قضايا المجتمع

تجارة الأدوات المنزلية المستعملة في ريف إدلب

باتت أغراضُ السوريون وأدواتِهم المنزلية، في الأسواق ومحلات البيع، تُباع مستعملةً لمن هو بحاجتها من المواطنين، بعضُهم يبيعها لحاجٍة ماسّة، وآخرون يبيعونها لعدم توافرِ أماكن لوضعها أو تخزينها؛ بسبب قصفِ طائرات النظام لمنازلهم ونزوحهم إلى أماكن أكثر أمنًا؛ بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة.

يعاني أهالي مدينة إدلب من صعوبة العيش، وخطر الموت والدمار الذي يلاحقهم في كل مكان، في البيوت والشوارع والأسواق، نتيجة القصف العشوائي الذي تنتجهُ طائرات قوات النظام وسلاح الجو الروسي بحق المدنيين.

عماد الأسود، واحد من مئات المدنيين الذين نزحوا إلى أماكن أخرى، هربًا من قصف طائرات قوات النظام في إدلب، تحدث عن الأسباب التي دفعته لبيع أثاث منزله بسعر منخفض جدًا، وقال لـ (جيرون): “لم يكن لدي خيار آخر، فقد بعتُ أثاث منزلي قبل أن أرحل من مدينتي، خشيًة أن يتعرض للسرقة، وقد بعته بسعر منخفض جدًا”، وأضاف: “في الآونة الأخيرة، ونتيجة القصف الممنهج التي تعرضت لهُ إدلب، ظهرت عصابة من اللصوص، مهمتهم السرقة في أثناء تنفيذ الطيران الحربي غاراته على الأحياء السكنية في المدينة، ويستغلون الفراغ الأمني والأوضاع المضطربة، ليسطوا على المنازل التي غادرها أهلها في أثناء القصف، ليسرقوا كل ما يطالونه من أدوات كهربائية ومنزلية، وأحيانًا لا يوفرون شيئًا في المنزل، حتى الأبواب والنوافذ”.

تجّار الأدوات المنزلية المستعملة

من جهته، قال أبو فراس، وهو أحد تجار الأدوات المستعملة في ريف إدلب: “لقد افتتحت محلًا للأثاث المستعمل، نظرًا للإقبال الكبير من الأهالي عليها، وهنالك أشخاص أثق بهم جيدًا، يأتون إلي بالأدوات المستعملة من المناطق الساخنة التي تتعرض للقصف في معظم مناطق إدلب، إضافة إلى ورقة تم مهرها من المالك الأساسي، تُثبت أنه باع هذه الأدوات المستعملة التي يملكها”.

ويعترف بعضهم ممن يشتري هذه الأشياء برخصها، لكنها، في الوقت نفسه، الوسيلة الوحيدة لهم لامتلاك ما لا يقدرون عليه في ظل تشرّدهم، وحول ذلك، قالت أم أحمد، إحدى النازحات من ريف حلب الجنوبي إلى ريف إدلب الغربي، والتي تبلغ من العمر نحو 43 عامًا: “لقد خرجت من منزلي في ريف حلب، أنا وزوجي وطفلان، هربًا وخوفًا من القصف الذي تتعرض له المنطقة، ولم آخذ شيئًا معي، وحين وصولنا إلى ريف إدلب، استأجر زوجي منزلًا فارغًا من الأثاث، وذهبنا إلى المراكز التجارية لبيع الأدوات المستعملة، واشتريت كل لوازم البيت من معدات المطبخ وثلاجة وغرفة نوم وتلفاز وغرفة للجلوس، وكل هذا بقيمة 250 دولارًا، وكل هذه الأشياء لا تختلف من حيث الجودة عن الأدوات الجديدة”.

 

شرعية أو مسروقة

يعتقد بعضهم أن هذه الأدوات تُباع بشكل غير شرعي، ويقولون: إن معظمها سُرق من المنازل الخالية من أصحابها، ما يثير إشارات استفهام حول حجم السرقات، وطريقة التمييز بين المسروق والمباع بشكل مشروع، ويقول محمد بركات، من ريف إدلب لـ (جيرون): “هل يُعقل لأحد أن يبيع نوافذ وأبواب منزله، لدي كثير من التساؤلات عن مصدر هذه الأدوات، وأنا أتوقع أنها مسروقة من بيوت النازحين، لذلك، أنا ضد المتاجرة بالأدوات المنزلية المستعملة ويستحيل أن أشتري منها”.

من جهته، قال رفعت أبو إبراهيم، أحد تجّار الأدوات المنزلية المستعملة في ريف إدلب: “من جهتي، أتوخى الحذر جيدًا، ولا أشتري بضائعي من أشخاص لا أعرفهم، كي لا أشاركهم بجرم السرقة، إنما أتعامل مع أشخاص أعرفهم يأتون إلي بأدوات منزلية مستعملة من معظم المناطق الساخنة التي تتعرض للقصف في ريفي حلب وإدلب”.

وأضاف: “كل الأشخاص الذين أتعامل معهم في شراء الأدوات المستعملة هم بالنسبة لي من أصحاب الثقة، إضافة إلى أني أطلب ورقة ممهورة من المالك الأساسي لما يأتون بهِ من أدوات منزلية تُثبت أنه باعها، إضافة إلى ورقة من المحكمة الشرعية قبيل خروجهم من المنطقة”.

دور الشرطة الحرة

أم أدهم، إحدى النازحات التي غادرت منزلها ونزحت إلى ريف إدلب الغربي، بعد أن تركتهُ عامرًا بالأثاث، قالت: “عُدتُ إلى منزلي بعد أن عانيت النزوح لمدة ستة أشهر، ولم أر في منزلي سوى الجدران”، وأضافت بحرقة: “أين أصبح أثاث منزلي الذي سُرق مني في لحظة تشردي”.

النقيب مُضر أبو محمد، أحد ضبّاط الشرطة الحرة في ريف إدلب، قال لـ (جيرون): “نعمل بكامل جهدنا؛ حتى لا تحدث فوضى في المنطقة، ونراقب كل الأشخاص المشبوهين، ولا نتهاون مع اللصوص والسارقين، وخُصصنا دوريات أمنية ساهرة تجول في المنطقة، لمنع حدوث أي سرقة للمنازل الخالية من أهلها، كما أن هُنالك عناصر، مهمتها مراقبة الأحياء السكنية في حال حدث قصف ما، تحسبًا لحوادث سرقة المنازل والمحال التجارية”.

وأضاف: “منذ شهرين تعرضت منطقتنا للقصف من طائرات “النظام”، حينها أصبح مكان حدوث القصف تجمعًا كبيرًا للمدنيين ولعناصر الدفاع المدني؛ للعمل على استخراج جرحى وقتلى القصف من تحت الأنقاض، وفي مساء يوم حادثة القصف، شاهد عناصر مركز الشرطة الحرة سيارة كبيرة من نوع (انتر كولر)، خارجة من الحي السكني الذي تعرض للقصف، وحين سؤال عناصر الشرطة الحرة عن هويتها وهوية من كان فيها، قالوا لهم: نحن سُكان إحدى المنازل التي تعرضت للقصف، آخذين معنا أغراض بيتنا؛ لأنها لم تعد صالحة للسكن، وسنذهب إلى مكان آخر نأوي إليه، ريثما يتم إصلاح المنزل، لكن عناصرنا طلبت أن يرافقوهم للمركز ليتم إعطائهم ورقة بالأدوات المنزلية؛ كي لا يوقفكم أحد على الحواجز الأمنية، وعند التحقيق معهم لمدة تقارب نحو ساعة، تبيّن لنا أنهم كاذبون، وأنهم لصوص انتحلوا شخصيات من أقارب العائلة أصحاب البيت المسروق، وتم القبض عليهم وإحالتهم إلى المحكمة الشرعية لينالوا جزاءهم، ووضعنا المسروقات في إحدى مستودعات الأمانة، ريثما يأتي أصحابها ويستلموها”.

ويُشار أخيرًا، إلى أن عدد المراكز التجارية، المتخصصة ببيع الأدوات المنزلية المستعملة في ريف إدلب، قد بلغ نحو 357 مركزًا، والعدد يتّجه للزيادة مع استمرار الحرب والنزوح في سورية.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق