في الحارات المُنارة بمولّدات الكهرباء التي تعمل عشر ساعات متواصلة، بدءًا من الساعة الثالثة عصرًا وحتى منتصف الليل، كثيرًا ما يُلحظ الشبّان وهم مُكوّمون خارج صالات الانترنت، جالسين على كراسي بلاستيكية أو واقفين، إمّا لمتابعة الأخبار العاجلة أو لدردشة مع قريب ما في إحدى الدول الأوروبيَّة عبر الانترنت، وتستمرّ الحال كذك إن وُصِل التيار الكهربائي الحكومي؛ لتصل إلى ساعات الفجر، ولحلّ هذه المعضلة ابتاع أصحاب مقاهي الانترنت في الشمال الشرقي السوري نواشر إنترنت، يصل سعرها إلى 75 دولارًا أميركيًا تُباع للعامّة بمئة، يرافقها تركيب بطاريَّة خاصة لتضمن العمل لساعات طويلة خارج إطار ساعات الكهرباء المُقننة.
مهنة جديدة
تزايد عدد المستخدِمين لخدمة الانترنت بعد اندلاع الثورة السوريَّة أضعاف ما كان عليه من قبل، ومع قيام الأمن السوري بفصل الخدمة عن المنطقة، قام أرباب هذه التجارة بالبحث عن مخدِّم بديل عن المخدّم السوري، فوقع الاختيار على شبكة الخطوط التركيَّة، بحكم قرب مناطق الجزيرة السورية من الحدود التركيَّة وسهولة التقاط الإشارة الإلكترونية، وبدأت العملية تنحو باتجاه أن تكون تجارة بديلة وعمل من لا عمل له.
وحول هذه الظاهرة، يقول المهندس محمد حسان لـ (جيرون): “كانت موجودة هذه الطريقة قبل اندلاع الثورة، لكنها كانت تتمّ بسريّة شديدة، خوفًا من الأمن السوري، وطمعًا في الحصول على سرعة انترنت عالية الجودة، مقارنة بسوء الخدمة السوريَّة، لكن مع تحرّر المناطق من سطوة الأمن السوري ورقابته، بدأت تُرسم اتفاقيات مع تُجّار في الدولة التركية؛ لإمداد المنطقة بخطوط انترنت، والآن ثمّة شركات ومكاتب خاصَّة لتزويد المواطنين والمؤسسات في الجزيرة بخدمة الانترنت المتواصل ليل نهار”.
لا يكاد يخلو شارع في مدن الجزيرة السورية من مقهى انترنت، ووصلت الخدمة إلى المنازل بسعر اشتراك يصل حدّه الأدنى إلى الـ 5 آلاف ليرة سورية شهريًّا، الأمر الذي سهّل العمليّة وجعل منها تجارًة رائجة ومصدر دخل لعدد من المواطنين، عن طريق الاتفاق مع شركاء في تركيا، وتأسيس مكاتب لتزويد المؤسسات العاملة في الجزيرة بالإنترنت، أو فتح مقاهي إنترنت صغيرة ضمن الأحياء تقوم بتزويد المواطنين بالخدمة.
آليّة العمل
يقول أحد المهندسين العاملين في مجال تزويد المنطقة بخدمة الانترنت: “تبدأ العملية بتركيب أجهزة استقبال انترنت في مناطق الجزيرة السورية؛ لتُستقبل الخدمة خلالها من أجهزة إرسال في الأراضي التركية القريبة، حيث يُتفق تجاريًا مع أرباب العمل هناك، بموجب عقود ماليَّة وقانونية وكمية انترنت محدّدة يمكن التحكّم بها، باستخدام أجهزة قياس متطوّرة، وتتم العملية عن طريق اتفاق مسبق؛ لإمداد المنطقة بخطوط انترنت مسبقة الدفع، وسرعة نقل البيانات عبر الشبكة تكون اختيارية وفقًا للمبلغ المدفوع من قبلنا نحن التجّار المسؤولين، وتُوزع لاحقًا على الأشخاص بحسب المبلغ المدفوع كاشتراك شهري أو سنوي”، وعن إمكانية تغطية المنطقة بالكامل يقول: “منطقة الجزيرة السورية بالكامل -على وجه التقريب- مغطّاة بخدمة الانترنت التركي، وتمكنّا في الآونة الأخيرة من استيراد ما يطلق عليه نواشر انترنت عالية الجودة؛ لنتمكّن عبرها من إمداد المنازل بالخدمة وفق اشتراك شهري ثابت، تناسبًا مع السرعة المأخوذة من المشترك، ووفق مبلغ مالي مدفوع مسبقًا”.
حل لا بدّ منه
العامل في المجال المدني سعيد السينو قال لـ (جيرون): “عملنا في مجال الإحصاءات والاستبانات يكون عبر استخدام الشبكة العنكبوتية التي من دونها نفقد كل اتصال مع العالم الخارجي، في ظل انقطاع الخدمة السوريَّة”، وأضاف: “أغلب اجتماعات العمل تكون عبر استخدام الإنترنت التركي حصرًا للتواصل مع الآخر، كما أن نقل تقارير العمل الدوريّة تكون كذلك، وأعتقد أنه لولا وجود هذه الخدمة سيكون عملنا ناقصًا، ودون رؤية واضحة ومفيدة بالنسبة للخطط المدنية المعمول عليها”.
في ظلّ وجود هذه الخدمة في مناطق الجزيرة السورية يبقى التخوّف سيد الموقف؛ فما حصل قبل أيّام قليلة عندما قُطع خط الشبكة التركيَّة عن جميع المناطق السورية المحاذية للحدود التركيَّة؛ ما دفع بأرباب هذه التجارة إلى إمكانية التفكير بحلول بديلة في حال تم الإقرار بقطع الخدمة من الجانب التركي، وإلى الآن لم يتمّ التوصّل إلى حل ما بديل.