تحقيقات وتقارير سياسية

وليد المعلم يجتر خطاب الثمانينيات ويستبعد المؤامرة الكونية

خلا خطاب وزير خارجية “النظام السوري” وليد المعلم، الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من مقولته الطارئة، والتي ترافقت مع بداية الثورة السورية، وهي: “أن سورية تتعرض لمؤامرة كونية”، كما خلا من أي تهجّم على الدول الأوروبية، على غير عادته، بيد أنه استهله بالحديث مباشرة عن موضوع “الإرهاب”، الذي أخذ حيزًا من الخطاب تجاوز النصف، في حين انتقد بشدة الغارة الأميركية على موقع لجيش “النظام” في دير الزور أخيرًا، ولم يأت على ذكر الغارات الإسرائيلية المماثلة على مواقع في القنيطرة.

وإن كان قد وصف الغارة الأميركية، التي قالت واشنطن: إنها نتيجة خطأ، بأنها “عمل جبان”، إلا أن وزير خارجية “النظام السوري” ربط بينها وبين احتلال الموقع، إثر ذلك -مباشرة- من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ورحّب بمحاربة الإرهاب في سورية، داعيًا إلى التنسيق مع “النظام” من أجل ذلك، ويبدو أنه أراد -من خلال تلك التصريحات- تفعيل أهم أكذوبة تاريخية للنظام، بأن بديله هو الإرهاب الذي لطالما لوح للعالم بها؛ ما من شأنه أن يضع أكثر من علامة استفهام على عناصر تلك الجريمة (المؤامرة)، في توقيتها ونوعيتها بين الثلاثي: (الولايات المتحدة – النظام – داعش).

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الغارة التي نفّذتها أربع طائرات، جاءت كما الغارات الإسرائيلية في ذروة التصعيد العسكري، وقصف المدن والقرى السورية من “النظام” وحلفائه، وهي قد تخطئ بالسياسة، خاصة إزاء الشعوب، بل وغالبًا ما تخطئ، لكن طائراتها وهي الأحدث في العالم، والمزودة بأعلى درجات التكنولوجيا، من الصعب ألا تُصيب الهدف المرسوم لها سياسيًا، ألم يُمهّد لذلك وزير خارجيتها، جون كيري، حين قال لولي العهد السعودي محمد بن سلمان: إن الشعب السوري هو من يقرر مصير رئيس النظام! بعد خمس سنوات من تكرار نغمة أن “الأسد فاقد للشرعية”، ألم يمنع الأميركيون إقامة منطقة آمنة في شمالي البلاد، ألم يمنعوا أي دولة داعمة للشعب السوري من توفير الأسلحة النوعية لفصائل الثورة السورية.

سورية كشعب، غير مهمة بالنسبة للأميركيين، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، صراحة في حديثه الشهير، قبل نحو شهرين، للصحافي الأميركي “جولدبرغ”، فهم لا يرونها سوى ساحة، هيأها النظام لقتال “المتشددين الإسلاميين” الذين تريد الولايات المتحدة قتلهم، كما روسيا التي تشترك معها استراتيجيًا بحماية إسرائيل، الحليف المفضل لكليهما، والتي غالبًا ما تُذكّر النظام من خلال غاراتها بأن عليه الإسراع في إنجاز مهماته في السيطرة على البلاد، فهي كما قال الباحث الإسرائيلي إيدي كوهين: “مصلحتها في بقاء نظام مستبد، يقتل شعبه ويحمي حدودها الشمالية، كما كان على مدى خمسة عقود”.

وزير خارجية النظام السوري يتباهى، وبشكل وقح في كلمته، بالتخلص من الأسلحة الكيماوية ويقول : “لقد تم وبكل كفاءة وجدية ومسؤولية إخلاء سورية من الأسلحة الكيميائية من خلال تعاونها مع البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة”، وفي ذلك إعلان -على الملأ- بالتزام “النظام” بالضمانات التي قدمها للأميركيين، وأيضًا الإسرائيليين من خلال “السمسار أو القواد” الروسي، عند عقد صفقة اتفاق الكيماوي قبل نحو ثلاثة أعوام، والتي التزم الروس فيها بأنهم “يكفلون” فيها النظام بأن يبقى حاميًا لحدود إسرائيل، مقابل تخفيف الضغط عليه غربيًا، والمحافظة على عدم حسم أي من طرفي الصراع “الشعب والنظام” المعركة.

الإرهاب الذي استفاض وليد المعلم بالحديث عنه، محاولًا أن يكون صفة “للثورة السورية”، وهو ما دأب عليه النظام طوال السنوات الخمس الماضية، كان التقاطًا بل وتماهيًا مع “العنوان” الأميركي الأبرز، وهو “محاربة الإرهاب” وبضمانة روسيا، إذ إن ما بدا وصاية من الأخيرة على النظام، صبّ قبل كل شيء في منحى “حقوق الكفيل المتضامن”، الذي لقواعده العسكرية المنتشرة في البلاد مع جنوده وطائراته قوة تنفيذ التزاماته، ليس بالضرورة لإسرائيل، فهي جربت النظام على مدى خمسة عقود واطمأنت، إنما للولايات المتحدة التي حددت استراتيجية طويلة الأمد في “محاربة الإرهاب” وقد تم تضمينها فيما يعرف باتفاق التفاهم “الأميركي الروسي” سيئ الذكر.

لا فروقات تُذكر بين خطاب “وليد المعلم” في الأمم المتحدة، وخطاب “النظام” في الثمانينيات، فالأسد الأب كان الحديث عن “الإرهاب” هاجسًا لديه، خاصة عند الأزمات، ويردد أن سورية تُعاني من الإرهاب أكثر من غيرها، ويزيد -مُشبًحا- أنه يريد مؤتمرًا دوليًا لتعريف الإرهاب، وطوال فترة حكمه، كان يُكرر إدانته لإسرائيل لاحتلالها الجولان، واخترع مقولة “أهلنا في الجولان”؛ للإيحاء بشدة انتماء الجولان إلى سورية، ويُعلن في كل مناسبة تضامنه مع الشعب الفلسطيني، ويزيد أيضًا -مُشبحًا- أن “فلسطين قبل الجولان” وكل ذلك تحت شعار “قلعة الصمود والتصدي”، متجاهلًا أي حديث عن أوضاع البلاد التي تُعاني شتى أنواع الظلم والقمع وخنق حرية التعبير والاستبداد.

وليد المعلم الذي كرر العناوين ذاتها، وإن كان خطابه في الأمم المتحدة خلا هذه المرة من أن “سورية تتعرض لمؤامرة كونية” فقد أكد وفي مستهله أن البلاد تتعرض لإرهاب، وأن النظام يُحارب هذا الإرهاب نيابة عن العالم، ولم يأت على ذكر الدول الغربية بشكل صريح كما في السابق، إلا أنه اتهم السعودية وقطر وتركيا بدعم الإرهاب، وحمل بشدة على “إسرائيل” وممارساتها العدوانية واستمرار احتلالها الجولان، وحيّا الشعب الفلسطيني، كما حيّا “روسيا وإيران والمقاومة الوطنية اللبنانية”، الذين وصفهم بالأصدقاء الحقيقيين، ولم ينس توجيه التحية لـ “كوريا الديمقراطية”، ودعا إلى إقامة حكومة موسّعة، تضم جزءًا من المعارضة، وتقوم بإنجاز دستور للبلاد تحت رعاية “بشار الأسد”.

لا شك أن إسرائيل والولايات المتحدة سعيدتان بنتائج الغارات التي شنتها طائراتهما الحربية، وهي التي أعطت مرتكزًا ومبررًا، بل ورسالة لوليد المعلم؛ لكي يشنّ هجومًا عنيفًا على حكومتيهما، وهو ما تتطلبه “ممانعة النظام ومقاومته”، التي خبروها على مدى خمسة عقود، ولا شك -أيضًا- أنهما الآن في حالة استرخاء وتنفس الصعداء، إزاء إعلان النظام التزامه على الملأ، وليس من خلال الكفيل الروسي بمتطلباتهما، وإن كانت جاءت على شكل انتقادات، فهي دلالة على ما يرونه استعادة النظام لتوازنه السابق، الذي يُجدد فيه أوراق اعتماده لديهم، كطرف يتماهى -بالمطلق- مع الهاجس الأميركي في “محاربة الإرهاب”، واستمرار حمايته حدود إسرائيل، بعد أن دمّر البلاد وفككها، وقتل وهجر أكثر من نصف شعبها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق