- هل علينا التخوّف، كما تقولون، من غرنيكا جديدة في حلب؟ أو من تكرار سيناريو غروزني أو سراييفو؟
علينا أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: ألا يمتلك الأسد إستراتيجيّة لتقسيم البلاد بأخذه حلب، والتي يقبع جزءٌ منها تحت الحصار والتجويع، وليُعيد السيطرة على “سورية مفيدة” (اللاذقيّة ودمشق وحمص وحلب)؟ اتّخذت دمشق أصغر خرقٍ حصل في اتفاق وقف إطلاق النار –والذي تم التفاوض من أجله بين الولايات المتّحدة وروسيا- كعذرٍ لتقوم بقصف المدينة بوحشيّة. يريد النظام وبشكلٍ واضح إسقاط تلك المدينة الضحيّة، وإخلاء قسم من سكّانها المعادين للنظام واستبدال ناسٍ آخرين بهم يكونون أكثر ولاءً له.
- ما الخيار الذي تدافع عنه فرنسا؟
إنّه خيار هدنة مرتكزة إلى اتّفاق وقف إطلاق نار مستديم، ويسمح بوصول المساعدات الإنسانيّة، ويخلق الظروف المواتية لاستعادة استئناف المفاوضات لمصلحة السلام.
- لكن ما زال هذا الخيار الدبلوماسي يفشل منذ خمس سنوات.
إنّ عرّابَي النظام، أي إيران وبشكلٍ خاص روسيا، يمكنهما كفّ يد الأسد، يجب عليهم أن يتوقّفوا عن لعبتهم ذات المعايير المزدوجة.
- أنتم تشيرون إلى ازدواجيّة خطاب موسكو، والكرملين، بدوره، ينتقد بشدّة “الخطب البلاغيّة غير المقبولة” للأميركيّين والبريطانيّين، والذين يتحدّثون عن “بربريّة” وجرائم حرب.
إنّ ما يحدث في حلب يشكّل جرائم حرب. أولئك الذين يستطيعون إيقاف ما يحدث، ولا يقومون بذلك يتحمّلون مسؤوليّة إغلاق أعينهم عن جرائم كتلك، أو مسؤوليّة كونهم شركاء فيها. تلوم روسيا الولايات المتّحدة لعدم ذهابها حتى النهاية بتطبيق منطق اتّفاق 9 أيلول/سبتمبر، والذي يهدف إلى التمييز بين المعارضة غير الجهاديّة عن نظيرتها الجهاديّة. نحن نقاتل داعش، ولكن نقاتل أيضًا جبهة النصرة سابقًا، والتي تُسمّى الآن فتح الشام، كما أنّ لبعض جماعات المعارضة المعتدلة تقاربات خطِرة مع هذا التنظيم، هذا موضوع محقّ يضعه الروس على الطاولة في استمرار، وفي إمكاننا تفهّم ذلك.
- خلص تقرير منظمة منع استخدام الأسلحة الكيماويّة إلى استخدام غاز الكلور مرّتين من جانب النظام ضدّ شعبه، من دون أن يصدر مجلس الأمن أيّ قرار بهذا الخصوص.
لقد تمّ للتو تمديد مهمّة آليّة التحقيق المشتركة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، إن الأعمال التي قامت بها تؤكّد ما تمّ الكشف عنه في تقرير المنظّمة الأخير. نحن لن نتنازل في قضيّة استخدام الأسلحة الكيماوية، لن تكون هناك حصانة لأحد.
- لكنّ روسيا في إمكانها استعمال حق النقض (الفيتو) مرّة أخرى.
نحن على دراية بذلك. وقد قمنا، علاوةً على ذلك، مع المملكة المتحدة، بالمساهمة في تحريك الولايات المتحدة لتتّخذ موقفًا أكثر صلابة، كما يُشاركنا عديد البلدان السخط ذاته. سينتهي المطاف بالروس بإدانة استخدام الأسلحة الكيماويّة، إنّنا نخوض معركة دائمة لإقناعهم، لا نمتلك فيها الحقّ في الاستسلام. من المفاجئ أنّ ذلك النزاع لم يكن موضوعًا لتحرّك دوليّ أوسع وأـكبر.
- هل يعود السبب في ذلك إلى أنّ مأساة حلب تجري في بلد مسلم؟
لا أعتقد ذلك، لكنّ هذه الحرب المستمرّة منذ خمس سنوات معقّدة؛ خلّفت أكثر من 300.000 قتيل و10 ملايين لاجئ ومهجّر، يقيم معظم هؤلاء الناس الهاربين من تلك الفظاعة في تركيا وفي لبنان وفي الأردن على أمل الرجوع عند عودة السلام. كيف في استطاعتنا عدم فهم حقيقة أنّه كلّما قام النظام بزيادة ضرباته وقتله وتدميره، كلّما زاد تطرّف حركات المعارضة، وزادت حدّة التهديد الإرهابي وبشكلٍ خاصٍّ في أوروبا؟
- هل تضعون داعش وفتح الشام في الخانة نفسها؟
نعم، لأنّ فتح الشام تنتمي إلى القاعدة، حتّى عند إعادة تسميتها، فهي حركة إرهابيّة. لن نعيد تكرار أخطاء الماضي عندما حاول بعضهم التمييز بين إرهابيّين جيّدين وآخرين سيّئين، كما حصل في أفغانستان.
- لا توجد أي جماعة ثوريّة تريد إدانة فتح الشام.
يترك المتطرّفون، فقط، الانطباع بكونهم قادرين على القتال ضدّ النظام بشكلٍ فعّال. كما أنّ خبث الأسد وعنفه يقوّيان التطرف، ويراهن النظام أيضًا على ذلك الغموض، فهو يقول بأنّه يقصف حلب لطرد الإرهابيّين، لكنّ هدفه من ذلك هو ضرب المعتدلين، لأنّهم هم الذين يستطيعون الجلوس حول طاولة المفاوضات، وهذا ما تتمنّى دمشق تجنّبه.
- ما المقترحات الملموسة لفرنسا؟
أظهرت التجربة أنّه بسبب غياب الثقة، وعدم وجود مقاربة جماعيّة، فإنّ فرص إيقاف الأعمال العدائيّة قد بدأت بالتأكّل التدرّجي؛ فقد أظهرت، وفي كلّ مرة، الإدارة الحصريّة للأزمة بين موسكو وواشنطن محدوديّتها؛ ولذلك، قامت فرنسا باقتراح تنفيذ آليّة إشراف وتحكّم تسمح بالربط بين جميع البلدان المعنيّة، وبشكلٍ خاص بين جيران سورية. قد تسمح تلك المقاربة بامتلاك نظرة موضوعيّة عن الوضع فوق الأرض، وعن انتهاكات الهدنة، كما ستسمح بوضع المسؤوليّة على كاهل البلدان التي تزوّد جماعات المعارضة المعتدلة بالعون العسكري.
- هل تُعدّ الحرب غير المنتهية في ذلك البلد أكبر فشل للسياسة الأميركيّة الخارجيّة، وأبعد من ذلك، للحصيلة الرئاسيّة لأوباما؟
لقد كنت رئيسًا للوزراء عندما تمّ طرح سؤال توجيه ضربات دقيقة ضدّ النظام، إبّان تجاوزه لـ”الخط الأحمر” باستخدام الأسلحة الكيماويّة في الغوطة. كانت فرنسا جاهزة وقتها، فعلًا جاهزة لإطلاق العمليّات، لكنّ أوباما تراجع في اللحظة الأخيرة، وتخلّى البريطانيّون عن الفكرة، كان لذلك، لو حدث، وبكلّ تأكيد، أن يغيّر مجرى الأمور.
- ما الذي يبحث عنه الروس؟
كما الإيرانيّين، هم يقولون أنّهم في صالح سورية موحّدة، لكن بين القول والفعل هناك الواقع، كما يحصل الآن في مدينة حلب. لطالما ذكّرنا سيرجي لافروف بأمنيته برؤية سورية موحّدة، وغير طائفيّة، تحفظ حقوق الأقليّات عن طريق حكم انتقالي. لكنّنا لسنا في ذلك المكان، فالمفاوضات في جنيف متوقّفة. يظهر لنا كلّ يوم يمر أنّه لا يكون في مقدور الأسد أن يُدير سورية بسلام، ويُخطئ كلّ من يعتقد العكس، بمن فيهم هنا في فرنسا.
- هل تستطيع القوّات الموالية استعادة السيطرة على حلب؟
إنّ هذا صعب جدًّا، فجيش النظام ضعيف جدًّا ولن يستطيع القيام بذلك إلّا بفضل الدعم الجوّي الروسي، ولذلك فإنّنا ندعو روسيا، والتي لديها عدّة آلاف من الرجال على الأرض هناك، إلى إظهار حسّها بالمسؤوليّة. قاتلت فنزويلا من على منصّة منظّمة الأمم المتّحدة: “إنّه أمر طبيعي؛ فهذا البلد قد تعرّض لهجوم من قوى خارجيّة”. هذا خطأ، إنّه نظام تقوم روسيا وإيران بدعمه ضدّ شعبه، ونحن نقول: “إنّنا ندعم بلدًا يُدعى سورية، وسنساعده في إعادة إعماره في اليوم الذي يحصل فيه تحوّل ديمقراطي”.
عنوان المادة الأصلي بالفرنسية | Jean-Marc Ayrault: «L’Iran et la Russie doivent arrêter la main d’Assad» |
اسم الكاتب بالعربية والفرنسية | كريستيان لوسّون ولوك ماتيو Christian Losson et Luc Mathieu |
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي | صحيفة الليبيراسيون الفرنسيّة |
تاريخ النشر | 26 أيلول/سبتمبر 2016 |
رابط المادة | http://www.liberation.fr/planete/2016/09/26/jean-marc-ayrault-l-iran-et-la-russie-doivent-arreter-la-main-d-assad_1511403 |
اسم المترجم | أنس عيسى |