توقفت طويلًا، أيها السيد الرئيس، أمام المقابلة التي أجرتها معكم المؤرخة دوريس كيرنس غودوين، ونشرتها مجلة (فانيتي فير)، كنت تشرح للسيدة خلالها آلامك العميقة وحزنك الشديد على ذلك الكم المفجع للموت الذي يطال الشعب في البلد الحزين “سورية”، لا بد أن الألم يصقل الروح، ولأنه كذلك أتعاطف مع أحزانك هذه، وأشعر بآلامك، فنحن السوريون اختبرنا حالات الألم حين تبلغ ذروتها، ولأن اختبار الألم ليس كالسمع به، فأنا أتعاطف مع أبناء جلدتي من السوريين أكثر.
أعترف أن رصانتك جرحتني أيضًا، وثقتك بأنك فعلت الأفضل أعادت إلى ذاكرتي المؤتمر الأول لدول أصدقاء الشعب السوري الذي عقد في تونس 24/ 2/ 2012، المؤتمر الذي قوّض آمالنا وآمال الأصدقاء، قررتم آنذاك منح الذين هجروا من منازلهم ويعانون من قرص الصقيع، بطانيات لتدفئتهم، كان هذا أفضل ما لديك، رائع وجميل أن تشعر بهؤلاء المعذبين على هذا النحو، لهذا لن أتحدث الآن عن الترتيبات السرية التي سبقت هذا المؤتمر، واستدعت سفر وزير خارجية تونس آنذاك على عجل إلى لندن، فهذا شأن كبار الساسة، لكن ألفت انتباهك إلى أن الرجل عاد وقد تبدلت أحواله وتبددت -إثر المؤتمر- الآمال في انقاذ الشعب السوري، ما جرى بعد ذلك كان متابعة المشوار في تقويض المعارضة، وبعثرة جهد الدول الداعمة، والكثير الكثير من الأحاديث التي صدرت عن لسان بعض السياسيين العالميين بأنك لا تحب أن يُحدّثك أحد بشأن ما يحدث في سورية.
لنعتبر الجملة الأخيرة مجرد حديث بريء خارج أروقة البروتوكولات السياسية، وعلينا عدم الأخذ بها، لكن أليس السياسيون الأميركيون هم الذين أطلقوا، من على شاشات التلفزة، اسم الحرب الأهلية على الحراك المدني بدايات الثورة في سورية؟ آنذاك كانت التظاهرات سلمية، ولم يكن لدى المعارضة سلاح أو ذخيرة، وكان الرجال من الشباب والناضجين يتساقطون كل يوم خلال مسيراتهم السلمية بأسلحة الأمن والجيش، التي لم تبخل بالذخيرة الحية لقمعهم، تلك الحرب التي لم تحدث في التاريخ الحديث؛ فهي تُشنّ من طرف واحد ضد آخر أعزل، كان الشباب -وجلهم من الجامعيين- يتظاهرون من أجل أحلامهم المستقبلية، مثلهم مثل جميع الشباب في أرجاء المعمورة، ولقد تسرع مسؤولوكم بإطلاق التسمية، لكنهم بهذا كانوا يرفعون الغطاء بروية كاشفين عما سيجري لاحقًا.
كم أثار استغرابنا اتهاماتكم للمعارضة، بأن قادتها مختلفون فيما بينهم، وأنهم غير متوافقين، لكأن الاتفاق على الخطوط العريضة للمطالب الملحة لم يكن كافيًا بنظركم، وتجاهلتم أنكم الأشهر في العالم على صعيد خلافات الأحزاب وصراعاتها السياسية، كنتم متطلبين جدًا، تتحدثون يومًا عن حماية الأقليات، بينما يقوم بعض هؤلاء بذبح الأكثرية دون رأفة؛ بل ومتباهين بسطوتهم وتفوقهم العسكري، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ومع هذا لا يزال حتى الآن بعضهم يردد هذه العبارة، مع تجاهل تام لكل ما تكابده الأكثرية، من قتل وهتك ونزوح جماعي، وتتحدثون يومًا آخر عن مؤسسات الدولة، بينما نتساءل نحن -بعد كل هذا الخراب- ما الذي بقي من هذه المؤسسات في مدن مُدمّرة وأخرى يعيث شبيحة النظام فيها هتكًا وترويعًا وقتلًا، حتى لأبناء جلدتهم من الأقليات، فما الذي فعلتموه للأقليات إثر دفاعاتكم المؤثرة هذه.
الضالعون بالسياسة يرددون أنكم لا تريدون التورط في حرب، ولا ترغبون أن ينخرط جنودكم في حرب قد يفقد أحدهم حياته بسببها، هذا حق لا يمكن نكرانه، لكن أليس جنودكم هم الذين يرتدون لباسًا غير لباس قواتكم العسكرية، ويعملون تحت راية ليست راية علمكم الرسمي، والموجودين في الشمال السوري. هم يعملون جنبًا إلى جنب مع الذين يقتلون جيرانهم القدامى، ويجرفون منازلهم بالجرافات فتضيع معالم القرى وتتغير خرائطها؟ نعم أنتم تقدمون الدعم والاستشارة ليس إلّا، هكذا يفعل الجيش الروسي أيضًا، وفي كلا الحالتين، نحن من يموت؛ طيف واحد من الشعب السوري، لا تحبونه أنتم وتكيلون له الاتهامات، ثقافة السينما لديكم تُقدّم كل يوم مقولة “الموت للعدو” هذا ما يحدث لنا كل يوم، فنحن العدو الذي يجب أن يموت كل ساعة، وعلى الرغم من كل هذا، أعلمك أن التدخل العسكري لم يكن يومًا مطلبًا للشعب السوري، بل الضغط على القوى التي ضاعفتم قوتها.
ربما، أيها السيد الرئيس، أنت قلق للغاية على الاتفاق التاريخي بشأن برنامج إيران النووي، اتفاق سيرسي برأيك دعائم السلام على هذه الأرض البائسة بوجودنا نحن البشر، ويشيع الطمأنينة في نفوس البشرية كلها، اذن، ولأنه هكذا وعلى هذا المستوى من الأهمية، يستحق أن يقدم له قربان دسم وجيد.! لقد كنا نحن هذا القربان، لكن هل قدم الاتفاق الطمأنينة للشعب الأمريكي فعلا؟ ليتك تحذف من على الإنترنت صور الجنود الأمريكيين الجاثمين على الأرض بعد أن ضحت دولتهم بكرامتهم، مرضاة للدعاية الإعلامية لدولة كانت -بالأمس القريب- تُعدّ أحد الأعداء اللدودين لها. لعمري ان الأمر مهين للغاية.
أنت حزين جدًا على آلامنا حتى أنك أبعدت جميع الدول التي كان يمكن أن يكون لها دور إيجابي -ولو بسيط- بالعمل على إيجاد حل لما نعانيه، وآثرت الانفراد بالتفكير بآلامنا، وتركت وزير خارجيتك يفاوض من دخلوا ببوارجهم وطائراتهم وعساكرهم المدججين أمام الملأ، عبر الممرات البحرية، ومن بوابة البحر المتوسط، أرسلته وحيدًا. وها هم أعداؤكم التاريخيون من الروس يتلذذون بتقويض جهده يومًا إثر يوم، ويطالبونكم بالمزيد من التنازلات على مكان، لا أنتم ولا هم أصحابه الأصليون.
خلال مقابلتك هذه تساءلت ان كان هناك شيئًا لم تفعله! لقد أثرت ذعري بهذا.