لعل أكثر المصطلحات السياسية تطبيقًا على أرض الواقع، على الرغم من أن استخدامها بالاسم نادر، هي “الديماغوجيا”، خصوصًا إن علمنا أنها فن سياسي؛ لإقناع الشعوب بفكرةٍ ما، استنادًا إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة.
و(الديماغوجيا) كلمة يونانية الأصل، كانت تطلق (وفق عبد الوهاب الكيالي في موسوعته السياسية) على زعماء الحزب الديمقراطي في أثينا، الذين كانوا يدعون “العمل من أجل مصلحة الشعب”.
وحديثًا، بدأت هذه الكلمة تحمل دلالات مختلفة، وباتت تُشير إلى مجموعة الطرق والأساليب المستخدمة من السياسيين، من حيث إطلاق وعود كاذبة، واستخدام خطابات خادعة، من أجل تحريك الرأي العام تجاه تبني فكرتهم وتطبيقها.
والديماغوجي بحسب قاموس “ويبستر” البريطاني هو القائد السياسي الذي يُحاول الحصول على الدعم من خلال الادعاءات والوعود الكاذبة، ومن خلال استخدام الخطابات التي تستند إلى أحاسيس الناس لا المنطق.
وباتت الـ “ديماغوجيا” في زمننا ذات معنى تجريحي، وتدل على مجموعة الأساليب والخطابات والحيل السياسية التي يلجأ إليها السياسيون؛ لخداع الشعب وإقناعه بما لا يمكن إقناعه به في الأحوال العادية، وتُطلق أيضًا على المناورات السياسية المثقلة بالأكاذيب والوعود البراقة الجوفاء، والتي تستند إلى وعود لن تتحقق في الغالب، ظاهرها مصلحة الشعب، وباطنها مصلحة السياسي، وطريقه للوصول إلى الحكم.
يستخدم الديماغوجي الحيلة ما استطاع إليها سبيلًا، ويؤكد كلامه مستندًا إلى فنون الكلام وضروبه، ويُستغل الأحداث ويحوّرها ويلعب بالحقائق، ولا يلجأ إلى البرهان والمنطق، ويستخدم كلامًا سطحيًا غير متّزن ولا منطقي، و”يتزندق”؛ معتمدًا على عدم دراية الآخر، وجهل بعضهم، وقلّة حلية سامعيه، وأحيانًا سذاجتهم، كل ذلك لتمرير مخططاته الخاصة.
يمكن النظر إلى خطاب النظام السوري، منذ بداية الثورة، من هذه الزاوية، حيث تحدّث عن المؤامرة الكونية، ثم الجماعات المسلّحة، ثم الحرب الطائفية، فالإرهاب، كما تحدّث عن الرجعية والإسلاميين، وخوّف الغرب من البديل، ثم هاجم الأوروبيين والعرب، وكذب ولعب بالحقاق، وزوّرها، في محاولة لاستدراج شرائح من المجتمع، يمكن أن تُصدّق (دياغوجيته)، وانتهج إعلامه الوسائل نفسها، ومسؤولوه ورجاله، ومرتزقته من الإعلاميين.
أرسل النظام رسائل ضمنية إلى كل زعامات الأقليات، يحذرهم من خطر “السنّة المتشددين”، وحاول إقناعهم بأنه هو ممثل الدور الاعتدالي في مستقبل سورية، وهو حامي الأفليات، ورافع راية الصمود والتصدي، لكل المؤامرات، وأن عليهم أن يصطفوا خلفه، فضلًا عن أنه -وبحسب أدلة كثيرة- كان وراء كثير من التفجيرات التي قتلت المدنيين في سورية، كل ذلك؛ لتعميق مخاوف الناس من “الإرهاب”، وإقناعهم بأن الخلاص بين يديه.
لا يخرج الدور الروسي اليوم في الحالة السورية عن “الديماغوجيا”، فالروس، ومنذ تحوّل الثورة السورية نحو المواجهات المسلحة مع النظام، يحاولون إقناع الغرب بأن المعارضين ما هم إلا إرهابيين، وأن البنية السياسية للمعارضة غير قادرة على قيادة البلد، ولا يمكن عدّها بديلًا عن (الدولة)، ويسعون -بكل الوسائل- لإقناع شعبهم بأنهم في سورية للقضاء على الإرهاب، ويحرفون النظر عن أنهم هم نفسهم من يمارس هذا الإرهاب ضد السوريين.
أن تكون (ديماغوجيًّا) يعني أن تبحث في مخاوف الناس وأسباب انفعالاتهم، ومن ثم تستغل تلك المخاوف والأسباب؛ لتبني رأيًا أو تحركًا اجتماعيًّا يناسب تطلعاتك السلطوية أو التسلطية؛ وهذا تمامًا ما يفعله النظام والروس في سورية.
تعليق واحد