رائدة من رائدات المجتمع المدني والأهلي في سورية، وواحدة من أصحاب أولى الجمعيات والمنظمات النسائية والمدنية العربية، امتهنت الكتابة وعشقت الأدب، وشقّت طريقها بشجاعة متّزنة؛ فنادت بتحرر المرأة، ودعتها إلى المشاركة في صنع التاريخ؛ فلمع اسمها في أولى صفحاته.
ولدت نازك العابد في دمشق عام 1887، من أسرة عريقة؛ فوالدها مصطفى باشا العابد من أعيان دمشق، تولى متصرفية “الكرك”، وولاية الموصل أواخر العهد العثماني، حاربت نازك الجهل والتخلف، وحثّت على التنوير الديني، وأُطلقت عليها ألقاب عديدة، منها جان دارك الشرق، ونجمة ميسلون، والوردة الدمشقية.
أتقنت اللغة الفرنسية والإنكليزية والألمانية، فضلًا عن العربية، واتخذت من مجلة (العروس) التي أسّستها وصديقتها “ماري عجمي”؛ منبرًا لآرائها وأفكارها المتنوّرة والحكيمة، وكانت واحدة من مؤسسات الهلال الأحمر السوري، كما أنشأت عام 1916، جمعية نور الفيحاء؛ لمساعدة ضحايا “الثورة العربية الكبرى”، وأصدرت مجلة بالاسم نفسه، وسخّرتها للنهوض بالمرأة السورية، ثم أسست النادي النسائي الدمشقي.
بدأ حسها الثوري، وغيرتها على هويتها، يظهران منذ صغرها؛ فدافعت عن اللغة العربية، وكتبت عن الوطنية الأصيلة ومقوماتها؛ فمنحها الملك فيصل -آنذاك- رتبة نقيب في جيش المملكة السورية، وكانت من ضمن الفرقة التي ذهبت إلى وقفة العز في ميسلون، بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة.
بعد دخول المستعمر الفرنسي إلى دمشق أُبعدت إلى اسطنبول لمدة عامين، ثم نُفيت إلى الأردن، وبعد تعهدها بعدم ممارسة العمل السياسي، عادت إلى دمشق، واختلطت بأبناء الريف والفلاحين وحضّتهم على الثورة ضد المستعمر، وعندما نشبت الثورة السورية عام 1925، كانت العابد أحد ثوارها المناضلين، تعمل بصمت وخفاء، متنكّرة بزي الرجال.
تزوجت من المفكر اللبناني، محمد جميل بيهم، عام 1929، وانتقلت معه إلى بيروت، وأسست فيها عدة جمعيات، منها: المرأة العاملة، وجمعية لتأمين العمل للاجئين الفلسطينيين، وميتم بنات شهداء لبنان، ومدرسة لتعليمهن الدراسة والمهن، ولجنة للأمهات؛ لرفع مستواهنّ في المجالات كافة.
سافرت عام 1929 -برفقة زوجها- إلى أوروبا؛ لتعريف العالم الغربي بالنهضة النسائية العربية عامةً، والسورية واللبنانية خاصة؛ فتركت أثرًا مشرقًا في المجتمعات الغربية، واستطاعت تغيير الصورة التقليدية السائدة فيها عن المرأة الشرقية.
توفيت في بيروت عام 1959، عن اثنين وسبعين عامًا، أمضتها في الجهاد والعمل النافع، والدفاع عن قضايا الوطن والعروبة، ويقال عنها: إنها كانت تعمل بجد، وتسهر كثيرًا؛ لتطالع وتقرأ، واستثمرت كل سنوات عمرها ساعية إلى رفع قيمة المرأة، وعدم الاستسلام لمآرب الفكر المجتمعي البالي في تنميط النساء وحصر تبعيتهن بالرجال.