يشعر الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه «خدع» من نظيره الروسي فلاديمير بوتين وبأن نصائح وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر لجهة «عدم الثقة بنيات» بوتين كانت صحيحة، لذلك طلب أوباما من المؤسسات الأميركية ومستشاريه تقديم «مقترحات ملموسة» للرد على التصعيد الروسي بالتزامن مع بحث دول غربية وإقليمية حليفة لواشنطن وسائل محددة للرد على «الخديعة الروسية» ولجم طموحات بوتين في مناطق أخرى في العالم بعد جورجيا وأوكرانيا وسورية.
معروف أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كان متحمسًا للانخراط الديبلوماسي مع نظيره سيرغي لافروف وأنه كان يعبر في جلسات مغلقة عن أنه يعمل ضمن «صندوق الأدوات الذي أتاه الرئيس وهو الحوار الديبلوماسي من دون تهديد بالقوة». كما يقترب من هذا الموقف بريت ماغورك المبعوث في التحالف ضد «داعش» لجهة أولوية محاربة هذا التنظيم وتحقيق «انتصارات» ضده بمساعدة إيران وميليشياتها في العراق وبمساعدة الأكراد في سورية. في المقابل، عارض كارتر هذا الخيار ورفض أي تعاون مباشر بين الجيشين الأميركي والروسي في سورية في أجواء استعادة الحرب الباردة في مناطق أخرى. كما أن مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي ايه) جون برينان عارض تبادل المعلومات الاستخباراتية حرصًا على السرية والقلق من اطلاع جهاز الاستخبارات الروسي على آلية عمل «سي آي ايه».
أوباما، وضع ثقله وراء خيار كيري – ماغورك رغم تحفظات كارتر – برينان وأعطى تعليمات لكيري بتوقيع اتفاق التعاون في 9 أيلول (سبتمبر)، لكن انهيار وقف النار وضرب قافلة المساعدات الإنسانية في ريف حلب (بعد الضربة الغامضة على موقع للجيش السوري في دير الزور) وانتقال روسيا من دور المتحفظ في معركة حلب إلى قيادة معركة استعادة المدينة واقتحام أحيائها الشرقية وتدمير كل البنى التحتية والخدمية والطبية، وضعت أوباما في موضع محرج أمام معارضي التعاون وصار تحت ضغط من مؤسسات أميركية ومن الحزب الديموقراطي قبل الانتخابات ومن حلفاء واشنطن في أوروبا والشرق الأوسط الذين كانوا منزعجين أصلًا من حصرية التعاون مع روسيا وغياب الشفافية بين الحلفاء.
أول خطوة، كانت المواجهة الكلامية بين واشنطن وحلفائها وموسكو في مجلس الأمن ووصف الهجمات الروسية بـ «البربرية»، ثم عقد كيري اجتماعًا مع الحلفاء الأوروبيين والاتحاد الأوروبي لبحث الأزمة السورية وإصدار بيان ختامي، حمل روسيا مسؤولية التصعيد والقصف. وأعطى أوباما الضوء الأخضر لبحث خيارات الرد على بوتين حيث عقدت جلسات لمراكز أبحاث في عواصم غربية وجلسات عمل لمسؤولين عسكريين وأمنيين وديبلوماسيين لمراجعة «سلة الخيارات». ووفق ديبلوماسيين ومسؤولين غربيين تشمل لائحة الخيارات:
– الإعلان رسميًا أن روسيا ليست شريكة في البحث عن حل ديبلوماسي في سورية وبدء النظر لها على أنها «مخرب للحل».
– وقف عمل «المجموعة الدولية لدعم سورية» التي يرأسها الجانبان الأميركي والروسي منذ بدء عملية فيينا في خريف العام الماضي وتوقيف العمل بمجموعتي العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية والخاصة بوقف العمليات القتالية اللتين تعقدان برئاسة أميركية – روسية أسبوعيًا في جنيف.
– انتقال واشنطن بدلًا من ذلك للتنسيق مع حلفائها الغربيين والإقليميين، على عكس ما كان يحصل منذ اكثر من سنة عندما اشترطت موسكو أن يكون التعاون ثنائيًا بين أميركا وروسيا.
– وقف دعوات رفع العقوبات عن روسيا من أوروبا والبحث في تعميق العقوبات، إضافة إلى الحديث مع دول إقليمية لمعاقبة موسكو في أسواق النفط.
– بدء حملة إعلامية – سياسة وإعلامية ضد روسيا وبدء إثارة الموضوع السوري ودور روسيا في جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وتحميل روسيا مسؤولية مباشرة للقصف والغارات والقتل، إضافة إلى تحريك ملف قصف قافلة المساعدات في مجلس الأمن وتحريك ملف الأسلحة الكيماوية والكلور.
– بدء حملة غربية في الأمم المتحدة لـ «طرد» الحكومة السورية، مقابل رفع مستوى التعاون مع «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة وعقد لقاءات سياسية رفيعة المستوى معها وإبقاء المعارضة المعتدلة على قيد الحياة.
– بدء دول غربية فرض عقوبات اقتصادية إضافية على دمشق والضغط على دول غربية أو عربية لوقف تطبيع مع دمشق وفتح أقنية أمنية وديبلوماسية معها و «قطع الطريق على استعادة الشرعية».
– عسكريًا، وضعت على طاولة وزارات الدفاع والخبراء العسكريين خيارات عدة: بحث إقامة منطقة حظر جوي محدود فوق حلب، إقامة منطقة حظر جوي جنوب سورية، إعطاء الضوء الأخضر لتركيا في قيادة عملية عسكرية مع «الجيش الحر» لطرد «داعش» من الرقة، توجيه ضربات لمدرجات الطيران السوري، توجيه ضربات لقواعد الجيش السوري، توجيه ضربات لميليشيات حليفة للقوات النظامية السورية، إضافة إلى بحث اقتراح لإرسال قافلة مساعدات إنسانية بحماية عسكرية من تركيا إلى ريف حلب.
– أمنيًا، تقديم معلومات استخباراتية أكثر لفصائل معارضة عن مناطق انتشار القوات النظامية السورية وحلفائها، تقديم دعم عسكري أكثر من حيث الكم والنوع لفصائل الجيش الحر، ورفع الفيتو الذي كان قائمًا بمنع وصول أسلحة نوعية. هنا، تطابقت معلومات عن وصول كميات كبيرة من الذخيرة والسلاح شملت مضادات للدروع وراجمات غراد إلى «جيش إدلب الحر» الذي تشكل أخيرًا من تحالف ثلاثة فصائل معتدلة. كما تطابقت معلومات عن وجود مضادات جوية، لكن مداها لا يصل إلى الطيران الحربي الروسي أو السوري. الهدف، جعل أي تقدم للقوات النظامية وأنصارها وروسيا مكلفًا وبقاء الميزان العسكري غير منحاز في شكل كامل لمصلحتهم إلى حين وصول رئيس أميركي جديد.
واشنطن تنتظر أفعالًا من موسكو. والاختيار من قائمة الخيارات مرتبط بـ «الخطوط الحمر» التي رسمها أوباما لمستشاريه وحلفائه، وهي انه يجب أن تتضمن الخيارات إرسال رسالة واضحة إلى الكرملين بالانزعاج من كيفية التعاطي مع مبادرات واشنطن، وعدم تقييد خيارات الإدارة الأميركية الجديدة بتغيير كبير في ميزان القوى في سورية من روسيا وحلفائها، لكن في الوقت نفسه لا تؤدي الخيارات إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وموسكو في سورية خلال الأشهر الأخيرة لإدارة أوباما ولا تعرض القوات الأميركية في العراق لأخطار هجمات من الميليشيات الإيرانية ردًا على أي تصعيد في سورية باعتبار أن استراتيجية أوباما قائمة على أولوية العراق ومحاربة «داعش».
(*) كاتب سوري.