والمكتبة الوقفية وغيرها، مستغلة المشروعات التي أطلقت، خاصة خلال إعلان حلب عاصمة للثقافة، حيث استثمرت في المناطق الدينية والأثرية في المدينة القديمة، وبرزت الفاعليات الدينية المنتظمة في أهم المراقد الشيعية بحلب “المشهد”، الذي صار يشهد بشكل منتظم كل الزيارات الشيعية والمناسبات الدينية الشيعية، ويحظى بحضور مكثف مع فاعليات إيرانية، صارت تتوافد بشكل منظم إلى حلب ومدينتي نبل والزهراء وتحيي كل المناسبات الدينية فيها.

في اللاذقية، كان التمدد الإيراني أكثره من خلال الشيخ فضل غزال وأولاده، وامتداداتهم من رجال أعمال وأصحاب النفوذ، ونشطت إيران في مشروعات الإسكان، حيث قام وزير الإسكان الإيراني بالإشراف بنفسه على توزيع 300 شقة سكنية على المتشيعين الجدد، وكانت عملت في البداية على تجديد الحسينيات التي كان رفعت الأسد قد أسسها عن طريق جمعية المرتضى، بُعيد الصراع الدموي مع الأخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت أهملت لعدم اهتمام المجتمع العلوي بها.

أصبحت إيران تُشرف بشكل مباشر على المشروعات الدينية ومنها الحسينيات، وتهتم برعايتها وتوسعتها، وإعطاء رواتب العاملين فيها، ومن أجل إيجاد أئمة مشرفين عليها لكثرتها، قامت إيران بتأسيس جامعة شرعية في اللاذقية، باسم الجامعة الإسلامية، وبنت مجمعًا ضخمًا باسم مجمع الرسول الأعظم “على مساحة أربعة آلاف متر مربع من الوقف السني، في حي الأزهر في اللاذقية، وعينت إمامًا ومشرفًا “الشيخ أعين زيتون” ابن الفوعة، والذي درس في قم وتخرج منها، كما قامت إيران ببناء مركز ثقافي إيراني كبير في حي الزراعة، على الطريق الموصلة إلى جامعة تشرين مساحته 2000م2، ملك المجلس مدينة اللاذقية، وفيه 300 موظف شيعي من شيعة العراق ولبنان.

في درعا، دخلت إيران إلى ما يُعرف بمتاولة الجنوب السوري، أي الشيعة، من خلال زيدان غزالة، قريب رستم غزالة، رجل الأمن القوي، والذي قُتل فيما بعد في أوضاع غامضة، وكذلك من خلال زوجته الثانية لبنى، حيث ساهم هؤلاء في تأسيس كثير من المجمعات والمساجد والوقفيات والحسينيات وأصبحت “قرفا”، بلدة غزالة، وكذلك بُصرى الشام، بوابة إيران للتمدد في حوران، سواء من خلال الملحقيات أو من خلال المجموعات التابعة لحزب الله.

تعدّ إيران أن مناطق ما تدّعي أنها مراقد وأضرحة، مثل داريا وحمص ومراكز العاصمة وحلب والسيدة زينب وعدرا، تابعة لها، فيما تعمل على أن تكون مناطق مثل القصير والريف الحمصي المحاذية لمناطق حزب الله في لبنان، والزبداني والنبك مرورًا بمناطق حمص وتدمر حتى الحدود العراقية ممراً مهماً لها.

أنشأت إيران مؤسسات وشركات تعنى مباشرة بالعقارات في سورية، مثل شركة “خاتم الأنبياء” التابعة للحرس الثوري، وتُعد من أهم المؤسسات، وهي الذراع الهندسية والإنشائية للحرس الثوري، وفيها 1500 مقاول في قطاع النفط والبتروكيماويات والطرق والمواصلات والمياه والصناعة والمناجم والإعمار، وشركة “مهر اقتصاد – ثامن الأئمة”.

ومن وكلاء إيران في سوق العقارات في سورية شركة “تطوير” المتخصصة في التشييد والبناء، والتي كانت قبيل الثورة تعمل باسم رجل الأعمال الحلبي سليمان معروف، والمرخصة في سورية وانكلترا وإيران، ويتقاسم إدارتها مع محمد حمشو وخالد قدور.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق