تحقيقات وتقارير سياسية

معركة حماة كسر عظم لن يتم

أعلنت فصائل عدة من المعارضة المنضوية في “غرفة عمليات ريف حماة الشمالي”، عن بداية مرحلة جديدة من معركة “في سبيل الله نمضي”، في 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وذلك ضمن خطة تهدف إلى تحرير مدينة حماة من يد قوات النظام، بالتنسيق مع بعض الفصائل الأخرى، بحسب ما أعلنت غرفة العمليات في وقت سابق؛ إذ انطلقت معارك واسعة في نهاية أيار/ مايو الماضي، شارك فيها كل من “جيش العزة” و”الجيش الحر” و”جيش النصر”، مع فصائل من جيش الفتح، وكذلك “جند الأقصى”.

كانت الفصائل المعارضة قد سيطرت في آب/ أغسطس الماضي، على مدن طيبة الإمام وحلفايا وصوران، وعدّة بلدات وحواجز مهمة في الريف الشمالي للمدينة، ثم سيطرت في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، على قريتي معان والكبارية وحواجز عديدة في ريف حماة الشمالي الشرقي، وقد أثارت هذه المعارك عدّة تساؤلات من بعضهم، خاصة عندما أطلق “جند الأقصى” اسم “غزوة مروان حديد” عليها، فمروان حديد انتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وقد أسس -بداية السبعينيات- “حركة الطليعة” المقاتلة، واعتُقله النظام عام 1975، وتوفي في سجن المزة العسكري في 1976. أما جيش النصر فقد أطلق عليها “حمم الغضب نصرة لحلب”.

تقدُّم فصائل المعارضة تقدمًا واسعًا، وسيطرتها على نحو 45 مدينة وبلدة وموقعًا؛ أدى إلى إرباك وتقهقر قوات النظام والميليشيات التابعة لها في تلك المنطقة، فقرية “معان” التي سيطرت عليها المعارضة -على سبيل المثال- يقطنها “علويون”، إضافة إلى أن مدينة “محردة” الواقعة في الريف الشمالي الغربي من مدينة حماة، يقطنها “مسيحيون”، وأثار تسمية المعركة باسم “غزوة مروان حديد” تحفظات بعض المراقبين بسبب ذلك، وردًا على ذلك، أعلنت فصائل المعارضة أنها لن تستهدف الأهالي، وهي تقاتل قوات النظام والميليشيات الطائفية، وأنهم يستطيعون البقاء بأمان في منازلهم، ولن يتعرض أي منهم لأذى، وعلى الرغم من أن المعارك اقتربت من مدينة محردة، إلا أنها لم تدخلها، بينما قصف طيران النظام بلدة معان الموالية بعد دخول المعارضة إليها، وتُشير الخارطة الجغرافية لمواقع سيطرة قوات المعارضة الآن، إلى إمكانية دخول مدينة حماة من أكثر من جهة، مع الإشارة إلى أن ريف حمص الشمالي يُعدّ داعمًا لحركة فصائل المعارضة، كذلك امتداد سهل الغاب نحو ريف إدلب وجبال اللاذقية، حيث أماكن وجود فصائل المعارضة المختلفة، وخاصة جيش الفتح، وبهذا يمكن التوجه نحو حماة المدينة عن طريق حماة – حلب من جهة الشمال، ومن منطقة خطاب من الغرب، ومن الشرق، حيث إن تقدم المعارضة الأخير نحو بلدة “طليسية”، منحها إمكانية ومرونة أكثر، وبدا أنها قادرة على المناورة.

شكّلت مدينة حماة بالنسبة للسوريين حالة خاصة؛ بسبب ما تعرضت له من مجازر ودمار في ثمانينيات القرن الماضي، حيث أراد حافظ الأسد من خلالها، بث الرعب في نفوس السوريين جميعًا، وقتل أي فكرة لحراك سياسي ضده، وحاول السوريون -خلال الثورة- التعاطي معها كمدينة دفعت ثمنًا غاليًا، ولا يجب أن تتحمل المزيد، خاصة أنها تضم عددًا كبيرًا من النازحين، من أهالي مدينة حمص المجاورة، وأيضًا من بعض المدن الأخرى التي تشهد عمليات عسكرية، ولكن هذه المدينة التي تقع وسط سورية، ربما تمنح الثوار بموقعها ميّزة مهمة، وهي أيضًا يعدّها النظام ليس من حيث الموقع وحسب، بل من حيث رمزيّتها السنيّة، حيث يريد إظهار نفسه، على أنه يمتلك سورية بكل مكوناتها، وليس فقط حامي للأقليات، أما كون ريف المدينة متنوعًا، ويقطنه مسيحيون وعلويون وإسماعيليون، إضافة إلى السنّة؛ فهي المدينة الرابعة من حيث عدد السكان في سورية- وخسارة النظام للريف وللمدينة بهذا التنوع، سيعطي دفعًا قويًا للمعارضة داخليًا ودوليًا.

من جانب آخر، فإن المعارك في ريف المدينة، ستساهم في تخفيف الضغط عن مدينة حلب، ولا سيما إذا ما تم التحكم بطريق السلمية – خناصر – حلب، فيصبح طريق الإمداد في الوسط السوري أكثر تماسكًا بالنسبة لفصائل المعارضة، وفي الوقت نفسه، تصبح قوات النظام شبه محاصرة، ولا تمتلك طرقات تواصل مهمة بين الشمال والوسط، وخاصة تجمعات الميليشيات التابعة له، بما فيها ميليشيا حزب الله اللبناني، وأبو الفضل العباس العراقية، والحرس الثوري الإيراني الذي يوجد مقره في مركز البحوث العلمية، وهذه الميليشيات -كلها- تتنقل عبر تلك الطرقات، وصولًا إلى ريف حلب.

معركة تحرير حماة ليست هي المرة الأولى التي تُطلق، ففي شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2012، أعلن “المجلس العسكري لمحافظة حماة” آنذاك، معركة تنطلق من ريفها الشمالي؛ للسيطرة على المدينة، وكان واضحًا التقدم السريع للجيش الحر في تلك المعركة؛ حتى بدا أنه يُحرر دون قتال حقيقي مع تراجع واضح لقوات النظام، ثم غاب ذكر تلك المعركة، وتوقفت دون الإعلان عن ذلك؛ لتتجمد العمليات العسكرية في تلك المنطقة، ويبقى الريف الشمالي على ما هو عليه، لفترة بسيطة، ثم عاود النظام بهجوم معاكس استعاد جزءًا واسعًا من تلك المناطق، أيضًا أعلن جيش الفتح مرّة أخرى، في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، عن معركة تحرير حماة وسيطر على مناطق عدة من الريف الشمالي، ثم توقفت المعركة؛ بسبب معارك الريف الجنوبي في حلب، ووجود ميليشيات إيرانية هناك؛ ما دعا المعارضة إلى إرسال فصائل عدة للمساعدة بمعركة حلب، بحسب ما أعلنت حينها.

يمكن الإشارة إلى أن مدينة حماة وسهلها هي مناطق مكشوفة جغرافيًا، كونها سهولًا وهضابًا واسعة، بينما من الغرب إلى الشمال توجد جبال مشرفة على السهل ومحصنّة جيدًا، ويستطيع النظام التحكم بالمعابر وقطعها ناريًا، فإلى الشمال من المدينة، يتمركز بقوة نارية قوية ومهمة في جبل “زين العابدين”، كونه يطل على الطريق الدولي، وعلى مطار حماة العسكري الذي يُعد من المطارات الكبرى في سورية، ومن أهم المطارات بالنسبة للنظام؛ لموقعه وإمكانية انطلاق الطيران منه نحو أكثر من مدينة ومنطقة، ويبعد عن المدينة مسافة بسيطة جدًا، وتقدم المعارضة في تلك المنطقة، وسعيها إلى السيطرة عليه في المرحلة الثالثة من المعركة الحالية، سيمنحها قدرة واسعة للتحكم به، وبالقرى المجاورة المهمّة للنظام، كونها تحوي مقرات عديدة لميليشياته، ومن هنا تأتي صعوبة معركة حماة عمومًا، والسماح بسيطرة المعارضة عليها ومنح المعارضة إمكانية أن تصبح بيدها مساحة متواصلة مع مدينة إدلب، تستطيع من خلالها محاصرة الساحل السوري بشكل كامل وتُضعفه.

لا شك في أن هناك أهمية كبيرة للمعارك كافة، والتي تخاض ضد قوات النظام والإرهاب الذي تقوم به مع الميليشيات الطائفية، لكن التوازنات والمصالح التي أدّت إلى هذا الضغط الدولي، وتدخّله في الشأن السوري، قد يضغط باتجاه تجميد معركة حماة، والتجميد -إن حصل- سيُعدّ خسارة، إن لم تستثمر المعارضة معاركها في التفاوض على مناطق أخرى، وخاصة بحلب.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق