أدب وفنون

انتفاضاتُ بَنِي حِمَارَويه

فلمّا تغنَّى حِمَارَويه بانتفاضاتِ بَنِي قومِهِ؛ سأله جحا السوريّ:

– وأنتم -أيضًا- ثُرتُم على أسَدِ غابتكم؟!

نهق حِمَارَويه: – قبل ثورتِكُم على أسَدِكُم بألفَيّ عامٍ؛ حين رَفَسَ أحدُ أجدادِنَا ليثَ الغابة -في وجههِ- حتى أدمَاه.

علّق جحا: – كأنّها قصةٌ من كتاب كلِيلَة ودِمنَة!

رَدَّ حمارويه غاضبًا: – بل تَمَّ تخليدها في لوحة فسيفاءٍ؛ واكتشفها فلاحٌ من ريف حماةَ، بينما كان يحرث أرضَهُ في عهد الأسد الأبّ؛ فَطَمَّهَا خوفًا من مخابراته؛ وكان والدي حِمَارَويه السادس عشر معه؛ فلم ينهق هو الآخرُ خوفًا من شبّيحة آل الوحش؛ لكنه تربّصَ حتى رَأى بعثةً أثريةً إيطاليةً؛ فدلّهم عليها؛ فرَدَمُوها –أيضًا- بعد أن صَوَّرُوها؛ حِرصًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين!

قال جحا السوريّ: – لديكم تاريخٌ حَافِلٌ.

رَدَّ حِمَارَويه: – لكنكم لا تعرفونه؛ بل تُدنِّسونَ اسمَنا حين تصفونَ كلّ بشريٍّ غَبيٍ بالحِمَار؛ وتسخرونَ منّا تقمّصًا لأخلاقِ غَزاتِكُم الرومان؛ لأنه كان رفيقَ دَربِ إلهِكُم “باخوس” في كلّ احتفالاته؛ ولأنه –أيضًا- رفيقُ دَربِ المسيحِ الآراميِّ حين دخل القدس؛ وكان أحدُ أجدادنا المصريين “سيت” إلهَ الحكمة والعقل، في مَجمَعِ الآلهة؛ بجسدٍ آدميٍّ وبرأسِ حمارٍ وَقُور؛ وشبَّهَ “هوميروس” في إلياذَتِه البطلَ الملحميَّ “أجاكس” بالحِمَار؛ لصبره في المعارك وقدرته على التحمّل.

بينما الحِمَارُ في مُعجم “لسان العرب” هو الفنّانُ؛ المُبدِعُ؛ ويختلفُ عن البَغلِ والنَغلِ وبعضِ البشر أيضًا؛ بأنهُ لا يَقَعُ في حُفرةٍ مرَّتين؛ بل يعود إلى البيت بلا بوصلةٍ ولا دليل؛ وكان يتقدُّم كلَّ ساكني الجبال ليفتتحَ لهم دروبَهم الوعرة؛ ثمّ صار لدى “العرب السائدة” رَمزًا للحَمَاقة والعِنَاد، يحشرونَ “الجحشَ” معهُ مِن غير تمييز.

فسأله جحا: – وما الفرقُ بينَ الحِمار والجَحش؟!

نهق حمارويه: – كلّ حمارٍ صغيرٍ ما بين شهرٍ وسنتين من عُمرِه؛ يُسمُّونهُ الجَحشَ تحَبُّبًا إليه وتدليعًا له.

تنهّدَ جحا السوري: – يزدادُ إعجابي بكَ من فَرطِ ثقافتِكَ بتاريخِ أجدادِك.

نَهَقَ حمارويه:  – وبتاريخ أجدادِكَ أيضًا؛ هل تعرفُ بأنّ أولَ روايةٍ ساخرةٍ في التاريخ؛ كان اسمها: “الحمار الذهبي”  لأبولينوس من مدينة “صبراته” الليبية؛ وكان ينتقد روما فغضبَ حُكّامها وآلهتها منه؛ فمسخوه حمارًا؛ لم يُدركوا بأن حمارًا آدميًا سيكتبُ أكثرَ الرواياتِ سُخريةً من امبراطورية زمانها؛ ومنه استقى “برناردشو” حماريَّاته؛ وقلّدَهُمَا فيما بَعدُ “توفيق الحكيم”؛ أمّا حماريَّات جحا وقراقوش فكتبها الناس شِفَاهًا؛ وتناقلوها جيلًا بعد جيل؛ يسخرون فيها من كلِّ قراقوش؛ وإذا كان الحميرُ ينهقونَ؛ فتلكَ غريزتهم؛ أمّا البشر فينهقونَ تصفيقًا لكلِّ حاكمٍ وزعيمٍ؛ وينهقون دَهلَسَةً ونِفاقًا؛ وينهقون بالأغاني المُنحطَّة وبقصائد المديح لِطُغاتهم؛ وينهقون سمسرةً واضطهادًا واستغلالاَ لبني جِلدَتِهِم؛ ثم يسخرون من نهيقنا معشرَ الحمير.

قال جحا السوري: – ما زلتَ في الماضي التَلِيدِ يا حماري؛ مثلَ بَنِي قومي؛ العربَ؛ لا يُغَادِرُونَهُ؛ فيُقرِّرُ لهم الآخرونَ مستقبلَهم.

رَدَّ حمارويه: – بل ساهمنا في تأسيسِ مُستقبلٍ لكم؛ نقلنا البواريد والفَشَكَ والطبنجات على ظهورنا؛ خلال الثورة السورية ضد الفرنسيين؛ وكان جدّي حمارويه الخامس عشر ينقل السلاح من ثوار إبراهيم هنانو عبر بلدة ” الحَفَّةِ” إلى ثوار الشيخ صالح العلي؛ وشاركَ ابنُ عَمِّي الفلسطينيّ في الانتفاضة الأولى بِنَقلِ الحِجَارة إلى أطفال الانتفاضة؛ وفي الانتفاضة الثانية حَوَّلَ بَردَعَتهُ إلى حِزَامٍ ناسفٍ؛ فأطاحَ بجنود حَاجِزٍ إسرائيليٍّ.

عَلَّقَ جحا: – لديكم شهداءُ أيضًا؟!

فَرَدَّ حمارويه: – بلى؛ وفي ثورتِكُم الآنَ على ابنِ آلِ الوَحش؛ تَجَمَّعَ أبناءُ عمومتي في مُظاهرة سِلمِيَّةٍ ينهقون بصوتٍ واحد: يلّا ارحل يا بشار؛ وفَتَحَ شبّيحةُ الأسدِ النارَ عليهم؛ فقتلوا منهم أكثرَ من ثلاثين؛ وقامت تنسيقيتنا بتوثيقِ المجزرة على شريط فيديو في “اليوتيوب”؛ ويُمكِنُكَ الاطلاعُ عليه.

فسأله جحا السوريّ: – ما شِعَارُكُم الآنَ ضدَّ الطاغية؛ بعدَ كُلِّ هذا التدمير والحصار والتهجير؟

نَهَقَ حِمَارويه من شِدَّةِ يأسِهِ: – يا حَمِيرَ سوريا.. اتحدوا.

ثمَّ عَنطَزَ مُغادِرًا؛ فصاح به جحا: – إلى أينَ؟!

قال حمارويه: – ذاهبٌ لأدعوا إلى مؤتمرٍ وطنيٍ عامٍ للحمير السوريين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق