هموم ثقافية

من كان وزيرًا للثقافة في زمن شكسبير؟

يُحكى أن نزار قباني ذهب إلى وزارة الثقافة –ذات يوم- للاحتجاج على منع نشر ديوان جديد له؛ وما إن دلف إلى مكتب الوزيرة؛ حتى هبت السكرتيرة “التاريخية”؛ لاستقباله والترحيب به، طالبة منه الجلوس؛ معتذرة –كالعادة- بأن سيادة الوزيرة في اجتماع مهم، لكن الشاعر الدمشقي النحيل -الذي بقي واقفًا- طلب قلمًا وورقة، وكتب رسالة للوزيرة قال فيها: “السيدة الدكتورة وزيرة الثقافة والإرشاد القومي المحترمة، هل تذكرين من كان وزيرًا للثقافة في زمن شكسبير؟“، ثم طوى الورقة وسلمها للسكرتيرة، وغادر للتو. لم تجرؤ السكرتيرة –طبعًا- على إيصال الرسالة لسيدتها، لكن رسالة نزار سرعان ما انتشرت في أوساط المثقفين السوريين.

 

وأذكر –بدوري- أني في مسرحية “أخلاق جديدة” التي عُرضت سنة 1998، كنت، كمخرج لتلك المسرحية، منشغلًا جدًا -قبل العرض- مع مصمم الإضاءة ومكياج الممثلين وملابسهم؛ عندما اقتحم الكواليس مدير مكتب العلاقات العامة، في وزارة الثقافة، وطلب مني الخروج بسرعة؛ لاستقبال سيادة الوزيرة.! كانت تلك المرة الأولى التي تقرر فيها، وزيرة الثقافة، حضور عرض مسرحي لي، وكان حضورها يعني أن المسرحية مهمة جدًا وناجحة، وكان المخرجون يعتزون بذلك ويتفاخرون.

لكني–يومها- شعرت بذل العالم كله، وأنا أقف منتظرًا، أمام باب مسرح القباني، وكان الجمهور -طبعًا- ينتظر في الصالة. وقد خفف من شعوري بالمهانة والخجل، اصطفاف مدير المسارح إلى جواري، مع عدد من كبار الموظفين في الوزارة، كما جرت العادة…

 

بعد نصف ساعة من الانتظار، تقدم منا مدير العلاقات، وأعلن متأسفًا: الوزيرة مشغولة، ولن تحضر. لم يقل كلمة “أعتذر” أو أن الوزيرة تعتذر، أو أي شيء من هذا القبيل، ومع ذلك؛ قلت له ساخطًا: لماذا تعتذر منا؟! عليك أن تنزل إلى الصالة، وتعتذر من الجمهور الذي ينتظر؛ فنظر إليّ بحدة، وسألني مستهجنًا: نعم!!

 

تساءلت حينها: لماذا لا تحضر “راعية الثقافة”، شأنها شأن بقية الناس المحترمين؛ بلا مدير علاقات عامة، ولا مراسم وفخفخة؟! هل تحتاج حقًا –وهي المثقفة- إلى هذا “الكعب العالي”؛ كي يصبح طولها مناسبًا للثقافة؟! هي من عائلة محترمة، أي نعم، لكنها ليست مثل عامة الناس، كما ظننت. إنها اليوم نائبة “قائد العالم” للشؤون الثقافية…

لا شك لدي، وقد بات هذا معروفًا للجميع، أن نظام الاستبداد والفساد، كان يعتني كثيرًا بالثقافة، محاولًا -قدر المستطاع- أن يجعلها، ليست رديفة له وحسب، بل أداة من أدوات الذل والخنوع التي يستخدمها؛ لترويض المثقفين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق