تمر بعد يومين الذكرى السنوية الأولى للتدخل الروسي في الحرب ضد الثورة السورية، وأحسب أن هذه فرصة مناسبة كي يجري الكرملين حسابًا مع النفس، يطرح فيه أسئلة ليست للإعلام، مثل؛ ما الذي حققناه سياسيًا بعد عام من القصف الجوي، وما الذي لم نتمكن من تحقيقه بعد؟ هل هناك خشية من التورط في حرب مفتوحة زمنيًا وسط رمال سورية متحركة؟ وهل الإنجازات العسكرية المتحققة كفيلة بإملاء حل يتوافق مع الرؤية الروسية؟ ومتى ستحدث نقطة التحول الاستراتيجية؟.
وربما هناك أسئلة فنية أخرى مطروحة على مائدة البحث، من قبيل؛ هل استمرار الرهان على جيش نظامي منهك، كثيرًا ما أظهر الجبن وفر من القتال، رهانًا صائبًا حقًا؟ وهل كسب الحرب بالاعتماد على ميليشيات طائفية ذات أجندات خاصة بها أمر ممكن؟ وكيف يمكن الفوز في حرب غير متماثلة، وفي الذهن نماذج لعدة حروب شرق أوسطية حديثة فاشلة؟ وماذا عن كلفة الحرب في ظل أوضاع اقتصادية ذاتية حرجة؟ ثم هل هناك فخ محتمل لاستدراجنا في حرب أفغانية بنسخة جديدة؟.
من المرجح أن الرئيس الروسي، وهو رجل الاستخبارات السوفياتية سابقًا، لن يقبل دون تمحيص تقارير جنرالاته، إذا قالوا له إننا قوضنا البنية التحتية للمسلحين، وقضينا على عشرات الألوف منهم، وقد يعض بوتين على شفتيه إذا رددوا أمامه ما يقولونه للإعلام الداخلي، بأن “الإرهابيين” انهاروا وهربوا إلى الحدود التركية، أو غير ذلك من مبالغات “البروباغندا” المتماثلة مع ما تردده، بسذاجة مفرطة، ماكينة إعلام النظام السوري، قبل اندلاع الثورة وبعدها.
قد يقول سيرغي لافروف أمام معلمه، عندما يأتيه الدور في الكلام؛ أننا أوقفنا انهيار الأسد، نفخنا روحًا في جيشه، وأطلنا عمر نظامه، وان روسيا عادت مجددًا إلى المياه الدافئة في الشرق الأوسط، وأنها باتت صاحبة اليد العليا في القضية السورية، وهي تكسب سياسيًا وتتقدم على أميركا المتراجعة في المنطقة، وأن أوكرانيا دُفعت إلى الهامش، وفوق ذلك أننا على وشك انتزاع اعتراف دولي بأن روسيا قوة عظمى، وأنها بصدد استعادة الأمجاد السوفياتية التليدة.
غير أنه في النقاش المعمق -إذا كانت تقاليد العائلة المافياوية تسمح بذلك- ستثار أسئلة أكثر تعبيرًا عن القلق المشروع لدى دولة كبرى تنافس أميركا، وتخشى مثلها التورط البري، مثل؛ ما تداعيات استمرار رفض الدول العربية والغربية الاقتناع بوجهة النظر الروسية؟ وهل هناك فصائل معارضة سورية يمكن أن تقبل بحل يبقي الأسد الغارق في دماء شعبه؟ وماذا الآن بعد آلاف الطلعات الجوية واستخدام اشد الأسلحة فتكًا، ولم نحقق سوى مكاسب تكتيكية متفرقة؟.
على الأرجح أن أحد مستشاري فلاديمير بوتن، يملك الشجاعة السياسية والحس بالمسؤولية، سوف يصارح الرئيس المفتون بصورته كلاعب كاراتيه بارع، بالقول إنه قد آن أوان إجراء المراجعة وإعادة تقدير الموقف وسط الرمال السورية المتحركة، وبالتالي فإن على القيادة اتخاذ قرار حاسم بإنهاء التدخل قبل نهاية العام الجاري، لحظة التقاط أول صورة نصر، حتى ولو كانت على ركام مدينة حلب. فمع جيش نظامي لا يستطيع أن يحتفظ بالمكاسب التكتيكية عندما تغادر القاصفات سماءها، ولم يسجل أي نصر في تاريخه الطويل، من المستحيل كسب هذه الحرب.
ولا شك في أن هناك جنرالات روسًا، خاصة من المتقاعدين، لديهم تقدير موقف مختلف، أحدهم نشر تقريرًا مطولًا جاء في خلاصته؛ لتحقيق النصر لا يكفي التفوق العددي والتقني، بل ينبغي توفر عناصر الثبات وقوة الإرادة والثقة بالنفس، والإصرار والشجاعة، والحيلة وإلهام الآخرين، وروح المبادرة، وكلها عناصر مفقودة لدى جيش يرابط نصفه على الحواجز داخل المدن، وينشغل في ابتزاز الناس وجمع الأتاوات منهم.
إزاء ذلك كله، فإنه يمكن القول، أن حصاد السنة الروسية الأولى كان حصادًا ضئيلًا، وأن النتائج الميدانية لا تليق بصورة دولة كبرى، تقتل بلا تمييز ولا تقاتل، تتعرض لضغط دولي متعاظم، وتستهلك نفسها بلا هوادة، فيما المعارضة المسلحة تكيفت مع الوضع، استوعبت الضربات ولم تستسلم، بل تقدمت في بعض المحاور، ما يعني أن بوتين يدافع عن حصان ميت في دمشق، وأن طياريه يعملون كجناح جوي لقوى طائفية.