تحقيقات وتقارير سياسية

حصاد عام من العدوان الروسي

لم يتوقع السوريون أنهم سيفتحون جدولًا جديدًا لانتهاكات حقوق الإنسان في بلدهم، غير جدول توثيق ما فعله ويفعله هذا النظام الذي ثاروا عليه؛ للتخلص من جوره وعسفه، فإذا بهم يتعرضون لانتهاكات واسعة، ضمّت في طياتها عديدًا من الدول والتنظيمات والمرتزقة؛ لتصبح الأرض السورية ميدانًا لكل أنواع العصابات والإرهاب، بما فيه إرهاب الدول.

في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، دخل الطيران الروسي المعادلة الداعمة للنظام، وتصرّف خارج كل المواثيق والقوانين الدولية، مستندًا إلى اتفاقية وقّعها مع رئيس غير شرعي، ومدان بجرائم حرب؛ لتصبح أفعال روسيا جزءًا لا يتجزأ من الأرقام التي تشير إلى جرائم، وقد تفوقت ببعضها على انتهاكات النظام، لامتلاكها أسلحة أكثر فتكًا وتدميرًا منه.

مع مرور عام كامل على العدوان الروسي، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير لها استشهاد 3264 مدنيًا، بينهم 911 طفلًا، و619 سيدة، هذه الأرقام تشير -بمجملها وبوضوح- إلى أن استهداف روسيا للمدنيين، هو أمر متعمّد كما فعل شريكها الذي جاءت للوقوف بجانبه، وهي بعكس ما ادّعت أمام العالم لتبرير تدخّلها، بأنها جاءت لمحاربة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم الدولة (داعش)، فتأتي هذه الأرقام لتفضح الدور الحقيقي الذي تلعبه قواتها على الأرض؛ فقد ورد في التقرير -أيضًا- أن هذه القوات ارتكبت ما لا يقل عن 169 مجزرة، خلال هذه المدة، وهذا يقود إلى عدّ المجازر التي ارتكبها النظام، منذ انطلاقة الثورة في آذار/ مارس 2011، كانت مغطاة سياسيًا من روسيا، وهذا ما أكّده استعمالها حق النقض (الفيتو)، ضد كل محاولات الإدانة الدولية لجرائم النظام في مجلس الأمن؛ ليمنحنا -الآن- التقرير فرصة عدّها شريكة متكاملة، منذ أول جريمة أو مجزرة، ونستذكر -هنا- ما كانت تقوله منذ بداية الثورة، أن النظام السوري يواجه إرهابيين، أي اعتمادها خطاب النظام الإعلامي ذاته، ولا ندري حقيقة إن كانت هنالك غرفة عمليات عسكرية مشتركة، لإدارة الحرب ضد الشعب السوري منذ ذلك الحين، وخاصة بوجود عسكريين روس يعملون على الأرض السورية منذ سنوات طويلة، فقد استخدمت (الفيتو)؛ للتغطية على جرائم النظام أربع مرات، بداية من أول قرار تم إحباطه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، ويُذكر بأنه في يوم 23 آذار/ مارس 2011، بحسب عدة تقارير، قد استُشهد في مظاهرات محافظة درعا فحسب، نحو 100 مدنيّ برصاص قوات النظام، وقد وثّق الناشطون طريقة تصدّي عناصر النظام، للاحتجاجات المدنية السلمية بكاميراتهم الشخصية البسيطة، وظن السوريون أن العالم سينصرهم على دموية النظام وحلوله الأمنية، ولكن الأمور تدرّجت إلى أن الدول الفاعلة وخاصة روسيا ناصرت القاتل.

هجمات روسيا كانت على المدنيين وليس على “داعش”

ذكر تقرير الشبكة السورية أيضًا، أن “147 هجمة بالذخائر العنقودية”، شنتها الطائرات الروسية، منها “144 هجمة حصلت في مناطق المعارضة، بينما 3 هجمات فقط كانت في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة (داعش)”، وهذا بحد ذاته يفنّد ادعاءات روسيا بأنها جاءت لمحاربة الإرهاب، ويؤكد بالأرقام أنها تمارس من الجو فعلًا مشابهًا لممارسات (داعش) على الأرض، بل تفوقت على هذا التنظيم في كثير من الجوانب، وبسبب مجازر روسيا وحجم الدمار الذي تخلفه غاراتها، واستعمالها النابالم والفوسفور الحارق، ومؤخرًا القنابل الارتجاجية، وإنكارها لذلك، واستعمال نفوذها في مجلس الأمن من خلال حقها (بالفيتو)، يمكن القول بأنها تستعمل نفوذها في مجلس الأمن؛ لترتكب إرهاب دولة منظم ضد شعب أعزل، بل إن مساهمتها في حصار المدن والبلدات السورية، وخاصة الأحياء الشرقية من حلب، متقاسمة هذا الدور مع مرتزقة لبنانيين وعراقيين وأفغان وإيرانيين وغيرهم، تكون قد وضعت نفسها -كدولة كبرى- ضمن قائمة المرتزقة، كراع دولي لهم، وعلى هذا؛ فضباطها وجنودها على الأرض السورية من المرجح أنه يمكن عدّهم في عداد المرتزقة، والتعامل معهم يتم قياسًا على ذلك في الحروب، وفي سؤال لجيرون لفضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عن كيفية محاسبة روسيا في المحاكم الدولية، وتستطيع تعطيل القرارات الدولية، رأى أن ذلك غير ممكن؛ لأن الملف يجب أن يُحال فعلًا من مجلس الأمن، وهي تمتلك حق النقض، فتؤمّن حمايتها من أي قانون، لكن من المؤكد -بحسب عبد الغني- أن ذلك ليس نهاية المطاف، والتوثيق يعنينا كسوريين، ليبقى في ذاكرتنا الحيّة.

روسيا تتعمد استهداف المراكز الحيوية

سجّل كذلك التقرير للعدوان الروسي خلال عام، “32 ضحيّة من الكوادر الطبية، و11 ضحية من الدفاع المدني، و12 شخصًا من الكوادر الإعلامية”، بينما أكّد أن روسيا التي تعدّ راعية لإعلاني هدنة في سورية، بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت الهدنة الأولى في 27 شباط/ فبراير 2016، والثانية في 12 أيلول/ سبتمبر 2016، فإن روسيا نفسها هي من خرق الاتفاقيتين، واستمر الخرق حتى انهارت الاتفاقيتان في نهاية تموز/ يوليو، وصعّدت روسيا من عدوانها بشكل كبير، وأدى إلى أن تتبادل الاتهامات مع أميركا في مجلس الأمن، بعد إفشالها الاتفاق الأخير، وقول أميركا بأن روسيا هي من قصف قافلة المساعدات، بناء على تقارير استخباراتية، وتحليل صور المراقبة الجوية.

كما أشار تقرير الشبكة السورية إلى أن “ما لا يقلا عن 417 مركزًا حيويًا مدنيًا، تعرّض للاعتداء، منها 25 مركزًا تعرض للاعتداء أكثر من مرة”، مؤكدًا أن “عمليات القصف والتدمير والقتل التي ارتكبتها القوات الروسية أدّت إلى تشريد مئات الآلاف من منازلهم، وتحويلهم إلى نازحين ولاجئين، فقد رصد التقرير تضرُّر 59 ألف شخص -بشكل مباشر- من الهجمات الروسية”، ذلك يقودنا إلى ما يدركه السوريون أن عمليات روسيا -أيضًا- تندرج ضمن خطة النظام وإيران للتغيير الديموغرافي في سورية، وهذا الخطر خلفه مآس، ستدفع ثمنها أجيال كثيرة مقبلة، وتساهم في تعميق الشرخ الطائفي في سورية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة تحطيم المجتمع وانتماءاته وتاريخه، وهي جرائم حرب لا بد من توثيقها، على الأقل؛ لتكون بمتناول السوريين في تثبيت حقوقهم، وتاريخهم، وضحاياهم، على درب الحرية، وإلى ذلك، فقد أشار تقرير الشبكة، إلى أن القوات الروسية “خرقت -بشكل لا يقبل التشكيك- قرار مجلس الأمن رقم 2139، وقرار مجلس الأمن رقم 2254، كما خرقت -عبر جريمة القتل العمد- المادة الثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق