خرجت أم محمد، مع طفليها إلى الأردن، بداية العام 2013، بعد أن اقتحمت قوات النظام قريتهم في محافظة درعا بالدبابات، وأحرقوا منزلها إحراقًا كاملًا آنذاك، وتسبب ذلك بأذى نفسي لها ولأطفالها على وجه الخصوص.
وعن وصف وجذر مشكلتها، أوضحت لـ (جيرون): “كانت أصوات القصف قبل هروبنا مرعبة، لدرجة أن أطفالي، وبعد قدومنا إلى الأردن، كلما سمعوا أصواتًا لألعاب نارية يُصابون بالخوف نفسه، ويبكون بالطريقة نفسها، ويعتقدون أن النظام يقوم بقصفنا، وفي كل مرة أحاول إقناعهم بأنها مجرد ألعاب فحسب، لذلك وجدت أنه لا بد من اللجوء إلى مختصين؛ لمساعدتهم بالتخلص من هذا الخوف”.
حالات لا يمكن أن تحصى، على تنوعها، تتعلق بالحالة النفسية للأطفال السوريين الذين لجؤوا إلى الأردن، حيث لم يعد خافيًا ما تتركه الحرب في سورية من آثار سلبية على هؤلاء الأطفال، مشاهد القصف والدمار والقتل بطرق وحشية، ومقتل أطفال وإصابة قسم منهم بإعاقات دائمة، كل ذلك ترك أثرًا خطرًا؛ أدى إلى انحراف بعضهم، ومشكلات نفسية أخرى لدى آخرين، كل ذلك لم يأت من فراغ، فما جرى وشاهده هؤلاء الأطفال يؤثر فيهم وفي نموهم النفسي والاجتماعي.
الدعم النفسي والاجتماعي؟
الدعم النفسي والاجتماعي هو سلسلة متصلة من الدعم والرعاية، التي تؤثر في الفرد والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد، وتمتد هذه السلسلة، من أفراد الأسرة، ومقدمي الرعاية، إلى العاملين في مجال الصحة، وأعضاء المجتمع، ضمن علاقات رعاية مستمرة، تجمع بين التواصل والتفاهم، والحب غير المشروط، والتسامح والقبول، وتتوسع لتصل إلى الرعاية والدعم التي تقدمها المنظمات النفسية المتخصصة.
الدعم المقدم للأطفال في مخيم الزعتري
خمسة مواقع وعيادات للطب والدعم النفسي، موجودة في مخيم الزعتري، يعمل فيها مجموعة من الشباب السوريين المتطوعين، ثمانية في كل موقع، إضافة إلى الأطباء النفسيين، والمدربين المختصين بهذا المجال.
يعمل جميع هؤلاء من أجل هدف رئيس، وهو الأطفال السوريون الذين يعانون من مشكلات وأمراض نفسية بسبب الحرب، ومعالجتهم.
إسراء، رسامة سورية، تقيم -منذ أربع سنوات- في مخيم الزعتري، وتعمل متطوعةً في الهيئة الطبية الدولية، وتقوم بتعليم الرسم للأطفال السوريين في المخيم، كوسيلة لعلاج الأمراض النفسية التي يعانون منها، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لهم.
تقول لـ (جيرون): “نعمل من خلال جذب الأطفال إلى قاعة الرسم الموجودة في المخيم، مع تفعيل برنامج الرسم الخاص بهم، وتكون آلية العمل من خلال مراقبة الأطفال، الذين تبدو عليهم أعراض لأمراض نفسية، وبعد تقييم الحالات من المختصين، يتم العمل بناء على منهجين؛ لدعم هؤلاء الأطفال عن طريق الرسم، من خلال برامج مقدمة من منظمات دولية”.
وأضافت: “هناك حالات متنوعة تحتاج للعلاج والدعم، ونجد حالات متعددة، أبرزها الخوف المتجذر من الحرب، والمشاهد العالقة بأذهان الأطفال للقتل والدمار، والعنف الأسري، والتبول اللاإرادي، ومرض التوحد.
وفي هذا الوضع، يقوم الفريق المتطوع بتقديم العلاج والدعم بطرق مختلفة، الرسم، الكومبيوتر، التدرب على مهارات الحياة، تعليم الأطفال المتسربين من المدارس، وإيجاد مساحات آمنة للأطفال للعب وممارسة بعض الفاعليات”.
الدعم النفسي خارج المخيمات
تقوم منظمات عديدة، سورية، أو محلية أردنية، بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال السوريين خاصة، وحتى للأطفال العراقيين والأردنيين، لعلاج المشكلات والأمراض النفسية التي يعانون منها من جهة، وللاستفادة من جمعهم معًا؛ لتحقيق نوع من الاندماج المجتمعي، الأمر الذي يسهل تقديم الدعم والعلاج لهم جميعًا.
محمد ارحابي، سوري، يدير منظمة “هذه حياتي التطوعية” في عمان، يتحدث عن عمل المنظمة في مجال الدعم النفسي للأطفال: “قامت المنظمة بفاعليات عدة مختلفة، من أهمها، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المصابين بالصدمات، حيث عملت المنظمة على استقطاب الشباب والشابات من اللاجئين السوريين أنفسهم، وإجراء العديد من الدورات لهم، ابتداء من الدعم النفسي لهم لكسر حاجز أنهم لاجئون؛ ليكونوا هم من سيقدم الدعم النفسي للأطفال، ونجحنا في هذه الفكرة نجاحًا كبيرًا”.
لم تكتف المنظمة بذلك، بل عمدت إلى إنشاء ما أُطلق عليه “نادي المرح للأطفال” وهو ناد ثقافي، تعليمي، وترفيهي، في العام 2013، ولا يزال مستمرًا -كما يقول ارحابي: “يستهدف النادي الأطفال السوريين خاصة، الذين يعانون من صدمات ومشكلات نفسية، بحيث يُجلب أطفال من منطقة ما، ويبقون في النادي لمدة ستة أشهر، بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع، ويكون الأطفال الموجودون سوريين، وأردنيين، وعراقيين، ويُقدم الدعم النفسي والاجتماعي لهم عن طريق الألعاب والمسرح، ووسائل أخرى”.
دعم نفسي للأطفال السوريين المصابين في الحرب
لا يقل علاج الأطفال الذين أصيبوا في الحرب، أهمية عن علاج بقية الأطفال السوريين، فهؤلاء الأطفال يعانون من مشكلات مضاعفة، سببها الإصابة الجسدية من جهة، وما نتج عنها من آثار نفسية من جهة ثانية.
نسرين كاتبي، سورية، وعضو مجلس إدارة “مركز سوريات عبر الحدود”، تحدثت عن مشروع المركز وقالت: “اختصاص المركز -أساسًا- ينصب على التعليم، والتأهيل، والعلاج الفيزيائي والوظيفي، ولكن وجدنا أن تقديم الدعم النفسي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعمل الذي نقوم به، وخاصة الأطفال المصابين الذين يُعالَجون في المركز”.
وقد شًكّل فريق داخل المركز -كما تقول نسرين: “مكون من إداريين، وكادر عدده ستة أشخاص، لتقديم برامج للدعم النفسي للأطفال المصابين في الحرب، والموجودين في المركز، عن طريق التعاون مع منظمات دولية، ومحلية، ويتم التدريب حاليًا مع منظمة (آسيا) للتنمية والتدريب، وتشرف طبيبة نفسية على البرنامج، إضافة إلى تدريب مع منظمة (الآلوسي) الأميركية”.
دعم نفسي لأهالي الأطفال
باتت غالبية المنظمات، التي تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، تدرك أنه لا بد من تأهيل أهالي الأطفال أيضًا، من خلال جلسات تُعقد في العديد من المراكز والمنظمات الدولية والمحلية، يتم فيها تعريفهم بكيفية التعامل، والتكيف مع حالات الطوارئ، من خلال مجموعة متنوعة من البرامج، وتعريفهم بكيفية تطبيق ذلك أثناء التعامل مع أطفالهم، وكيفية استخدام الأماكن الملائمة للأطفال كبيئة آمنة تساعدهم على تجاوز مشاكلهم النفسية.
إن العيش في أحداث كالحرب، أو فقدان الأسرة، يمكن أن تنتج عنه آثار سلبية جدًا، بعضها آني، وأخرى طويلة الأمد على الأطفال، وتؤثر في تحقيق التوازن في المجتمعات.
لذلك؛ يعدّ الدعم النفسي والاجتماعي، حاجة طبيعية للأطفال الذين يعانون من هذه الأحداث، ويجب أن يكون هناك فهم صحيح لآليات تقديم هذا الدعم، من أي جهة قائمة عليه، وتوظيفها بحسب الحاجة؛ لضمان نتائج سليمة وإيجابية.
تعليق واحد