قضايا المجتمع

المعونات الغذائية إلى أسواق إدلب والتُجّار الرابح الأكبر

تحوّلت المساعدات الإنسانية التي من المفترض أن تصل إلى المتضررين، إلى سلع تباع في ريف إدلب، وبأسعار منخفضة؛ لتغدو -بعدئذ- الهدف الأول لكل من يقصد أسواق المواد الغذائية، وتتربع في صدارة قائمة المشتريات.

يتوجه النازحون لشراء حاجياتهم إلى تجار معروفين، يبيعون مواد الإغاثة التي تصلهم، لأنها غالبًا ما تُباع بأسعار زهيدة، تبلغ 30 بالمئة فقط من قيمتها الفعلية، وتعمل بعض مجالس القرى على بيع هذه المواد.

وحول هذه الظاهرة، قال الناشط السياسي إبراهيم الأدهم، من مدينة سلقين لـ (جيرون): “في مراتٍ عِدّة هاجمتُ تُجار المواد الغذائية الذين يبيعون المعونات الإغاثية التي تأتي لمساعدة الشعب السوري، وتقدمتُ بشكوى ضدهم الى المعنيين في هذا البلد، لكن دون جدوى”.

وأضاف: “لا يمكننا أن نلوم التجار فحسب، بل يقع اللوم -أيضًا- على بعض المجالس المحلية، والقوى الأمنية في المنطقة التي مازالت غافلة عن هذه الأفعال الشنيعة، ضد الشعب المتضرر، ونُوجّه عتبنا لبعض النازحين والفقراء، على بيعهم معوناتهم التي حصلوا عليها”.

من جهتها، قالت أمُ فارس، ربة المنزل من ريف إدلب: “كنا في زمن النظام نشتري من المؤسسة العسكرية موادَّ غذائية، كان يفترض توزيعها مجانًا، أما اليوم، فتُباع مواد إغاثتهم في الأسواق التركية والسورية”.

وتابعت: “توجهتُ إلى محل لبيع المواد الغذائية في مدينة انطاكيا التركية، أمسكت علبة فول، وقد كتب عليها (غير مخصصة للبيع – المفوضية العليا للاجئين)، ولدى مواجهة البائع، أنكر معرفته بالأمر، إلا أنني لم أعد أرى مثلها على رفوف محله”.

 

العاملون جزء من المشكلة

بشكل غير بعيد عن الانتهاكات التي يرتكبها تجار الأزمة، تحول بعض العاملين في المجال الإغاثي إلى تجارة السلال الغذائية، وهو الأمر الذي أكّده أحد العاملين في مجال الإغاثة في منطقة حارم، والذي قال شريطة عدم ذكر اسمه: “لقد تحوّل بعضهم إلى تجار سلال غذائية، من خلال استغلالهم عدم قدرة المنظمات الإنسانية، التي تتعامل معهم، على التقصي عن نزاهتهم في ظل الأوضاع الراهنة”.

وأضاف: “كثير من العاملين يقومون بتقديم لوائح وبيانات بأسماء وهمية لعائلات محتاجة، ليتاجروا بحصة هذه العائلات المحتاجة، بالأخص بعض أفراد المجالس المحلية”.

من جهة أخرى، يلجأ المستفيدون من السلال الغذائية إلى بيع محتوياتها بمفردهم على الأرصفة والبسطات، ليتمكنوا من جني أرباح أكبر، بعيدًا عن التعامل مع التجار.

أبو محمد، ناشط في مجال توزيع المعونات الإنسانية في ريف إدلب قال لـ (جيرون) “يعمد معظم الذين يحصلون على المساعدات لبيع محتوياتها متفرقة، حيث يبيعون كيلو الرز الطويل بـ 100 ليرة سورية، بينما يبلغ سعره الحقيقي 250 ليرة سورية، والقصير بـ 250 وسعره في الأسواق 500 ليرة سورية، أما ليتر الزيت النباتي، فيُباع بـ 350 ليرة سورية في حين يصل سعره في الأسواق إلى 650 ليرة سورية، وتباع علبة الفول بـ 75 ليرة سورية بينما يتجاوز سعرها في الأسواق 200 ليرة سورية”، وأضاف: “فتحت هذه الإجراءات، الباب أمام سوق مشترك للمعونات، تتوحد فيه أسعار السلع، شأنه شأن الأسواق العادية”.

وانتشرت في الأسواق -أخيرًا- ظاهرة شطب كلمات (الأونروا، توزع مجانًا، غير مخصص للبيع)، من السلع بعد جمعها ممن يرغبون في بيعها؛ ليتم طرحها في الأسواق في وقت لاحق، وامتدت هذه الإجراءات إلى معظم المحافظات السورية؛ وحتى في المناطق الساخنة التي تشهد جنونًا في أسعار المواد الغذائية”.

التاجر لا يرفض

لا يُمانع العديد من التجار الاستفادة من الحروب لجمع المال، ولا يكترثون للناس الذين قد يموتون جوعًا في سورية، ويحدث الأمر فعلًا، ولم يعد مُستغرباً أن تُباع بعض المواد الغذائية المخصصة لمساعدة السوريين في الداخل إلى دول الجوار، أو رؤية عِبارات على بعض السلع مثل (غير مخصصة للبيع) أو (مساعدات لإغاثة الشعب السوري).

من جهته، دافع علي السيد، أحد التجار في ريف إدلب، عن تصرفات بعض التُجار، وقال: “تتوافد إلى دكاني يوميًا عشرات العائلات التي حصلت على سلال غذائية لبيعها، وأنا اشتريها؛ لأنهم بكل الأحوال سيبيعونها”، وأضاف: “يضطرّ النازحون لبيع حصصهم من أجل شراء السكر والأدوية والماء ووقود التدفئة في الشتاء المقبل”، لافتًا إلى أن “المواد الإغاثية التي نشتريها منهم تصل -في النهاية- إلى لمنظمات التي تعبئها، وتوزعها مجددًا على النازحين، ويُفضّل بعض الأهالي الذين لا يستفيدون من الحصص الإغاثية شراء تلك المواد؛ بسبب انخفاض ثمنها، مقارنة مع أسعار المحلات التجارية”.

يقول طاهر السيد، العامل مع إحدى منظمات المجتمع المدني لـ (جيرون): ” يستثمر تجار الحروب والأزمات في المواد الإغاثية؛ فقد كنت في سورية في الآونة الأخيرة؛ بهدف توزيع بعضها، ولدى تفريغ الحاوية، عُرض علي مبلغ 11 ألف دولار في مقابل ترك الحمولة في مكانها، والجهـات المسؤولة عن مخالفات مماثلة متنوعة، قد تكون تجارًا أو منظـمات، تعـمل بالتنسـيق مع رجال أعمال أتراك، وبالطبع، فإن وجود سوريين أمر مهم جـدًا، لأنه لا يمكن تفريغ الحمولة في الأراضي التركية بأي حال من الأحوال”.

وعن سبب رواج تجارة المواد الغذائية بصورة خاصة، ولا يشمل ذلك الطبية، قال طاهر: “لأن الأمر أكثر سهولة، فعلى سبيل المثال، وصحيح أن الأرباح التي تدرها تجارة المواد الطبية تفوق الغذائية بأشواط، لكن يُمنع تداول الأدوية السورية في تركيا خارج نطاق المؤسسات الطبية المرخصة للمعارضة”.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق