تصدّر الأدب الروسي لفتراتٍ طويلة الساحة الثقافية السورية بجدارة، وتموضعت الكتب والروايات الروسية على طاولات ورفوف معارض الكتاب السورية، وعُدّت رواية الأم للكاتب الروسي مكسيم غوركي أنموذجًا أدبيًا فريدًا يُدرّس في المناهج السورية، وتُرفع لأسلوبه وصياغته القبعة.
هذا الأدب “الراقي” الذي لم نكن لنعرفه ونخبره ونتمعّن في إنسانية طروحاته، إلا من خلال الاتحاد السوفياتي والثقافة الرأسية التي اجتاح بها مجتمعات العالم الثالث، وكانت سورية الأكثر تأثرًا.
سعى حافظ الأسد -عبر سنوات حُكمه الطوال وصداقته التي بناها مع الشيوعية والمنظّرين لها- إلى التحكّم بكل المنافذ الفكرية، وانتقى لشعبه ما يريده هو، وما يتلاءم مع خططه الاستراتيجية، بتدمير العقول السوريّة وتحويلها إلى أدمغة تتلقّن المسموحات، وتنفر من المحظورات.
وقد احتلّت الروايات الروسية موقعًا مهمًا في بعض البيوت السورية التي بقيت متمسّكة بالشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مدافعة عن أفكارها إلى النهاية، هذه الأفكار التي كان تطغى فيها قيم العدالة والإنسانية، أما شعارها الأكثر سطوعًا وهو (التقسيم العادل للثروة والملكية الجماعية لوسائل الإنتاج)، فأثبت فشله الذريع، وبات باديًا للجميع قماءته وخباثة من جاء به.
وعلى الرغم من كل هذه المكاشفات، بقي الأدب الروسي ركيزة وقاعدة للمثقفين السوريين الذين عدّوا الرواية الروسية أم الفنون! ومن لا يطالعها لا يمتّ للثقافة بصلة!
لا أحد يستطيع أن ينكر “عظمة” الأدب الروسي و”قيمته الكبيرة” التي جاء بها وغزا عقولنا العربية، فمن منا لم يقرأ دوستوفسكي ولم يتمعّن بقصائد ألكسندر بوشكين الذي صوّر لنا جمال العالم وقباحته بالروح نفسها، ومن ينسى “الحرب والسلام، ودرب الآلام، والدون الهادئ…”، لكننا لم نكن نتوقع -نحن السوريين- أن تحرق الطائرات الروسية هذا الحب! هل بتنا نكرهه ما صدر ويصدر عن هذا الأدب الذي دعا بمضامينه إلى “الحرية” والعدالة يومًا؟ أم أن الأدب لا ذنب له فيما يحدث؟ إن حكومة المافيا الروسية بحرقها للسوريين، إنما تحرق القيم الجمالية والإنسانية للأدب الروسي.
هل يستطيع السوريون -بعد اليوم- أن يتقبلوا الأدب الروسي؟ لقد باتت كلماته وصوره مرتبطة عندهم بالقتل والدم والموت…. السوريون لن يستطيعوا -بعد اليوم- أن يتعاطفوا مع الشعب الروسي، على الرغم من ضيق ذات يده، فالهولوكوست الذي اشعلته سلطتهم في سورية، يتجاوز كل التسامح والغفران، وأيّ أدبٍ يستطيع اليوم أن يرسم بحروفه أطفال حلب تحت أنقاضٍ وركامٍ خلّفته طائراتٌ روسية.