قضايا المجتمع

معاناة اللاجئين في لبنان تلاحق موتاهم

تًلاحق المشكلات والمآسي اللاجئين السوريين في لبنان، ليس في حياتهم فحسب، وإنما بعد مماتهم أيضًا؛ ذلك أن الحكومة اللبنانية ما زالت مصرّة على فرض شروط قاسية على كل ما يتعلق بالسوريين، حتى بعد الوفاة؛ إذ لطالما كانت وفاة أحدهم بداية لمعاناة من نوع آخر لأسرته وذويه.

رحل الطفل عمر ابن الـ 12 عامًا، بعد 32 يومًا من دخوله مستشفى “الرسول الأعظم”، الذي استقبله -خجلًا- بعد أن صرخت امرأة لبنانية أمام المستشفى: “ألا تملكون إنسانية، الطفل سيموت”، وبعد أن رفضت ست مستشفيات استقباله، خوفًا من التكاليف العالية التي يمكن أن تنتج عن عمليته.

بعد وفاته، قال والده (أبو عمر) لـ (جيرون): “ليست المعاناة فحسب، عندما بكيت أمام ست مستشفيات لبنانية، خاصة وحكومية، لمدة 15 يومًا، ليُدخلوا طفلي إلى العناية الفائقة، بل استمرت معاناتي أيضًا بعد وفاته، حيث احتجزت المستشفى الجثمان، واشترطت لتسليمه أن أدفع التكاليف التي وصلت إلى 26 ألف دولار”.

أوضح أبو عمر أنه قام بالتواصل مع بعض الناشطين، الذين أوصلوا الأمر إلى وزارة الصحة، التي قبلت أن تتحمل التكاليف، وعلى هذا لم تنته مشكلته، لأن الأب المكلوم لم يكن يملك أيضًا المال لشراء قبر في مقبرة الغرباء في طرابلس، وقال: “كان بودي أن يُدفن إلى جانب جدته في مقبرة الغرباء في طرابلس، لكن لأني لا أحمل أوراقًا قانونية، ولا أملك مالًا ثمن القبر الذي يُكلّف أكثر من 40 دولارًا، قام جيراني بتحمل تكاليف العزاء، واقترحوا أن يُدفن في مقبرة الغرباء في مخيم شاتيلا ببيروت”.

في كثير من الحالات، يتم نقل المتوفين إلى منطقة عكار شمال لبنان، لرخص أسعار القبور، ومع ذلك، هناك صعوبة في بعض المناطق بأخذ الموافقات من الأهالي، ففي بيروت يتعذر الدفن؛ إذ يتجاوز سعر القبر مبلغ الألفي دولار، بينما في عكار الوضع أسهل، على الرغم من العراقيل التي يضعها السكان.

مقابر خاصة للسوريين

حول إمكانية إقامة مقابر خاصة بالسوريين في لبنان، قال الشيخ مالك جديدة، مدير الأوقاف في عكار، لـ (جيرون): “إن المديرية جاهزة للتعاون مع أي جهة، والمبادرة بتخصيص أرض كمقبرة للاجئين السوريين في المنطقة”، وأشار إلى أن المديرية في عكار “تسعى للعمل بكافة قدراتها لمساعدة السوريين”.
وأكّد “نحن بصدد تأمين مقبرة على نفقتنا الخاصة، مع كافة المستلزمات، لموتى إخواننا السوريين، وندعو المنظمات الإنسانية، على تنوعها، والأفراد إلى المبادرة؛ للمساعدة في هذا الأمر إن أرادوا”.

إلى ذلك، قال الشيخ عبدالرحمن العكاري، رئيس هيئة العلماء السوريين لـ (جيرون): “تكمن المشكلة الأكبر من طرابلس باتجاه عكار (شمالي لبنان)، لعدم وجود تنظيم في الأراضِي، وعدم توافر مقابر منظمة ورسمية، هناك بعض المقابر التي وهبها بعض الأخوة اللبنانيين، لدفن الموتى أيًا كانت جنسيتهم، ولأن المساحة صغيرة، استبقنا أزمة امتلاء المقابر، فبادرنا منذ أشهر، إلى الاتصال ببعض الشخصيات الدينية، بمن فيهم مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، وقدّمنا طلبًا لمديرية الأوقاف اللبنانية، لمساعدتنا في تأمين أرض لدفن موتى اللاجئين في المناطق المكتظة باللاجئين، ولا يوجد فيها مقابر، لكن النتائج كانت سلبية، مصحوبة بالرفض، وعدم القدرة على تلبية الطلب، واعتذرت لأسباب مجهولة”.

روى الشيخ العكاري بعض الأمثلة عن اللاجئين الذين عانوا من مشكلة الدفن في طرابلس، وقال: “تم نبش أحد القبور لطفل سوري، من أشخاص غير معروفين، لأسباب مجهولة! وفي حالة أخرى، في إحدى الجنازات تم التعدي على الجنازة من شخصين في أثناء التشييع/ وأطلقوا النار؛ رفضًا لدفنه في مقبرتهم، فتدخل أهالي وادي خالد، ودعوا أصحاب الجنازة إلى دفن المتوفى في وادي خالد، الحالة الثالثة تشير إلى امرأة بقيت في المستشفى؛ لعدم وجود موافقة على الدفن في مقابر الأهالي، وبعد وساطات البلدية وتدخّل وجاهات المنطقة في طرابلس، تم دفنها.

نقل الموتى إلى سورية

تقول صباح، اللاجئة السورية المقيمة في مدينة طرابلس شمالي لبنان، “تعرض محمود، الأخ الأصغر لزوجي، لوعكة صحية، وبعد اسعافه إلى مستشفى المنية بطرابلس، ولأنه لا يحوي على أبسط المعدات الطبية لعلاج حالات الطوارئ، تم نقله منها إلى مستشفى الخير، بعد أن أصيب بشلل بالجهاز العصبي من جراء سوء الاستطباب في مستشفى المنية”.
أضافت: “توفِّي محمود بعد 11 يومًا من (السبات)، وبقي في براد الموتى أربعة أيام ريثما انتهينا من إجراءات الأمن العام والسفارة السورية في بيروت، لنقله إلى سورية، بسبب عدم توافر مقابر في منطقتهم بطرابلس، ورفض الأهالي لدفنه في مقابر موتاهم”، وأضافت: “لم نستطع استلام الجثة، إلّا بعد إغلاق التحقيق الذي بدأت به شرطة طرابلس، إثر خطأ الطبابة في مستشفى المنية، وإجبارنا على إمضاء ورقة التنازل وعدم رفع دعوة على المتسببين بموته”، وأشارت إلى أنها أمضت أكثر من أربعة أيام؛ حتى تم إنجاز المعاملات لنقل جثمان محمود إلى سورية، وقالت: “كان همنا الوحيد أن نجمع ثلاثة آلاف دولار لدفنه، أو علينا أن نُنهي الأوراق لنقله إلى سورية”.

يُعاني معظم اللاجئين من عدم وجود مساحات مستقله لدفن موتاهم، ولكل منطقة خصوصية، ففي بعض المناطق يتشارك الأهالي مقابرهم مع اللاجئين، ولكن في مناطق أخرى لا يُسمح لهم بذلك.

في جنوبي لبنان، يبدو أن المعاناة أقل، والتكاليف كذلك، وفي تلك المنطقة بادر السوري محمد السعيد، بشراء قطعة أرض لدفن موتى اللاجئين في أوائل هذا العام بكلفة 55 ألف دولار، حيث تم جمع المبلغ كـ تبرعات من السوريين، خففت من معاناة اللاجئين في الجنوب وإقليم الخروب، وتبلغ كلفة الدفن حوالي مائة دولار، بحسب السعيد.

في منطقة البقاع، حيث يوجد أكبر نسبة للاجئين السوريين، وتتوضع أكثر من نصف مخيمات اللاجئين في لبنان، ويتجاوز الـ 1500 مخيمًا عشوائيًا، وهناك مقبرة منطقة “تل وزة” الواقعة شمال “بر الياس” في سهل البقاع، ومقبرة في “تعنايل”، لإحدى العائلات اللبنانية، يُسمح بدفن موتى اللاجئين السوريين فيها، بكلفة 200 دولار تقريبًا.
كذلك الأمر في منطقتي “العمرية وتل سرحون”، حيث تزيد الكلفة الإجمالية للدفن عن مئة دولار بقليل، وخوفًا من امتلاء المقابر، سارع اللاجئون في “جب جنين” من مدينة الزبداني، إلى جمع تبرعات من سوريين مقيمين في المنطقة، لشراء أرض، وجعلها مقبرة لموتى اللاجئين في البقاع.

ويبدو أن مأساة السوريين، الحرب التي لاحقتهم، ودمرت أملاكهم، وبيوتهم وأعمالهم، وشرّدتهم إلى أصقاع الأرض، ستبقى تلاحقهم حتى الوفاة، ما لم تقم دول الجوار بإيجاد حلول إنسانية طبيعية يستحقها اللاجئون السوريون، الأحياء منهم قبل الأموات.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق