اقتصاد

الدولار هداف المونديال السوري

حين سجّل “ليونيل مسّي” أربعة أهداف في مرمى أرسنال، قال “أرسين فينغر”، المدير التنفيذي لنادي “أرسنال”: “إن الطريقة الوحيدة لإيقاف ميسيّ هي: إطلاق النار عليه”؛ وكذلك هي حال الدولار في الملاعب السورية، وكلنا نتمنى إطلاق النار عليه، قبل أن تُعسكر المضاربة في سوق صرف العملة، ويصبح النشاط الاقتصادي الريعي العنوان التجاري الأوحد، ويقع المجتمع في حب القوة، وتسقط من حساباته قوة الحب.

 

هذه ليست فرضية تستلهم نماذج من تاريخ الحروب، في حجتها حيال التجاذب القائم بين النقد والسلعة، فقد احتل النقد طرفي المعادلة، وأخذ موقع السلعة؛ فافتقر سوق السلع، لصالح الغنى في سوق العملات!! وبالتالي؛ بدا جليًا عجز سوق السلع في سورية عن الإجابة عن استحقاقات حاجة الناس، لما يقيم أودها من مأكل ومشرب ودواء، وغير ذلك، وهو كثير، ولهذا ثمة خشية من أن يتداعى الهدف الاجتماعي للاقتصاد، فالشك في قدرة العقل التجاري القائم حاليًا في السوق، على أن يأخذ في حسبانه سلم القيم في نسق الحضارة، يراود الأذهان كلما عاينت الأعيان؛ فانهيار دعائم تبعية المصلحة الخاصة للمصلحة العامة، سيُفاقم المعضلة، ويصبح الانحياز للخلاص الفردي قائمًا على حساب الجماعة، والأسوأ من ذلك ما تنطوي عليه فلسفة الحالة القائمة في السوق، التي تأخذ في حسبانها الربح فحسب!! على حساب الإنسان والمكان، وتكرير النفط بالشكل البدائي في المنطقة الشرقية (الرقة – الحسكة – دير الزور) من الأمثلة المرعبة، والتي يوازيها ما يتحدث عنه الأطباء والصيادلة حول نسبة المادة الدوائية الفعّالة المنخفضة أو المخفضة في الأدوية، ولعل أخطر ما في هذا الموقف أنه ينطوي، إضافة إلى الانسحاب من قيم العصر الإنسانية والاجتماعية، على الدعوة المُبطّنة لاستغلال الوضع المتردي، ورفض المعايير الأخلاقية التي ينتظم بها المجتمع.

 

هذا هو الاقتصاد الذي تصنعه حركة الدولار في السوق السورية، ثمة من يصنعه اليوم، وحين يثبت أقدامه في الرأي العام، آنذاك سيقوم بصناعتنا، ونتحول من كائنات بشرية إلى كائنات اقتصادية، على رأي الدكتور غسان إبراهيم: إن بروز الحالة النفعية بشكلها الفج، كطابع مميز لصورة رأس المال الذي يحكم السوق، تستبطن موقفًا سلبيًا من البشر بالمعنى الإنساني، ومن الوطن بالمعنى الاجتماعي.

قد يتساءل بعضهم عن جدوى إثارة موضوع كهذا، في الوقت الذي أصبحت فيه حياة السوريين في خطر، وليس أي خطر، إنه الخطر الذي يستهدف أرواحهم، ومقومات وجودهم برمتها؟

لست بوارد تقديم إجابات، تأخذ في حسبانها تجار الحروب، فثمة أساس لتلك الحالة، يتمثل في فشل نظام الدولة -عبر العقود السابقة- في إرساء الأساس الأخلاقي الذي يحتاجه المجتمع، ولا أقول القانوني؛ لأنني لست بصدد قراءة الحالة من زاوية اقتصادية، فقد تعرض كثير من فقهاء الاقتصاد لتحليلها، وبيان أسبابها، ونتائجها؛ إننا بصدد مناقشة الحالة النفعية التي تسعى إلى تحصين نفسها بنظرية اجتماعية، لتُحوّل الإنسان من حامل قيم، إلى حامل مال، ولم يستطع أصحاب النظرة العدمية التماس العبرة في ظواهر ازدهار هذه الحالة، وتوسع مجالها في كنف النظام والمعارضة على حد سواء!! فالفوضى التي كانت مموهة سابقًا، كشفت عن وجهها اليوم، وأخشى ما أخشاه أن يأخذ هذا الوجه بالذات، موقع حجر الزاوية في البنية الاجتماعية التي بدأت بالتشكل على أنقاض البنى التي كانت سائدة.

 

فهل بقي للمجتمع السوري من أوكسجين يقيم أوده في هذا الفضاء المنذور لأبشع حرب عرفها التاريخ؟! أم أن هذه الحرب ستتمخض عن عقائد نفعية واستبدادية، أشد فتكًا في البنيتين الاجتماعية والثقافية؟! فهل ثمة من يتمنى ذلك، ويشتغل عليه؟ الجواب: نعم. وبكل تأكيد. فثمة دول وأفراد يعملون على ذلك، وقد بدأت ملامح نتائج عملهم المشين تلوح كالبثور على وجه سورية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق