تمكنت قوات النظام، بمساندة ميليشيات موالية، من السيطرة على مناطق استراتيجية في الغوطة الشرقية بريف دمشق؛ لتصبح على بعد بضعة كيلومترات من مدينة دوما، التي تُعدّ إحدى أهم معاقل المعارضة السورية قرب العاصمة دمشق.
وقال محمد أبو علي، أحد قادة قسم الاستطلاع في “جيش الإسلام” لـ (جيرون): إن قوات النظام “أحرزت تقدمًا خلال الـ 48 ساعة الماضية في تل الصوان، وتوغلت توغلًا كبيرًا في تل كردي، ثم عادت وأحكمت قبضتها على المنطقتين إحكامًا كاملًا بعد أن اضطرت عناصر (جيش الإسلام)؛ للانسحاب من مراكزها العسكرية هناك، نتيجةً الهجمات العنيفة وغير المسبوقة التي تشنها قوات النظام على المنطقة منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي”.
وأضاف أن النظام “لجأ إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة، ولا سيما في منطقة تل كردي التي تعرضت لقصف عنيف وممنهج بقنابل النابالم الحارقة؛ ما أدى إلى تدمير المعامل الصناعية فيها، واحتراقها بالكامل”.
وحول الأسباب التي تقف وراء هذا الإصرار والتصعيد العسكري المتواصل للنظام على جبهة الغوطة الشرقية، أشار أبو علي، إلى أن النظام “يهدف إلى عزل مدينة دوما، عن محيطها، عبر وسائل عدة، منها: قطع جميع المنافذ وطرق الإمداد التي تصل المدينة، بغيرها من مدن وبلدات الغوطة الشرقية، واستهدافها بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الطيران الحربي، وقضم المزيد من الأراضي الزراعية، للتضييق على الحياة المعيشية للأهالي ودفعهم -في النهاية- إلى القبول بتسوية مع النظام، تجبر ثوارها على تسليم سلاحهم والخروج نحو الشمال السوري، على غرار ما حصل سابقًا في داريا، وقدسيا والهامة”.
في السياق ذاته، شهدت بلدة مسرابا في الغوطة الشرقية بريف دمشق، اجتماعًا ضم قائد “جيش الإسلام”، أبو همام البويضاني، مع ممثلين عن “فيلق الرحمن”، و”جيش الفسطاط”، إضافةً إلى عدد من وجهاء بلدة مسرابا، جرى خلاله التطرق إلى جميع المشكلات الناجمة عن الاقتتال الداخلي بين الفصائل. وانتهى إلى اتفاقات تمهد الطريق للوصول إلى حل ينهي الاقتتال الداخلي الذي تشهده الغوطة الشرقية.
ووفقًا لناشطين محليين، فإن جميع الأطراف، تعّهدت بضرورة نبذ الخلافات، ورص الصفوف والابتعاد عن الفتنة والتفرقة، في ظل التصعيد العسكري الكبير الذي تمارسه قوات النظام على المنطقة.
يأتي هذا الاجتماع، بالتزامن مع إعلان “المجلس الإسلامي السوري”، تشكيل لجنة برئاسة رئيس المجلس، مهمتها رأب الصدع، وحل الخلافات بين فصيلي “جيش الإسلام”، و”فيلق الرحمن”، وبالتعاون مع عدد من العلماء والهيئات الشرعية الموجودة في الغوطة الشرقية.
وأشار المجلس في بيان نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن “الجهد ما زال مستمرًا وحثيثًا، متحفظًا عن ذكر التفاصيل؛ حفاظًا على سير العمل ومنعًا (للقيل والقال) وقطعًا لطريق المتربصين من الأعداء والحاقدين الذين يؤرقهم اجتماع الكلمة ووحدة الصف”، آملًا أن يصل إلى “نتيجة إيجابية تطمئن القلوب وتهدئ النفوس وتزرع الأمل من جديد، وهذا يحتاج إلى أمور أهمها الإرادة الحقيقية من جميع الأطراف للإصلاح وتحقيق الوئام”.
وناشد المجلس العلماء والدعاة في الغوطة كافة، في الداخل والخارج، أن “يسيروا في هذا الاتجاه التصالحي، فلا مكان للتجييش ولا وقت لإثارة المشكلات، فلا بد من الابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة المشاعر السلبية من أخبار أو تصريحات أو مواقف سابقة، هنا أو هناك، وليكن الجميع عونًا في الوصول إلى حل”. بحسب البيان.
كما حذر المجلس من عاقبة التنازع والتناحر والفرقة، وضرب مثلًا لذلك بما حدث لملوك طوائف الأندلس، حيث جاء في البيان “لكم بملوك طوائف الأندلس عبرةً وعظةً، فقد ظنوا أنفسهم ملوكًا بحقن فتسموا بأسماء معتضد ومعتصم، واقتتلوا فيما بينهم بل، واستعانوا بأعدائهم على بعضهم بعضًا، فكانت نهاية الجميع في أقبية ومقاصل محاكم التفتيش الرهيبة”.
في حين عدّ “فيلق الرحمن” -في بيان لاحق- أن المجلس الإسلامي يُمثّل المظلة الشرعية للثورة السورية، كما جدد التزامه بما تخلص إليه اللجنة السداسية، التي شُكّلت لحل الخلاف، مطالبًا -في الوقت نفسه- بفتح طرق المؤازرات وتشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم جميع الفصائل في الغوطة الشرقية.
ويرى معظم أهالي الغوطة الشرقية، أن حالة الاستقطاب بين “جيش الإسلام”، و”فيلق الرحمن”، وما رافقها من حملات أمنية بين الطرفين، وتقطيع أوصال المنطقة، تبعًا لسيطرة كل طرف. فضلًا عن هدوء جبهات درعا، وإفراغ داريا وقدسيا والهامة، ومعضمية الشام من المقاتلين، كل ذلك ساهم في تعزيز قوة النظام العسكرية على جبهات الغوطة الشرقية.