مع 500 مليار دولار، ستكون سورية من شمالها إلى جنوبها من فئة “خمس نجوم”.
500 مليار دولار تعني أن نصيب الفرد منها سيكون 20833 دولارًا. وهذا الرقم يكفي لإنشاء 24 مليون شقة صغيرة من الحجم الذي كان يعيش فيه السوريون، أي أن كل فرد في سورية سيسكن منفردًا في شقته، فالأب في بيت، والأم في بيت، وكل طفل، وطفلة، وشاب، وشابة، له شقته الخاصة.
هذا على الرغم من التقديرات الكارثية التي تقول: إن ثلاثة ملايين منزل، فقط، تم تدميرها كليًا، في حمص وحلب وريف دمشق وإدلب، خاصة.
500 مليار دولار تكفي لإنشاء ألف محطة كهرباء (500 مليون دولار لكل محطة).
500 مليار دولار تبني عشرات آلاف محطات معالجة المياه.
500 مليار دولار تكفي لبناء 2500 مستشفى، بعدد أسرة يبلغ المئات، ومزود بأحدث الأجهزة الطبية، بتكلفة 200 مليون دولار للمستشفى الواحد.
بالطبع، سورية لا تحتاج لكل ذلك، إلا إذا حسبنا أنها أصبحت أرضًا يبابًا، فألف محطة كهرباء تكفي لتزويد قارة آسيا بالكهرباء، و24 مليون شقة تكفي سكان الشرق العربي كله، و2500 مستشفى تكفي الشرق الأوسط كله.
الرقم 500 مليار دولار هو الأكثر تداولًا عن تقديرات تكاليف إعادة بناء سورية، بعد أن دمر النظام البلاد، بالتعاون مع “فصائل معارضة” خطفت ثورة شباب 2011.
لكن بلدًا يتمتع ببنية تحتية متطورة من الفساد المتجذر، كما هو حال سورية منذ نهاية ثمانينيات القرن العشرين، على الأقل، من المرجح أن تمر عملية إعادة بنائه بما مر فيه العراق بعد عام 2003؛ ففي بلاد الرافدين، لا كهرباء ولا ماء ولا طرق، على الرغم من الثروة النفطية الهائلة التي ينتجها العراق، ويكتنزها في أراضيه.
ففي العراق، نهب السياسيون الجدد، بالتعاون مع المحتل الأميركي، أكثر من 370 مليار دولار، دون أن يوفروا الكهرباء؛ حتى في مراكز المدن الكبرى.
في سورية، لا توجد الآن ثروات جاهزة، أو محتملة؛ لينهبها السياسيون الجدد، لكن من المؤكد أن مؤتمرات المانحين ستُعقد مستقبلًا؛ لمساعدة دولة المستقبل على إعادة البناء.
الرقم 500 مليار دولار يعادل أكثر من سبعة أمثال إجمالي الناتج المحلي في سورية، قياسًا إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011، أي: 64 مليار دولار.
المانحون، إن منحوا، مثل هذا المبلغ، سيتم دفعه على سنوات قد تصل إلى عشرين سنة، أي 25 مليار دولار سنويًا.
الشك في ذلك لا يأتي من ضخامة المبلغ فحسب، ومن التجارب السابقة للمانحين الذين لم يفوا بوعودهم، بل من الرقم الأساس؛ فسورية لا تحتاج إلى 500 مليار دولار لإعادة البناء، إلا إذا علمنا أن المانحين سيفرضون شرط تعهيد عمليات البناء لشركاتهم، والدول ستضغط لاستيراد المواد الأولية والكمالية اللازمة منها، وأن موظفي الأمم المتحدة لن يتنازلوا عن رواتبهم الضخمة؛ لمراقبة الشفافية في صرف الأموال، ولا عن بطاقات الطائرة “بيزنس كلاس”، والإقامة في الفنادق الفاخرة، عدا العمولات والرشاوى.
سورية، بعد سنة أو خمس سنوات أو أكثر، ستحتاج وستطلب مساعدة المانحين والدول والمؤسسات المالية الدولية؛ لتمويل عمليات إعادة البناء؛ لأن ناتجها المحلي لن يكفي تمويل رواتب موظفي القطاع العام؛ ما يعني عدم وجود أي فائض في الموازنات المختلة تاريخيًا.
سورية، من قبل، ومن بعد، مع الفساد، أو بدونه، تمتلك أرقامًا متواضعة على مستوى الأرقام الكلية للاقتصاد.
للإيضاح، دولة مثل قطر غير قادرة على إنشاء مشروعات عملاقة، على الرغم من أن متوسط دخل الفرد فيها وصل إلى أكثر من 90 ألف دولار عام 2011، وإلى أكثر من 123 ألف دولار عام 2013، تبعًا لارتفاع وانخفاض أسعار النفط والغاز، بينما تستطيع دولة مثل الهند، بل استطاعت، تحقيق ذلك، مع أن متوسط دخل المواطن فيها أقل قليلًا من 4000 دولار (2011).
لماذا؟ لأن الناتج المحلي الإجمالي في الهند بلغ 2.051.228 تريليون دولار عام 2014 (عدد السكان 1.295.240 مليار نسمة في العام نفسه)، بينما لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي في قطر في العام نفسه 210.109 مليار دولار (عدد السكان 2.421 مليون نسمة).
تُظهر الأرقام القدرة الهائلة للهند على القيام بمشروعات عملاقة، من نوع امتلاك القدرة على إنشاء محطات نووية، وتصنيع الرؤوس النووية من الألف إلى الياء، إضافة إلى تصنيع القطارات، وإنشاء بناها التحتية، بل والسفن العملاقة، وربما حاملات الطائرات لو أرادت ذلك.
تأتي قدرة الهند على ذلك من القدرة على توفير فوائض مادية على المديين: المتوسط والبعيد، ومن التنوع الاقتصادي القادر على ذلك، دون تقلبات تُذكر، بالمقارنة مع ما تعانيه دولة تعتمد على الغاز والنفط مثل قطر، فالهند شبه قارة بمساحتها وعدد سكانها، أما قطر فجزيرة صغيرة قليلة عدد السكان، وذات اقتصاد ريعي شديد الحساسية لتقلبات أسعار النفط والغاز.
سورية ليست الهند، لجهة ضخامة الاقتصاد وتنوعه، ولا تمتلك ما تمتلكه قطر من وفرة مادية، فعدد سكانها يُقدَّر بحوالي 24 مليون نسمة (تقديرات 2016)، وإجمالي ناتجها المحلي كان في عام 2011 حوالي 64.7 مليار دولار، ولا تتوافر أرقام -حاليًا- عن الناتج المحلي الإجمالي الذي انكمش بشدة خلال السنوات الخمس الماضية، لكن احتياطات البنك المركزي من العملات الصعبة تراجعت، من 22 مليار دولار إلى أقل من 700 مليون دولار.
إذًا، أمام حاجة سورية لتمويل إعادة الإعمار من مصادر خارجية، ستكون مضطرة لقبول شروط المانحين، وفوائد قروض المقرضين، وليس هنالك تربة أكثر خصبًا لإنعاش الفساد من هذه التربة، فسادٍ عابر لحدود القارات، فكل من دعم سياسيًا، أو عسكريًا، ستكون له حظوة عند هؤلاء؛ كي يتقاسموا “الخيرات” القادمة من الـ 500 مليار، بعضها، أو كلها.