مع مرور عام على التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، واستخدام الروس أسلحة محظورة دولياً كالقنابل العنقودية والفوسفورية والصواريخ الارتجاجية ضد الشعب السوري، وزيادة المعارضين لروسيا وأعدائها في سورية إلى نسبة قياسية، وإصرار السوريين، سياسيين وعسكرًا، على ألا يسمحوا لها بتمرير حلولها التي تحرص على إبقاء النظام السوري، بتركيبته ورأسه وجرائمه، برزت أسئلة حول المكاسب التي حصل عليها الروس من وراء هذا التدخل، وبالمقابل ما هي الخسائر التي فقدوها في سورية، ليس العسكرية فحسب، وإنما الأهم السياسية والشعبية والمستقبلية.
وفيما إن كانت روسيا قد كسبت أم خسرت في سورية، بعد تدخلها العسكري قبل عام، أو إن كان ربحها للنظام السوري أهم من كسبها للشعب، قال المعارض السوري لؤي صافي لـ (جيرون): “المقاربة الروسية لقضايا المشرق قامت، منذ قرنين، على أساس التعامل مع أبناء المنطقة لا على أنهم شعب واحد، بل من منطلق التنوع الديني والطائفي والاثني. خلال توسع روسيا نحو القوقاز وحوض البحر الأسود في القرن الثامن عشر، اعتمد الروس على سياسة دعم الأقليات، والتحالف معها؛ لإضعاف الدولة العثمانية، والتوسع على حسابها، وروسيا بوتن، التي تعمل على استعادة نفوذها وفق الرؤية التي حكمت روسيا القيصرية، وبدلًا من الرؤية السوفياتية التي اختفت مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ترى في دعم الأقليات مدخلًا مناسبًا لهيمنتها”.
وأضاف: “إن خطاب القيادة الروسية الداخلي يشدد على حماية المسيحيين السوريين، والذي ينتمي أكثرهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية، من الحركات الإسلامية (المتشددة)، والقيادة الروسية تلعب على وتر حماية الشرعية السياسية واحترام نتائج الانتخابات، وهي تعلم أن تلك الانتخابات لم تكن يومًا من الأيام حرة ونزيهة، وخلف الادعاءات هذه تكمن الرغبة الروسية في منع تمدد النفوذ الغربي والهيمنة الأميركية إلى مناطق نفوذها خلال القرن الماضي”.
وأوضح، قائلًا: “إن حسابات الربح والخسارة الروسية تتعلق بالتحديد بالتنافس مع الولايات المتحدة، وتوسيع دائرة النفوذ الروسي، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد، بالشعب السوري وأحوال معيشته”.
من جهته، قال منذر آقبيق، الناطق باسم تيار الغد السوري المعارض لـ (جيرون): “روسيا حتى الآن رابحة من جراء تدخلها العسكري، فقد منعت سقوط نظام الأسد، أو على الأقل وصوله إلى حالة من الضعف، يُقدّم عندها تنازلات سياسية كبيرة، تعتقد روسيا أنها ستكون ضد مصالحها. وكذلك كسبت دورًا أساسيًا في المنطقة، أصبح معه الحل بدون موافقتها صعب للغاية، ولكن كل ذلك كان على حساب الشعب السوري، الذي مازال يعاني من استمرار الحرب، والمفارقة أن كل الأطراف الدولية تقول بأن الحل يجب أن يكون سياسيًا، وأنه لا يوجد حل عسكري، بينما تتناقض التصرفات مع الأقوال”.
أما فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد أكّد أن روسيا قد لا تكون خاسرة الآن، لكنها ستخسر كل السوريين في المستقبل، وقال لـ (جيرون): “ستخسر روسيا كثيراً في حال انكسار النظام السوري أو تداعيه، وأتى بدلًا عنه نظام تعددي، فبعد أن خسر الروس كل مودة السوريين، عندما أعلنوا اصطفافهم المُطلق إلى جانب النظام السوري، وتضاعفت النقمة الشعبية تجاههم بعد أن تدخّلوا عسكريًا بشكل مباشر، سيكونون في خطر في ظل أي نظام تعددي جديد، وستتدهور كل استثماراتهم وعلاقات مع سورية، وسيكونون أهدافًا لردات فعل السوريين المتضررين من آلة الحرب الروسية، وستخسر روسيا امتدادًا جيو – ستراتيجيًا، لأن النظام الجديد سيُعرقل كل المصالح الروسية الاقتصادية وغير الاقتصادية، وسينتقم مما فعلته روسيا في سورية، ولهذا ربما، هم حريصون على ألا يرحل النظام، وألا تكون هناك تسوية عادلة”.
وفيما إن كان هناك نهاية قريبة للتدخل الروسي، أم أنها هيمنة طويلة الأمد، قال صافي: “نهاية التدخل الروسي ترتبط بعوامل عديدة، أهمها مدى تحقيقه لتقدم ميداني وسياسي، والتكلفة السياسية والاقتصادية لهذا التدخل، التدخل حقق الهدف الأساسي منه، وهو منع انهيار قوات الأسد وحلفائه على الأرض، ولكنه لم يتمكن حتى الآن من حسم نتائج الصراع المسلح، خاصة بعد الضربة القوية التي تلقتها قوات النظام في جنوب حلب وشمال حماة، ومن ناحية أخرى، فإن الكلفة السياسية والاقتصادية، ونجاحات بوتن في تمرير الحل الذي يراه، وإرغام إدارة أوباما على التراجع، طبعًا من خلال التعاون مع إسرائيل، وبمساعي جماعات الضغط الصهيونية، تحفزه على المضي في هذا الخط، خاصة وأن التدخل لا يُحمّل روسيا حتى الآن أي كلفة بشرية ومالية كبيرة، وفق المعطيات الحالية، فإن نهاية التدخل لا تبدوا قريبة، ولكن الأمر يمكن أن يتغير بصورة مفاجئة إذا شهد الاقتصاد الروسي تراجعًا إضافيًا خلال الأشهر المقبلة، أو في حال تغير الموقف الأميركي الذي يمنع حلفاءه الإقليميين من تقديم معونات عسكرية، يمكن أن تحسم الصراع لمصلحة قوى الثورة والمعارضة السورية”.
وحول ما يمكن للمعارضة السورية أن تفعله، مقابل هذا التدخل الروسي المباشر، أو هذا (الاستعمار) وفق ما تصفه المعارضة السورية، قال صافي: “تتجلى قوة المعارضة في تمسّكها بمواقف مبدئية، والروح العالية التي أبدتها في مقارعة النظام وحلفائه الطائفيين، في مقابل الروح العالية والإصرار على التحرر من وطأة نظام الاستبداد التي تميز قوى المعارضة، فإن تفاوت القوة النارية بين الأطراف وقدرة النظام على ضرب المدنيين، وحصوله على دعم روسي كامل مقابل التململ الخطابي الغربي، يحد من قدرة المعارضة على تغيير موازين القوى بصورة حاسمة، والخيارات التي تملكها المعارضة محدودة، لأسباب تتعلق بضعف التنسيق وغياب الرؤية والأهداف المتشابهة، وقدرتها على التأثير في المشهد العام، وتوليد حراك جديد يتلاءم مع أهدافها وطموحاتها، ولذلك فإن ما تستطيع المعارضة فعله اليوم هو زيادة التنسيق، ورفع مستوى التعاون بين تنظيماتها ومؤسساتها، والتحرك وفق رؤية استراتيجية، والعمل على المحورين السياسي والعسكري لمنع النظام من استعادة سيطرته على الأرض أو استعادة مكانته في المجتمع الدولي. وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى تعاون أفضل بين مؤسسات المعارضة والجاليات السورية في الولايات المتحدة وأوربا”.
وفي هذا السياق، يقول عبد الغني: “بإمكان المعارضة القيام بالمتاح، كنشر رسالتها بمختلف دول العالم، ومطالبات هذه الدول بتقديم الإغاثة والمواد العينية، وإيصالها إلى المناطق الأكثر تضررًا، وتوظيف الإمكانات، وبشكل حثيث، لترجمة كل ما يتعلق بفضح ممارسات وجرائم روسيا في سورية إلى اللغة الروسية، وتعميمها إلى كل مراكز الأبحاث، ووسائل الإعلام الروسية والهيئات الشعبية والحقوقية، ونشرها على أوسع نطاق عبر وسائل الإعلام المعارضة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي”.