أغنية “كاتيوشا” هي في الأصل أغنية شعبية روسية تحكي عن انتظار الفتاة “كاترينا” لعودة حبيبها “إيفان”، -من وراء الحدود، في فترة الحرب العالمية الثانية. و”كاتيوشا” هو اسم التحبب لـ “كاترينا” وقد صادف وقت انتشار هذه الأغنية، أن أطلق الجيش الأحمر اسم “كاتيوشا” على صاروخ سوفياتي. ومن كلماتها:
“كانت أشجار التفاح والخوخ مزهرة
وفوق النهر يهبط ضباب الصباح
على حافة النهر بدأت كاتيوشا تغني
أيتها الأغنية طيري إلى حدود الشمس
إلى الجندي البعيد عند الحدود
من كاتيوشا أوصلي السلام
لعله يسمع أغنية كاتيوشا
وكما يحرس أرض الوطن العزيز
سوف تحرس كاتيوشا حبهما إلى الأبد”
بالمقارنة مع كلمات أغنية كاتيوشا السورية (إنتاج شبكة جيرون الإعلامية) التي قُدمت هديةً لأرواح الشهداء الذين سقطوا في حلب، من جراء القصف الروسي، نلمح بعدًا آخر بصوت “محمد آل رشي” و”كاترينا فانسان”:
“إيفان: كيفك يا كاتيوشا يا حياتي
عم حاكيكي من مطار حميم
عكل صاروخ بكتبلك رسالة
يا كتيوشا.. أنا أحبك
كاتيوشا: إيفانوشكا يا بطل الأبطال
ما بتصدق أديش فخورة فيك
اشتقتلك بس معلش يا حياتي
روح واقتل كل الإرهابيين
إيفان: خلي رجليكي واديك بمي باردة
إيفانشوشكا قتل كل البشر
بالسارين والنابالم يا كاتيوشا
واسمك فوق متل زخ المطر
كاتيوشا: ولا تنسى الكنايس والجوامع
والأفران والمشافي كمان
وفي عندك قوافل إنسانية
شو رأيك تمحيهن يا إيفان”
وبعد انفجار هائل ودخان كثيف نسمع صوت سوري من الداخل:
“صوت سوري: ليك ولا، أنت ورجلي كتيوشا
رسايلكم وصلتنا من حميميم
بس لسا في كام حارة وكام دخلوجة
ولادا كاسرين راس صاحب الكرملين
بس لسا في كام حارة وكام دخلوجة
ولادا زاحفين على قصر المهاجرين”
يمكن القول: إن مثل هذه الكلمات في أغنية سورية تحاكي أغنية روسية وطنية، تُعدّ نسفًا للمعنى الذي حملته الأغنية الروسية، واستبداله بمعنى جديد يقلب المعادلة رأسًا على عقب، إضافة إلى ما تضمنته من أداء فني أقرب ما يكون لفن “الغروتسكي”؛ حين يمتزج فيه الضحك والبكاء. الدم السوري يراق هنا من الجيش الروسي نفسه، وعلى يد الجندي الذي راحت الفتاة “كاتيوشا” تنتظر عودته من وراء الحدود، والأداء الصوتي الذي اعتمده الثنائي “آل رشي” و”كاترين فانسان” ينم عن سخرية وتهكم على معاني أغنية كاتيوشا الروسية، فجاءت المشاهد المصاحبة لكلمات الأغنية بالأحمر والأسود، لتختصر تاريخ الجيش الروسي منذ ظهور سلاح “الكاتيوشا” في الحرب العالمية الثانية.
وقد وظف “آل رشي” و”فانسان” أغنيتهما بطريقة مبتكرة؛ إذ جعلا “إيفان” الجندي الروسي يكتب رسائل الحب لحبيبته “كاتيوشا” على الصواريخ، ويزف لها إنجازات الجيش الروسي من مطار حميم في سورية، وما حققه من قتل وتدمير للحجر والبشر. نعم. بهذه السادية يعبر “إيفان” عن مدى حبه واشتياقه لحبيبته “كاتيوشا”، ولا يختلف رد فعل “كاتيوشا”؛ فهي -بدورها- تبدي سعادتها وسرورها من هذه الإنجازات، ومن تلك الأخبار التي تصلها من حبيبها. وكي تبادله الحب بالمثل، تتمنى عليه قصف الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات وقوافل المساعدات الإنسانية، كي يغدو حبهما منتشيًا بكؤوس الدم. إن مثل هذا الإفراط والهيام بالقتل، والاعتياد عليه من عاشقين روسيين، ينسف مفاهيم الفخار الوطني الروسي، وأعراف جيشه، نسفًا كاملاً، إذ يمكن للجندي الروسي، وكما هو حاصل الآن في سورية، أن يمارس الحب ويتغزل بحبيبته، وهو يقدم على قتل الأبرياء، ويمارس أقسى أنواع الإجرام، بحيث كلما تعاظمت الجرائم، وتضاعف عدد الضحايا، غدا الحب أكثر صدقًا وشغفًا، فها هي الحبيبة “كاتيوشا” في التوظيف الفني لـ “محمد” و” كاترينا” تتمنى على حبيبها “إيفان” مزيدًا من القتل والإجرام، ليغدو أكثر جمالًا وبطولة.
ومما لا شك فيه –أيضًا- أن حوارًا كهذا الحوار بين حبيبين يستمتعان بعشقهما فوق ركام جثث الأطفال والنساء، ما هو إلا تفكيك وتحطيم لكل انتصارات الجيش الروسي، وهذا ما اشتغل عليه “آل رشي” و”كاترينا فانسان”؛ حتى أن المتابع لأغنية كاتيوشا السورية يكاد يود لو أن كل المعارك والحروب التي خاضها الاتحاد السوفياتي منيت بالهزيمة؛ كي لا يكون نصرها جحيمًا على السوريين، لكن، وعلى الرغم من مرارة وسطوة هذا الجحيم، يظهر في الأغنية طرف ثالث، أوتي به ليحطم الحوار الثنائي الدائر بين “إيفان” و”كاتيوشا” إنه صوت آتٍ من الداخل السوري، جاء ليفكك أسطورة العشق هذه بسخرية واستخفاف، مشيرًا إلى أن هناك “كم حارة وكم دخلوجة وكم طفل” نجو من الإجرام الروسي، وهم من سوف يكسرون رأس بوتين، لتحرير العالم من هذا الفكر الهمجي، ومن هذه والروح الإجرامية؛ تمامًا كزحفهم المزمع إلى قصر المهاجرين؛ لتحريره من السفاح القابع هناك.
رابط أغنية كاتيوشا
http://arabic.cnn.com/style/2016/10/12/katyucha-syrian-song