أثار مقتل الكاتب الأردني ناهض حتَّر (56 عامًا)، المعروف بعدائه الشديد للثورة السورية ووقوفه إلى جانب النظام السوري، أمام قصر العدل بالعاصمة الأردنية عمّان، صباح الأحد 25 أيلول/ سبتمبر، بعد أن أطلق عليه شخص ثلاث رصاصات، وتم إلقاء القبض عليه؛ أثار ردود فعل غاضبة في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، وعبّر عدد من الكتاب والناشطين السياسيين السوريين والعرب عن إدانتهم للغة الحوار بالرصاص والقتل، تجاه أي شخص كان، وأيًا كان موقعه، مؤكدين أنهم مثلما أدانوا ما تعرض له كثير من الكتّاب والناشطين في صفوف الثورة من قتل وخطف وتغييب، فإنهم يدينون قتل أي كاتب أو صاحب رأي في الضفة الأخرى، حتى لو كان من أمثال “ناهض حتَّر” الذي دعا صراحة في أكثر من مقالة، وفي العديد من تصريحاته التلفزيونية على فضائيات النظام وفضائيات حلفائه (المنار والميادين وروسيا اليوم)، إلى قتل المدنيين في القرى والمدن السورية بوصفهم “حاضنة للإرهابيين”، وهو وصف يحلو لأنصار النظام السوري إطلاقه على “الثوار”!.
ثورتنا لا تشبه القتلة بشيء
المفكر الفلسطيني السوري، أحمد برقاوي، كتب في رد سريع على اغتيال حتَّر، بعنوان “إدانة”: “اغتيال ناهض حتَّر عمل إرهابي مدان بكل المعايير”. وأضاف: “الموقف المبدئي يقول: لا لأي نوع من الاغتيال لأي مثقف، مهما كان موقفه السياسي وموقفه الفكري وموقفه الأيديولوجي مختلفًا، بل ومعاديًا؛ هذا موقف كلي وليس جزئيًا، هذا موقف استراتيجي وليس تكتيكيًا؛ الدكتاتوريات والمستبدون والقوى الفاشية وحدها من تُمارس عملية قتل المختلفين، وحاشا أن نشبههم في شيء”.
بدوره اكتفى الباحث والكاتب السوري، سلام الكواكبي، بكتابة الجملة التالية: “بئس أمة يحركها ما تخال أنه “مسٌّ” بالذات الإلهية، ولا يُحركها قتلٌ صريح للذات الإنسانية”.
وتحت عنوان “الجريمة” قال الكاتب والشاعر الأردني، أمجد ناصر: “أعرف ناهض حتَّر مذ كنا مراهقين تقريبًا. جمعنا الشعر وحلم التغيير، ثم فرقتنا السياسة والمواقف المتناقضة، خصوصًا من المأساة السورية. منذ بداية حرب النظام السوري على شعبه، توقف الاتصال كليًا بيننا. حتى لمجرد التحية والسلام. فقد كان تشخيصه على الضفة الأخرى لما أفكر فيه وأعتقده وأكتبه؛ لم يكن هناك جسر لنعبر عليه. انزعجت عندما حملوا عليه هذه الحملة الظلامية، أشعر بندم الآن لأني لم أكتب عنه في حينها ولو من موقع الاختلاف التام، لم يحلّوا دمه لأنه يقف إلى جانب النظام السوري، و”محور المقاومة”، ولا لأنه يشط بعيدًا في تصوره للهوية الأردنية، ويكاد يجعل لها تاريخًا من بنات أفكاره، بل لأنه نشر رسمًا، ليس من صنعه، لتصوّر داعش للجنة، كما اعتقد..”.
الثورة قالت كلمتها: لا للحوار بالرصاص
على الرغم من تذكير بعض الناشطين السوريين بأن حتَّر كتب عنهم قبل عام من مقتله يقول: إن “معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسورية؛ وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزيفًا ديموغرافيًا”؛ على الرغم من ذلك، إلا أن هؤلاء جميعًا أدانوا جريمة الاغتيال، مذكرّينَ أن الثورة السورية منذ انطلاقتها في منتصف آذار/ مارس 2011، وحتى يومنا هذا، لم يُقدم أحد فيها على اقتراف جريمة اغتيال واحدة ضد أي مثقف أو كاتب أو صاحب رأي، ممن وقفوا ويقفون مع نظام السفاح بشار الأسد، وأن المعركة مع هؤلاء كانت بمقارعة الكلمة بالكلمة والحجة بالحجة.
الكاتب والصحافي السوري محمد منصور، كتب على جدار صفحته في هذا السياق: “لم يُقتل الكاتب الأردني ناهض حتَّر أمام دار العدل في عمّان اليوم، لأنه وقف مع المجرم بشار الأسد، وسوّغ جرائمه، وبارك قتل المدنيين، تم اغتياله على خلفية الرسم المسيء للذات الإلهية الذي نشره”. مضيفًا: “الثورة بريئة من دمه، ونحن لا نبارك سياسة الاغتيالات لأي سبب كان، لكنني أدعو الله أن يحشره مع الأسد في الآخرة، كما حشر نفسه مع زمرته المجرمة في الدنيا، وهو دعاء ينسجم مع رغباته التي دافع عنها باستماتة!”.
فيما كتب الشاعر خضر الآغا: ” لم يقتل ناهض حتَّر لموقفه من الثورة في سورية، بل لسبب نشره رسمًا، عُدّ مسيئًا للذات الالهية على صفحته في الفيسبوك”. وأضاف الآغا ساخرًا: “ضد اغتيال الكتّاب والصحافيين نتيجة كتاباتهم، لكن لا أشعر بأي حزن تجاهه. اللهم أمت أشباهه بحادث سير او بجلطة”.
وقال الفنان السوري فارس الحلو: ” المتطرفون يقتلون بعضهم، وكل المتطرفين يقتلوننا..”، فيما قال الكاتب مصطفى الولي: “كان واحدًا من الإعلاميين الذين يدافعون عن القتلة والفاشست، ويُحرّض على مزيد من القتل، خلف ستار الممانعة والمقاومة، هل كان يتخيل أن تكون تلك الثقافة، المتعددة المصادر، هي من ستقتله بأيدي سلفي (إرهابي)؟ ومع ذلك اغتياله جريمة قذرة، حتى ولو أن أفكاره ومواقفه كانت قذرة أيضًا”.
ولم يخف بعض الناشطين السوريين في الفضاء الأزرق، أن “بعض الرأيّ كان أشدّ من القتل ومن الاغتيال”، في إشارة إلى مواقف حتَّر الإجرامية، لكنهم شددوا على نبذ “قتل الكلمة”، واعتماد الحوار سبيلًا في مواجهة “شبيحة النظام من أصحاب الرأي والكلمة القاتلة”، سواء من المثقفين والكتّاب السوريين أو العرب، مؤكدين على رفضهم أن تنحو الثورة البريئة من دم أي كاتب أو مثقف كان في الضفة الأخرى، على عكس النظام، ومن يقف في صفه من القتلة والتكفيريين من أصحاب الرايات السوداء، من الذين اقترفوا جرائم قتل وخطف وتغييب، فكان أن خسرت الثورة رجالًا ونساءً لم يكن سلاحهم يومًا سوى الكلمة والرأي الحر والمواقف المبدئية، فضلًا عن الاعتقالات والاختفاء القسري للآلاف من الناشطين السلميين وإيداعهم في أقبية سجون النظام.