تحقيقات وتقارير سياسية

المعارضة السورية أمام تحدي تغيير الاستراتيجيات

ليس مستغربًا أن يمضي النظام وحلفاؤه نحو مزيد من التصعيد العسكري الهمجي، مستخدمين كل ما في جعبتهم من أسلحة، آخرها قصف الروس لحلب بصواريخ ارتجاجية للمرة الأولى، غير مكترثين البتة لقرارات المجتمع الدولي أو ما يًقال عن مفاوضات أو ما شابه ذلك، حيث إن اعتمادهم على آلة الحرب مصيري، غير قابل لوضعه على طاولة النقاش، إدراكًا منهم بعجز وشلل المجتمع الدولي، وعدم وجود اتفاق جدي لوضع حد لأعمالهم الحربية العدائية، فالنظام ماضٍ في تصعيده العسكري حتى الأخير، حيث اعتمد منذ البداية استراتيجية طائر “البشروش” الذي يقال أنه يستمر في الطيران حتى موته.

أجاد النظام السوري التكيف مع الأزمات، وعمد إلى زيادة كمية البطش وتفعيل آلته العسكرية، بغطاء جوي روسي، وإسناد بري من إيران والميليشيات الطائفية، وأرجع أكبر ضغط سياسي له إلى نقطة الحرب، محققًا بذلك إجهادًا كبيرًا لقوات المعارضة التي ستكتفي باسترجاع ما خسرته خلال اشتداد قصف النظام وحلفائه، وعليه تستمر “المقامرة”، لكن ضمن شروط خسارة مدروسة، فالنظام يخسر ما ربحه فحسب، ما يُعد احتواءً ناجحًا لمسارات التأزم التي يمر بها.

على هذا المنوال تكون حالة المعارضة “سيزيفية” (نسبة إلى سيزف الذي جاء في الأساطير اليونانية أنه عُوقب بحمل صخرة إلى أعلى الجبل إلى نهاية الكون، حيث تسقط الصخرة كلما وصل إلى القمة)، فكل المكاسب التي تحققها المعارضة المسلحة تساوي بشكل ما صفرًا، أي: أنها تعوض ما خسرته وتخسره، في ظل نمط حياكة اللاعبين الإقليميين والدوليين في سورية، وفي المقابل ارتفاع فاتورة الضحايا الأبرياء، وارتفاع موجة المهجرين.

إدارة الملف السوري -بهذه الطريقة- لن تُنهي الحرب الدائرة، فالنظام غير قادر على هزيمة المعارضة، والمعارضة ليس باستطاعتها الإطاحة بالنظام، وهنا لا بد من الوقوف عند النتائج الخطِرة لهذه المعادلة، وهي زيادة عدد المهجرين الهاربين من جحيم الموت، لدرجة خلو مدن كاملة من سكانها!! داريا، حمص، جزء كبير من الغوطة الشرقية وغيرها؛ ما يفتح الباب واسعًا أمام حقيقة أن النظام لا يسعى لوأد الثورة فحسب، بل معني بتهجير السوريين، فحربه حرب تهجير، بغرض تغيير الديمغرافية السورية، وهذا ما أعلنه رأس النظام نفسه، بشار الأسد، في إحدى خطبه، حين قال: “إن سورية ملك لمن يدافع عنها”، والمقصود فعليًا أنها ملك للميليشيات التي تدافع عنه!

أدرك النظام وحلفاؤه جميع السياسات والأنماط التي تتبعها المعارضة وداعموها، وبات واضحًا امتلاكه هوامش مناورة كبيرة وواسعة، تمكنه من المضي قدمًا في خياراته، فالساحة مكشوفة أمامه بشقيها السياسي والعسكري، في ظل خمود تام في جبهات كالجنوبية، وشبه تام في القلمون والغوطة، عدا عن الساحل، وعليه؛ فإنّ استمرار إدارة المعارضة لدينامية الحرب بالطريقة نفسها، لن يُنتج سوى مزيد من الخراب والويلات والتدمير؛ ما يُوجب اعتماد وسائط وأدوات قادرة على تحريك المشهد الحالي، وخلق نوع جديد من التوازنات السياسية والعسكرية على الصعيدين الداخلي والخارجي، من خلال التنسيق بين الجبهات، ونقل المعارك إلى عقر دار النظام، واجتراح نمط تعاطٍ جديد، يتعدى ما امتلكه ويمتلكه النظام من خبرة، فمن غير المنطقي الاستمرار بأنماط تقليدية اهترأت على أرض الواقع السوري، وهذا يتأتى عن طريق واحد فحسب، وهو اعتماد السوريين على أنفسهم، والتعامل بالمصالح لا بالتبعية للخارج ، فبعد ست سنوات عجاف، خذلهم خلالها الجميع، لم يبق لهم سوى أن يعتمدوا على أنفسهم للخلاص.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق