قضايا المجتمع

نقص الدعم أبرز عوائق صناعة الأطراف في الغوطة الشرقية

تعاني الغوطة الشرقية، كغيرها من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سورية، العديد من الملفات المزمنة بفعل الحرب التي يشنها النظام ضد كل من طالب بتغيير نظام الحكم في البلاد، فإضافة إلى الحصار المفروض منذ أكثر من 3 سنوات، والقصف اليومي بأنواع الأسلحة المختلفة، بما فيها المحرم دوليًا، هناك ألاف المعتقلين والجرحى ومئات آلاف المهجرين، ولعل أحد أكبر الملفات النازفة، والتي لن تستطيع المنطقة المحاصرة النهوض بأعبائه وحدها، ملف مرضى البتور أو معاقي الحرب، هذا الملف الذي يبدو واحدًا من أعقد المشكلات التي ستواجه السوريين؛ حتى بعد الخلاص من النظام، إذ تؤكد إحصاءات غير رسمية وجود ألاف الحالات من مرضى البتور من جنوب البلاد إلى شمالها، وهو ما سيحتاج -حكمًا- إلى تظافر الجهد المحلي، بالتعاون مع المنظمات الانسانية والدولية ذات الصلة؛ للتصدي لهذه المعضلة وغيرها الكثير من الملفات التي ستبقى مفتوحة لعقود من الزمن.

حاولت بعض المبادرات الأهلية داخل الغوطة الشرقية التصدي لملف مرضى البتور، إلا أنها تبقى حتى اللحظة دون رعاية ودعم يمكنها من تقديم ما يلزم على هذا الصعيد، ويُعد مركز الأطراف الصناعية التخصصي أحد أهم تلك المبادرات، حيث بدأ عمله مع بداية العام الحالي، ويضم نحو 15 كادرًا ما بين طبيب وفني وإداري وحرفي.

مئات الحالات لمرضى البتر في الغوطة

لا توجد إحصاءات دقيقة توثق حالات البتر داخل الغوطة الشرقية كغيرها من المناطق، ويتم الاعتماد في هذا الجانب على تقديرات النقاط الطبية والناشطين الميدانيين في كل منطقة، الأمر الذي أكده الطبيب هاشم عبد الله من مركز الأطراف الصناعية التخصصي في الغوطة الشرقية، وقال لـ (جيرون) “لا تتوافر لدى أي جهةٍ إحصائية دقيقة لعدد مرضى البتر داخل الغوطة الشرقية، فنحن حسب تقديراتنا الخاصة بالمركز يوجد نحو 1400 مصاب ببتر لأحد الأطراف السفلية داخل الغوطة الشرقية، فيما بلغ عدد المصابين ببتر في الأطراف العلوية نحو 200 – 300 حالة”، وأضاف عبد الله “عدد الحالات التي تم التعامل معها وتركيب أطراف لها كثيرة إلا أنها كانت في البدايات غير طبية أو دون إشراف كادر طبي متخصص، بل عبارة عن أطراف أُنجزت داخل ورشات النجارة والحدادة في المنطقة، ولكن مع بداية عمل المركز بدأ انتاج أطراف صناعية بجودة عالية وتم تركيب 100 طرف، وهناك خطط موضوعة؛ لتركيب عدد آخر خلال الفترة المقبلة قد تصل إلى 50 طرفًا، ويوجد في المنطقة مركز آخر يساعد في هذا المجال، ويعمل على انتاج وتركيب الأطراف الصناعية”.

نقص الرعاية والدعم أكبر المعوقات

يؤكد ناشطون ميدانيون، ومعظم العاملين في قطاع الأطراف الصناعية، ومعظم الميادين المدنية من نقص الدعم والاهتمام من المنظمات والمؤسسات ذات الصلة (المحلية والدولية)، وهنا قال عبد الله: “يبقى العائق الأبرز هو الموضوع المادي، فنحن نستطيع إدخال المواد التي نحتاجها عن طريق العاصمة بواسطة التهريب، ويمكننا صناعة بعض أجزاء الأطراف التي لا تحتاج إلى تقنيات عالية، محليًا داخل الغوطة، ولكن ينقصنا الأموال خاصةً وأن ثمن الأطراف باهض جدًا”.

وأوضح أن ملف مرضى البتور يعاني من إهمال كبير، ولا يحظى باهتمامٍ من أحد، مشيرًا إلى أنهم تواصلوا على مدى الثمانية أشهر الماضية مع كثيرٍ من الجهات دون جدوى، ومؤكدًا على أن المشروع حتى اللحظة قائم ومستمر بجهود بعض الأطباء والفنيين دون أي دعمٍ أو اهتمام من المعارضة أو الحكومة المؤقتة، مشددًا على أن ملف مرضى البتور داخل الغوطة ملف كبير وينبغي على الحكومة المؤقتة ومؤسسات المعارضة أن تهتم به، وقال “نحن جاهزون للتعاون مع الجميع في هذا المجال”.

التأهيل النفسي من أهم جوانب العلاج

يؤكد عبد الله أن بداية العمل على ملف مرضى البتر شهد كثيرًا من الانعكاسات السلبية، وذلك لأن معظم الأطراف كانت تُصنع من حرفيين داخل بعض الورشات في المنطقة؛ ما أدى للعديد من المشكلات والاختلاطات الطبية على مستوى البتر والآلام الظهرية، والإصابة بالجنف وبعض الأمراض الجلدية والحساسية، وقال: “كان للعمل على هذا الملف بدايةً انعكاسات نفية سيئة على المرضى، أدت إلى عدم تقبلهم مطلقًا لفكرة تركيب الأطراف داخل الغوطة، إلا أنه ومع تطور العمل داخل المركز والقدرة على إنتاج الأطراف بجودة عالية استطعنا تجاوز هذا الحاجز النفسي مع المرضى، وهنا لا بد من تأكيد أن العمل على التأهيل النفسي للمستهدف بالعلاج من أهم عوامل النجاح، وهذا يحتاج إلى جهدٍ كبير، ومتابعة متواصلة خاصةً على صعيد تدريب العضلات لتقبل الطرف، ويمكن القول إن نسبة 80 بالمئة من الحالات التي تم علاجها داخل المركز عادت إلى ممارسة حياتها بشكلٍ طبيعي، والعديد من أصحابها الآن يعمل في مجالات مختلفة كالإعلام وغيره من الأعمال التي لا تتطلب جهدًا عضليًا كبيرًا”.

الحلول الممكنة

لا يمكن إنهاء ملف مرضى البتر -ليس في الغوطة وإنما في عموم سورية- نتيجة استمرار القصف اليومي، وهو ما يعني مزيدًا من الحالات يوميًا، وربما من المجدي أكثر العمل على إعداد إحصاءات دقيقة لعدد مرضى هذا الملف، إلى جانب تأمين الدعم اللازم للنهوض بأعبائه ضمن كل منطقة حاليًا، وهو ما أكده عبد الله، وأضاف “الحل الممكن أو الذي ينبغي العمل عليه هو تأمين الأموال والدعم اللازم، سواء عن طريق تبني الحكومة الموقتة، أو إحدى مؤسسات المعارضة، أو جهة داعمة تستطيع النهوض بأعباء هذا الملف الضخم، والذي يحتاج لأموال كبيرة، ولا سيما أنه عمل مديد يتطلب وقتًا طويلًا”.

واختتم عبد الله حديثه بالتأكيد على أنه يُركَّز حاليًا على تطوير أدوات وآليات العمل، لافتًا إلى أن أكثر من دورةٍ تدريبية نُظمت في هذا المجال، وأتت ثمارها؛ حيث أفضت إلى تأهيل 3 فنيين، مشيرًا إلى وجود عدد من المشروعات المستقبلية، إلى جانب تطوير بعض الأمور المتعلقة بأجزاء الأطراف، ما يساعد في تخفيض كلفة إنتاجها، مشددًا على أن كل الأطراف التي يقدمها المركز هي مجانية دون أي مقابل، منوهًا إلى أنه بدأ العمل أخيرًا على تركيب الأطراف العلوية، وسجلت هذه المحاولات نسبة نجاح تجاوزت 95 بالمئة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق