تحقيقات وتقارير سياسية

حزب الله يلتهم غربيّ سورية والعالم صامت

لم تترك ميليشيا حزب الله فرصة، إلا وتستغلها لتتمدد وتسطو على أملاك السوريين، ولا شك في أن استراتيجيتها تختلف عن أهداف النظام، ولكنها تلتقي في التعاضد ضد السوريين كحاجة متبادلة للطرفين، فبينما النظام يتطلع إلى بقاء سلطته بأي ثمن، وعلى الرغم من أن التركيبة التي لا تحتمل تدخل أحد، إلّا أن الأمور اختلفت عليه كليًا، وباتت قوى عديدة، هي صاحبة القرار، بينما هو لم يعد النظام يملك حتى فرصة الرفض أو إبداء الرأي، وعلى هذا أصبحت ميليشيا حزب الله تتصرف بناء على مشروعها، في التمدد نحو جبال وسهل الزبداني ومضايا وبقين والقرى المجاورة؛ لتلتف على الكتف الغربي للعاصمة دمشق، وصولًا إلى أطراف حي المزة الدمشقي، ومن ثم البساتين الخلفية له نحو أراضي كفر سوسة إلى مدينة داريا، وهذه حالة مرحلية، هدفها الوصول عبر منطقة سبينة وما تلاها نحو السيدة زينت في جنوب العاصمة.

عمليات التهجير القسري التي يشهدها السوريون بين الحين والآخر، والتي تُخفف عبئًا على النظام في تلك المناطق، يستفيد من بعضها مباشرة حزب الله، ومن خلفه إيران، وكلنا رأى -على سبيل المثال- بعد خروج أهالي مدينة داريا منها، كيف ذهب أحد رجال الدين الشيعة؛ ليئم الصلاة بين الدمار، وهي رسالة تحوي في خلفيتها نيات بعيدة عن الوطنية السورية، وهذا ما ابتدأه أصلًا حزب الله في مدينة القصير بحمص سابقًا، والمظاهر التي حاول تكريسها أمام الكاميرات، وكذلك اعتمد هذا السلوك في مناطق القلمون الغربي، وفي ريف محافظة القنيطرة الشمالي والغربي، وريف دمشق الغربي امتدادًا نحو الشمال إلى حدود لبنان، ففي الجولان تجري بعض الأمور تحت عيون ومراقبة جنود إسرائيل، في مزارع الأمل ومعسكر الطلائع وبعض المواقع المحيطة، وهي التي استهدفتها المروحيات الإسرائيلية بداية عام 2015، وأيضًا هنالك انتشار تقوم به هذه الميليشيا منذ أشهر في منطقة خان أرنبة، وما يسمى بمدينة “البعث”، وكذلك في بلدة حضر، وقامت بنشر الأسلحة مباشرة وعلنًا، بحسب ما أوردت وسائل إعلام عديدة، فيما صرّحت إسرائيل باستهدافها لعناصر ومقرات هذه الميليشيا أكثر من مرة، وهي ما يعدها عديد من السوريين أنها عملية تبادل مصالح بينهما، لتلميع صورة بعضهما بعضًا، وتمرير المشروعات المشتركة في تفتيت المنطقة، فحزب الله -بحسب بعض كالات الأنباء- يستغل الحالة التي أصبحت عليها الأرض السورية، ويقوم بتخزين الأسلحة في مواقع عدة من الجولان السوري، وإسرائيل تتابع ذلك.

في منطقة مضايا والزبداني وما يحيط بهما، أخذ حزب الله يسيطر على ممتلكات الأهالي الذين تهجّروا، وعلى أراضيهم التي لا يستطيعون الوصول إليها؛ بسبب الحواجز والقتال، وقد وجه هذا الحزب تحذيرًا إلى السكان، في أكثر من موقع خلال السنتين الماضيتين؛  كي يخلوا منازلهم، وحول ذلك قال (أبو عزام) وهو أحد أهالي المنطقة: إن الحزب أخذ في البداية يلتهم سهل الزبداني، حيث منع بالتعاون مع قوات النظام، الأهالي من الوصول إلى أراضيهم، ثم تم تسوير مناطق عديدة بالأسلاك الشائكة، وأبعد قوات النظام عن مواقعه نهائيًا، وباتت المنطقة كاملة تحت سيطرته، وقد تمركزت قواته في السهل والجبل الغربي، وبعض المواقع والمعابر بطريقة تدل على الاستقرار.

يحاصر كل من النظام وميليشيا حزب الله، مدينة الزبداني وبلدة مضايا حصارًا خانقًا، ويمنعان عنهما كل مقومات الحياة، وكان المجلس البلدي لمدينة مضايا، قد وجّه نداءات عدة عن أمراض وأوبئة مستعصية تنتشر بين الأهالي، بسبب سوء التغذية والخدمات الطبية وفقدان الكوادر والأدوية والمعدات اللازمة وغيرها، وهنالك عدّة حالات من الفشل الكلوي يصعب التعامل معها، إن هذا المخطط المتكامل من الحصار والتجويع إلى القصف ومنع الأعمال، الغاية منه واحدة، هي رحيل السكان بعيدًا، حيث سلسلة لبنان الشرقية التي أصبحت تحت تحكم هذه الميلشيا، وغابت الدولة اللبنانية نهائيًا عن حدودها البرية مع سورية، ويتم تنقل عناصر الحزب وآلياته بسهولة، ودون أي احتجاج من أحد، حيث هنالك قرى تتبع له على الطرف الآخر من الحدود، ولا تبعد عن مضايا أو الزبداني سوى بضعة كيلو مترات.

قامت هذه الميليشيا أخيرًا بتهجير نحو 40 عائلة من جوار حاجز “العسلي”، قرب بلدة بقين، إلى بلدة مضايا لضرورات أمنية، بحسب ما ذكرت، وأفاد أبو عزام لـ (جيرون) بأن حزب الله وقوات النظام تتصرف بهذه الطريقة منذ زمن، وفي أكثر من موقع، فكانت تُخلي بعض المنازل من سكانها وترحّلهم؛ بذريعة الأمن، وخاصة في الزبداني، ثم تفجرها أو تسيطر عليها، ويعتقد أبو عزام أن حزب الله يسعى حاليًا للسيطرة على مصادر مياه الشرب كافة، ليتحكم بها.

حزب الله في تلك المنطقة يستعمل القناصات؛ للتضييق على حركة الناس، حتى بين بيوتهم، وأكد أبو عزام، أن الأهالي المتبقين يحاولون الصمود باستعمال وسائل مساعدة، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي يقابلونها، وهم يدركون أن المخطط الكامل لهذه الميليشيا هي ترحيلهم من المنطقة، وسيتبع ذلك بالمستقبل قرى ومناطق وادي بردى، ليصل إلى قدسيا والهامة، إذ يعيش السكان مرارة الترقب، والأمل بأن يلتفت العالم إليهم، وخاصة “الأشقاء” العرب، لمنع هذا المخطط الرهيب، كما ويناشدون المنظمات الحقوقية وغيرها، بالسعي لإيقاف كل عمليات التهجير القسري الذي يتّبعها النظام وهذه الميليشيا.

يُشار إلى أن لتلك المنطقة امتداد نحو القلمون الغربي إلى جرود عرسال، ثم إلى ريف حمص، وبهذا يضمن الحزب مساحات حركة وتموضع واسعة من الشمال إلى الجنوب، بالتوازي مع بعض مناطق البقاع، وصولًا إلى الجولان السوري كسلسلة متصلة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق