اقتصاد

القذائف الارتجاجية الروسية والتغيير الديموغرافي

في لقطة مصورة، تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي، داخل أحد باصات النقل الداخلي في دمشق، يظهر الباص مليئًا بالركاب الذين علا الشيب رؤوسهم، بما يظهر الخلل الهائل في التركيبة العمرية للسكان في سورية، وخسارة المجتمع فئة الشباب الذين أكلتهم الحرب، وبعثرهم التشرد خارج البلاد، ما يرفع نسبة الخسائر في الثروة البشرية إلى حدودها القصوى.

تتدفق الصور الدامية من حلب، بلا انقطاع، مظهرة تواصل استعار الحروب الدولية والإقليمية على الأراضي السورية، بلا هوادة، فيما تواصل الثورة السورية طريقها المكلفة؛ لتحقيق أهداف السوريين في الحرية والكرامة، ويواصل سلّم تكاليف الحروب ارتفاعه الكارثي على السوريين، أرواحًا وجروحًا وتكاليف مادية.
مع تصاعد القصف الجوي الوحشي لطيران الاحتلال الروسي لمدينة حلب، واستخدام القنابل الارتجاجية -خلال الأسبوع الماضي- ضد أحياء المدينة، يتصاعد خطر إفراغ من تبقى من سكان المدينة المحاصرة في إطار سياسات إعادة هندسة التركيبة السكانية لسورية.
تُظهر أرقام السجل المدني في سورية عام 2011، أن سكان محافظة حلب يزيدون عن 24 بالمئة من سكان سورية، فيما يتجاوز سكان محافظة إدلب 8 بالمئة من سكان البلاد، بينما تشير خطوط التغيير الديموغرافي أن معظم سكان المدينتين أصبح يعيش في الأراضي التركية بشكل رئيس، كما هاجر الآلاف من سكان المحافظتين إلى أوروبا وباقي أصقاع المعمورة .
تواصل قوى تحالف الفساد الكوني عملها، في تدمير ما تبقى من بنية للاقتصاد السوري؛ لتحوله إلى رماد، في تطبيق أممي مروع لشعار “الأسد أو نحرق البلد”، الذي رفعه نظام مجرمي الحرب علانية، في مواجهة مطالب الشعب السوري، مع انطلاق ثورة السوريين على أنغام “الدلعونا” ودبكات السوريين في ساحات بلداتهم، التي أنهكها النظام الديكتاتوري، المُولّد للفساد المدمر، الذي أوصل سورية إلى هذا المنزلق المُحضّر سلفًا.

مع وصول تقديرات أرقام الخسائر البشرية إلى ما يقارب 500 ألف قتيل، ووصول عدد المصابين إلى أكثر من مليون وربع مليون شخص، وتجاوز عدد المهجرين، وفق أحدث إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، التي أظهرت أن نصف عدد سكان سورية قد تعرضوا للتهجير القسري داخل البلاد، وتشير التقديرات إلى وجود 7.6 مليون مشرد داخل البلاد، و4.8 مليون لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2016، يضاف إليهم أكثر من مليوني لاجئ خارج سجلات مفوضية شؤون اللاجئين.

أدت الهجمات العنيفة والمتواصلة، والهجمات المضادة في الأراضي الحاضنة للثورة، سورية إلى خسائر بشرية لا يمكن تعويضها، كما دفعت الهجمات المتلاحقة طيران الأسد والطيران الروسي، على امتداد الصدع الطائفي، من أعالي العاصي عند أطراف الحدود الشمالية للبنان مع سورية، عبر نقطة دخول العاصي إلى الأراضي التركية.
تسببت الهجمات الوحشية على المدنيين بموجات كبيرة من تدفق اللاجئين، بدءًا من تهجير سكان مدينة القصير وضواحيها، إثر احتلال قوات حزب الله اللبناني للمدينة، وسيطرة قوات المرتزقة على الأراضي الواقعة بين مدينتي حمص والقصير، التي أسفرت عن أحد أخطر عمليات التطهير العرقي على يمين ويسار الطريق الدولي، الذي يربط الساحل السوري بدمشق.

يؤكد أهالي القصير أن حزب الله اللبناني يمنع من ينتمي للطائفة السنية، حتى من الموالين للأسد، من العودة إلى المدينة المدمرة، فيما سمح لبعض العائلات المسيحية بالعودة إليها، وتم استباحة أملاك السكان وبيوتهم وأراضيهم.

في الوقت نفسه، يواصل جيش النظام السوري وقوات المرتزقة إبقاء مركز مدينة حمص وبالأخص حمص القديمة، خالية من السكان الأصليين، ولم يسمح بعودة معظم السكان الأصليين إلى بيوتهم، على الرغم من توقف القتال، فيما سمح لبعض العائلات المسيحية بالعودة، إلى حي الحميدية وسط المدينة القديمة.
أسفرت معظم الاتفاقات الموقعة مع المناطق الثائرة إلى عمليات تطهير عرقي وطائفي، وبرعاية الأمم المتحدة في معظم الحالات، نتيجة اختلال ميزان القوة الهائل بين المقاتلين في سبيل الحرية، وقوات الأسد الذي يواصل تنفيذ سياسة “الأسد أو نحرق البلد”، وأسفرت عمليات تطبيق هذا الشعار عن تغييرات سكانية مكلفة اقتصاديًا، بشكل غير مسبوق؛ إذ تم دفع أكثر من عشرين مليون ‘نسان إلى هاوية الفقر المدقع، وفقًا لمعظم الدراسات الاقتصادية، ويتهدد هؤلاء شبح العيش بلا بنية تحتية اليوم، إذ إن سياسة الحصار الملحوقة بسياسة الأرض المحروقة، تترك خلفها قاعًا، افتقد معظم أرضية استمرار الحياة والنمو.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق