تحقيقات وتقارير سياسية

عبد الحفيظ الحافظ: ليس اليسار وحده من يتحمّل الخيبات السوريّة

أكد عبد الحفيظ الحافظ، الأمين العام لحزب العمال الثوري السوري لـ (جيرون)، أن كثرة إسقاط الخيبات على الأحزاب السياسية ليس صحيحًا، لأن السوريين، وبعد مرور ست سنوات على ثورتهم، يكتشفون أن الشعب يتحمّل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، وكل الأطراف التي دخلت في الصراع السوري مُساءَلة أخلاقيًا عما حدث -ويحدث- على الأرض السوريّة.

وقال الحافظ في تصريح لـ (جيرون): “إن سورية الوطن والشعب في محنة عامة، وتعيش أوضاعًا، لم تشهدها في تاريخ الحضارات التي أنتجتها طوال ثمانية آلاف عام، فهل مهمات الربيع العربي الذي تأخر نصف قرن عن ربيع براغ، أيام (ألكسندر دوبشك) في التشيك، وربيع ثورة الطلاب في باريس عام 1968، كما تأخر ربع قرنٍ عن ربيع شرقي أوروبا، وهل ثورة الشعب السوري في منتصف آذار عام 2011 هي من مهمات اليسار؟ وهل اليسار الوحيد في مأزق اليوم؟”.

وعن فشل العالم في إيقاف نزيف الدم في سورية، أكد الحافظ أن العالم “مأزوم أساسًا، ويعاني من متلازمة الضمير النائم، فالسياسة فن الممكن، وكلٌّ يُسخّرها وفقًا لمصالحه”، وأردف، قائلًا: “سورية في مأزق، والأمة العربية وتعبيرها السياسي (الجامعة العربية) في مأزق، ومجلس الأمن والأمم المتحدة، وآخر مبعوث دولي وهو دي مستورا في مأزق سياسي وقانوني، ومدان أمام محكمة الحق والأخلاق والإنسانية، كل هؤلاء في حالة تردّي وسقوط في الامتحان، وفقدت الشرعية الدولية مشروعية ومبرر وجودها؛ لأنها عجزت عن وقف تدمير وطن، وتهجير نصف مواطنيه، وقتل وحصار من بقي منهم فيه”.

وعن المهمات التي كان ينبغي على جميع الأطراف المشاركة فيها، وتنصل كثيرون منها، لفت الحافظ إلى أن الثورات عبر التاريخ “هي ثورات شعوب، والشعوب وحدها هي التي تقود الثورات وتُنجحها، أما الأحزاب والتيارات السياسية فمهمتها توجيهية”، وقال: “إن مهمّة الثورة تشييد الدولة المدنية وإسقاط نظام الاستبداد، وهذه ليست مهمات أحزاب وطبقات وفئات وطوائف، ولا مهمات إثنية وقومية، هي مهمة شعب”، وأضاف: “في سورية خندقان لا ثالث لهما: خندق الشعب وخندق النظام، خندق استعادة الدولة وخندق دولة الاستبداد، ولا يوجد في سورية خندق آخر، ولا منطقة رمادية، وكل ما آلت إليه الدولة القومية بشقيها الناصري والبعثي والجماهيري، وفي السودان واليمن والجزائر (بلد المليون شهيد)، يشهد التاريخ على تحمّل الحكام والأنظمة مسؤولية هذا المصير البائس”.

من جهة أخرى، أشار الحافظ، إلى وجود أخطاء كثيرة في سير عمل الأحزاب والتيارات السياسية، فهي الأخرى -في رأيه- لم تعمل بجديّة وجدّ يتناسبان مع عظمة الموقف، واقتربت إلى التنظير واللاواقعية، وكرّرت أخطاءها التي ارتكبتها عبر التاريخ، ولكنه شدد على أنه لا ينبغي أن نلقي كل الأوزار عليها، وقال: “في منتصف القرن الماضي ظهرت مقدمات فشل وإخفاق التيارات الشيوعية والقومية والإسلامية كافةً، بتحقيق شعاراتها، وإنجاز أوهامها الطوباوية (يا عمال العالم اتحدوا/ والوحدة العربية/ ودولة الأمة الإسلامية والخلافة)، والسبب الرئيس أنها عَبَرتْ فوق الواقع، قفزت فوق دولة الواقع القطرية، لم تلتقط هذه التيارات وأحزابها أهمية بناء الدولة الموجودة في الواقع، دولة الحق والقانون وفصل سلطات وتداول المسؤولية، دولة الحريات وحقوق الإنسان، دولة الحداثة والتعددية، لو تم ذلك؛ لتخلصنا من عار هزيمة 1948 وضياع فلسطين واحتلال الجولان 1967”.

ونوّه كذلك إلى أن الأحزاب لا تستطيع أن تؤدي دورها -بنجاعة- ضمن أُطُر دولة متهالكة، وبيئة يملؤها الفساد، وقال: “الدولة قبل الأحزاب، ولا أحزاب قبل الدولة، هنا يسود المناخ الذي تتنفس فيه الأحزاب، وتصوغ برامجها السياسية، وتضع الأجوبة لأسئلة الواقع، أما أيديولوجيات الأحزاب لم تعد تعني الآخرين غير أصحابها”.

وعن اتهام الأحزاب بالسلبية والغياب عن الساحة الثورية الحقيقية، أكد أن هناك أسباب أبعدت الشعب برمّته عن الهدف الرئيس للثورة، ومن ضمنه الأحزاب، وقال: “كانت الأحزاب والنخبة المثقفة حاضرة في الثورة، عندما كان الشعب حاضرًا في ساحات المدن، ومشاركة في المظاهرات السلمية، لكن مواجهة الشعب بالخيار العسكري والأمني والتحريض الطائفي، والتفريط بالسيادة الوطنية، واستدعاء جيوش الغرباء، والحصار والتهجير والقتل الممنهج، وعجز العالم عن وقف ما يجري في سورية، غدا ما هو وطني يتصدر الموقف، وعلى حق الدفاع عن النفس أن يتقدم على ما عداه، شرط ألا يفقد البوصلة، مطلب الدولة المدنية، وعلى الذات الشخصية والأحزاب والأيديولوجيات أن تقعد على الرف”.

وعبّر الحافظ عن صعوبة المشهد، ولا سيما أن كل ما يحدث في سورية هو تصفية لمصالح كبرى، والشعب السوري والوطن سورية كانا تربة خصبة لتحقيق هذه المآرب، وقال: “أدعو أن يحمي الله سورية الوطن والشعب، وسورية الطبيعية، بما فيها العراق ومصر والعرب جميعًا، نحن جميعًا على كف عفريت، وسورية ساحة صراع مصالح إقليمية ودولية، نحن أمام احتمال البقاء أو الاندثار، إذا كان الطغاة وهذه سمة حكامنا، يمهدون الطريق للاحتلال، فالاستبداد، ومن ثم يستدعون الحرب الأهلية القذرة والعبثية والطائفية، فهذه ليست قضية أحزاب، هي قضية وجود أو اندثار”.

وشدّد أخيرًا على أن المطالب النبيلة للشعب السوري، والتي عبّر عنها، منذ أول يوم أطلق فيه ثورته، “تؤكد أنها استحقاق تاريخي، ينبغي على الجميع المشاركة فيه، وتبادل الاتهامات بين الأطراف جميعها لن يجدي نفعًا، وقال: “إن ثورة الشعب السوري بمواجهة النظام، ثورة وطنية بامتياز، ثورة تلبّي حاجة داخلية، لتحرّر الدولة من براثن الاستبداد، وليستعيد الشعب جنين الدولة المدنية، دولة ما بعد الاستقلال (1954 – 1958) ودستور عام 1950”.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق