كثيرة هي الصعوبات التي رافقت طلاب جنوب دمشق المحاصر، مع بداية عامهم الدراسي، أبرزها تراجع الاهتمام بالتعليم من كثير من الأهالي، وغياب عدد من الأطفال عن مقاعد الدراسة؛ سعيًا منهم لتأمين قوت يوم عائلاتهم، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، في ظل الحصار المستمر الذي يفرضه النظام السوري على المنطقة، منذ ما يقارب أربع سنوات، فضلًا عن تقصير وزارة التربية في الحكومة الموقتة التابعة للمعارضة السورية، في تقديم الدعم اللازم للمدارس الأهلية، والاعتراف بها كمدارس تابعة لها.
الهدنة القائمة في بلدات يلدا، وببيلا، وبيت سحم، جنوب دمشق، فرضت واقعًا تعليميًا جديدًا، يختلف عن بقية الأحياء؛ حيث توافد قسم من الطلاب إلى مدارس تابعة للنظام السوري، وقسم آخر إلى مدارس أهلية تابعة لمؤسسات تنموية وخيرية، بعضها يحمل “الطابع الثوري”، دون ارتباط بالمؤسسات التابعة للمعارضة، وبعضها الآخر لا يحمل أي توجهات سياسية.
في المقابل، أغلق “تنظيم الدولة الإسلامية” جميع المدارس الأهلية في أحياء مخيم اليرموك والعسالي والتضامن والحجر الأسود، الخاضعة لسيطرته، وألغى المناهج الدراسية القديمة، وأبقى على أربع مدارس تتبعه مباشرة، معتمدًا على المناهج الخاصة به، والتي تدرس في أماكن سيطرته في سورية والعراق، بينما توجد مدرسة “مناهل العرفان” الوحيدة في حي القدم، والتي أسسها عدد من الناشطين المعارضين للنظام السوري.
عن المناهج المعتمدة في البلدات الثلاث المُهادنة، قال مهند الحسن، أحد المدرسين المفصولين من مدارس النظام لـ (جيرون): “لا يوجد اختلاف كبير بين مناهج النظام ومناهج المدارس الأهلية؛ فقد حُذفت رموز نظام البعث، وما يرتبط بها من الكتب في المدارس الأهلية، بحيث لا يتطرق لها المدرس في أثناء الحصة الدراسية، مع بقاء بقية الكتب كما هي، دون أي تعديل”، مشيرًا إلى أن “العملية التعليمية ليست في أحسن أحوالها في معظم المدراس الأهلية، على اختلاف مرجعياتها وتوجهاتها، حيث تعاني تلك المدارس من أزمات ومشكلات، منها انعدام الدعم اللازم، إضافة إلى غياب الكفاءة عن المدرسين؛ بسبب النزوح والاعتقالات، حيث اعتُمد في معظم المدارس على من تبقى من المدرسين، إضافة إلى متطوعين من طلاب جامعات، لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم، في محاولة لسد النقص الحاصل”.
ارتفع إقبال الطلاب على المدارس في المناطق المُهادنة في جنوبي دمشق بنسبة 10 بالمئة عن العام الدراسي الماضي، وفق ما ذكر الأستاذ عامر أبو محمد، مدير مدرسة “طوبى” الأهلية في بلدة يلدا في حديثه لـ (جيرون)، منوهًا إلى أن “السبب الرئيس هو عودة عدد كبير من أهالي بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم القاطنين في العاصمة دمشق؛ للاستقرار في منازلهم داخل المنطقة خلال الأشهر الثلاثة الفائتة”.
وعن بدء العملية التعليمية، قال أبو محمد: “أكملنا توزيع الكتب، وتنظيم الحصص الدراسية، بعد أن أنهينا عملية التأهيل والصيانة التي استغرقت شهرين، قبيل انطلاق العام الدراسي الحالي”، وأكّد أن “سبب افتتاح مدرسة طوبى هو سوء الواقع التعليمي في المنطقة، والذي وصل إلى حد غير مقبول، عقب رسوب جميع طلاب شهادة التعليم الأساسي في بلدة يلدا في العام الفائت”.
وأضاف أن القطاع التعليمي في جنوب دمشق “يواجه عقبات كثيرة، منها عدم توافر الكتب أو غلائها واستحالة إدخالها، إلا إننا نحاول تجاوز هذه العقبات بتأمين البدائل الممكنة” مشيرًا إلى أن “مدرسة طوبى لا تتبع لأي جهة سياسية أو عسكرية، وغايتها الوحيدة تقديم الخدمات التعليمية للطلاب فحسب، بعيدًا عن أي شيء آخر”.
من جهتها، قالت السيدة أم عمر، مديرة مدرسة “بدر الدين الحسني” الأهلية لـ (جيرون): “نسبة الطلاب ازدادت في المدرسة هذا العام؛ نتيجة جودة الخدمة التعليمية التي تقدمها المدرسة، مقارنة بمدارس النظام الموجودة في المنطقة”، وأضافت: “واجهتنا عقبات عدة مع بدء تأسيس المدرسة، منها عدم توافر الدعم اللازم، وصعوبة تأمين الكتب، إضافة إلى عدم اعتراف وزارة التعليم في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية بمدرستنا؛ ما جعل الأهالي يترددون في إرسال أطفالهم إلى المدرسة في العام الفائت، إلا أن عدد الطلاب وصل هذا العام إلى أكثر من 1200 طالب وطالبة”، وأشارت إلى أن “المنهاج المعتمد حاليًا في المدرسة هو المنهاج القديم، بعد أن حذفت منه مادة القومية، دون التطرق للأفكار التي تتعلق برموز وأفكار النظام”، ونوهت إلى أن “العمل جار ومستمر؛ من أجل تطوير خبرات المدرسين عبر اعتماد أسلوب التعليم التعاوني، وإدخال أساليب جديدة وحديثة، تعتمد اللعب أسلوبًا في التعليم، إضافة إلى المتابعة اليومية لواجبات الطلاب من المدرسين”.
مخاطر عديدة تواجه الواقع التعليمي في جنوب دمشق، والذي يعيش حالة من التخبط بين مدارس تابعة للنظام والتنظيم، وأخرى أهلية، تحاول جاهدة تخفيف الأضرار الكبيرة التي لحقت بالطلاب، على الرغم من غياب الأحوال الملائمة، وعودة خطر كارثي يهدد فطرة الأطفال؛ نتيجة المحاولات المستمرة لنشر ثقافة حزب البعث من جهة، وأفكار التنظيم المتشدد من جهة ثانية، في ظل غياب واضح لدور الأهالي، وتقصير كبير من وزارة التعليم التابعة للمعارضة السورية.