مقالات الرأي

هل يتجسس الجامع على العسكر؟

قدمت ثكنة عسكرية هولندية دعوى قضائية ضد جامع “روزندال”، في أقصى الجنوب الهولندي، بسبب نوافذ مئذنته العالية، التي يمكن أن يتم التجسس على الثكنة من خلالها، وبسبب صوت الآذان العالي يوم الجمعة؛ لأنه يسبب الإزعاج.

 

قالت إدارة الجامع إنها ستردّ على الدعوة بالمنطق والقانون. والمنطق في هولندا يبدأ عبر الإعلام.

قضية معقدة جدًا، لأن عناصرها عسكر وجامع وإعلام.

في سورية، تظهر القوة الكبرى في تجمع السلطات الثلاثة هذه، سلطة العسكر وسلطة الجامع وسلطة الإعلام، على الرغم أن من الغلبة كانت للعسكر، لكن العسكر يحتاج دائمًا للجامع والإعلام. سلطة العسكر تبني سلطات أخرى لتستعملها، سلطة الجامع وسلطة الإعلام.

 

لا يتجسس الجامع على العسكر في سورية، لا يستطيع، لكنه ربما يتجسس على السوريين، ولا يبني سلطة خارج العسكر، لكنه سلطة بيد العسكر.

دلالة حاجة العسكر للجامع والإعلام في سورية أكيدة، ويظهر ذلك في كل تفصيل من الحياة السورية. لاستعمال السوريين في المعارك يلزم إعلام تحريضي ورجال دين. ولتدجين الأجيال يلزم إعلام “مدجن” ورجال دين. ولتغيير الحقائق يلزم إعلام “ذيل” ورجال دين. ولبيع سلعة يلزم إعلام ورجال دين، ولرفض سلعة يلزم إعلام ورجال دين.

 

الإعلام حُجرة أساسية لبناء ما يريده العسكر، أو لتهديم ما يرغبون في هدمه، ورجال الدين الحجرة الثانية؛ لإضفاء طابع مقدس على عمليتي البناء والهدم.

يبدأ المنطق في هولندا عبر الإعلام، ويبدأ الاستعمال في سورية عبره. من هولندا إلى سورية مسافة لا تُقاس بالجغرافيا، ولكن ربما تُقاس بالتاريخ، أو بمنطق التاريخ أو باستعماله. التاريخ في هولندا حديث، لا يغرق في متاهات الميلاد، متاهات قبله وبعده، تاريخ حديث ينطلق من القرن الذهبي كما يسمونه، القرن الذي اجتاحت فيه السفن الهولندية، تبحث عن مناطق تجارية في العالم، تبحث عن موارد جديدة من دون جيوش وحروب.(!)

 

التاريخ السوري محفوف بالقدم وبالتفاصيل وبالمتاهات، تاريخ يبنيه إعلام العسكر وأحاديث رجال الدين، ويتغير بتغير العسكر، تاريخ يضيق أو يتوسع، بحسب حاجة العسكر، بلاد تضيق وتتوسع بحسب حاجة العسكر، جغرافيا وتاريخ يضيقان ويتوسعان، وعلى هامش “سحّاب” التضيق والتوسيع يجلس رواد الإعلام والدين؛ لتبرير مرونة المساحات تلك، ولاستعمال السوريين فيها.

 

سورية الآن بلد للاستعمال، على الرغم من التاريخ العتيق، ومرونة الجغرافيا، ونبع الذكريات، وجامع المتناقضات، هو بلد للاستعمال بإرادة العسكر و”مدجنة” الإعلام، ومرونة رجال الدين. بلد يحدد العسكر تاريخه وجغرافيته وذكرياته وتناقضاته قوانينه وتفاصيله، بلد للعسكر أو بلد العسكر، البلد الذي يحمل كل التضاريس مسجون بتضاريس العسكر.

 

هولندا بلد قانون، بلد لا يصلح للاستعمال، غير قابل للاستعمال، فالقانون يرفض الاستعمال.

رد أحد الهولنديين في مدينة روزندال على تهمة التجسس قائلاً: غير صحيح، وقال بأنه يُشاهد كل تفاصيل الثكنة من منزله، وإذا كان يجب ألا يرى ذلك، فعلى الجيش أن يحجبها، وهذه مهمة الجيش وليست مهمته، وردت امرأة أخرى على تهمة الإزعاج قائلة: غير صحيح، لا يزعجني.

وأضافت: في حالات كثيرة لا أنتبه إليه.

 

الجامع في هولندا خارج سيطرة العسكر، والإعلام مستقل، ولا مكان فيها للاستعمال خارج القانون، سورية اليوم خارج القانون، وخارج التاريخ، لكنها في تفاصيل الإعلام، سورية اليوم مادة مثيرة للإعلام ولرجال الدين وللعسكر.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق