مقالات الرأي

اللاجئون السوريون بين الابتزازين السياسي والاقتصادي

لعل كثيرًا من متابعي السياسة المصرية، لفت نظرهم الحملة الإعلامية لتقديم الشباب السوري الذي وصل إلى مصر وهو لا يملك جنيهًا واحدًا، وبِعصا نشاطه السحرية، وجهده الشخصي، استطاع أن يُثبت وجوده في المجتمع المصري، دون حاجة لمعونة من الدولة المصرية، أو لرأسمال، بل واستطاع أن يدعم بنشاطه الاقتصاد المصري، على الرغم من القوانين المصرية الحاسمة في منعه من الدخول بمنافسة سوق العمل العام والرسمي، مهما كانت مؤهلاته وكفاءته. وربما خطر في بال كثيرين -أيضًا- أن الإعلام المصري يراجع نفسه بعد حملة مضادة شنها على السوريين اللاجئين، وأظهرهم بصورة غير لائقة إنسانيًا ومدانة سياسيًا، والحقيقة أنه من الصعب فهم ذلك السلوك المتناقض، وتبرئته في دولة تسيطر سلطتها سيطرة شبه تامة على أجهزة الإعلام في بلدها، مع أن وضع معظم الشباب السوري اللاجئ في مصر هو -لأسباب متعددة- كما يتحدث عنه الإعلام المصري مؤخرًا، لكن المسألة أنها أقوال صحيحة يُراد منها باطلًا.

أما إذا تابعنا الإعلام الأردني أو اللبناني، أو أي إعلام للدول التي احتضنت اللاجئين السوريين، عربية كانت أم غربية، فإننا نجد ما يشبه الأهداف المصرية وإن بأشكال مختلفة.

اللاجئ وفق معيار منظمات اللجوء التابعة للأمم المتحدة، هو من أُكره على ترك أرضه ومنزله ووطنه،  بصرف النظر عن إمكانياته المالية، والحقيقة أن اللاجئين السوريين لم يكونوا جميعًا من المعدمين، ماديًا أو علميًا، بل كانت أكثريتهم ذات مهن متنوعة يتعيشون منها، وكان معظم أهل المدن إما من شريحة البورجوازية الصغيرة أو ما دونها قليلًا، أما أهل الريف فهم مستورون بنوع من الاكتفاء الذاتي الذي تضمنه منتجات أرضهم ومواشيهم ومواسمهم، على الرغم من الفساد الواسع في إدارة النظام الأسدي للمسألة الزراعية (كغيرها من الإدارات)، ومن هنا نفهم سر شعارات الحرية والكرامة للثورة السورية، ورد الشارع على تصريحات بثينة شعبان حول استعداد بشار الأسد للمعالجة الاقتصادية بزيادة الرواتب حين هتف السوريون “يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان”. وهذا ما يُفسّر أيضًا الدعم الاقتصادي الكبير الذي أدخله السوريون معهم على مجتمعات الدول التي أُجبروا على اللجوء إليها، وإذا كانت سياسة الابتزاز لتلك الدول قد أخفت تلك الإحصاءات المالية، فإنها لم تستطع أن تكتمها بشكل كامل، أن عشرات المليارات من الدولارات قد أدخلها رجال الأعمال السوريون إلى مصر ولبنان وتركيا والأردن، ويكفي أن نعرف بأن آجار البيوت في مصر تضاعف كحد أدنى خمس مرات عما كان الحال عليه قبلًا، وفي الأردن تضاعف عشر مرات، وفي لبنان وفق الدراسة التي قدّمها مركز عصام فارس للأبحاث في الجامعة الأميركية أن دخل اللبنانيين من العقارات بعد مجيء اللاجئين السوريين قُدِّر بـ 400 مليون دولار!! هذا عدا عن استثمار اليد العاملة السورية ذات المستوى المهني الرفيع، لكنَ –مع الأسف- فإن إعلام العونيين وحزب الله يُجيش اللبنانيين طائفيًا ويشحنهم بعداء لا مبرر له إلا من خلال الابتزاز السياسي تغطية على جرائمهم، والمالي لينالوا حصة أكبر من المساعدات الأممية، أما الوضع في الأردن، فهو ابتزاز مالي واضح للعيان، لدرجة أن الأجهزة الأردنية حريصة أن تسجّل كل سوري يزور الأردن مدة يوم أو يومين كلاجئ يدخل في إحصائية تقدمها للدول المانحة وللأمم المتحدة، وتقتضي القوانين الأردنية، أخذ 30% من المساعدات التي ترسلها الجمعيات المدنية السورية وغير السورية للاجئين السوريين لتصرفها على فقراء الأردن، كذلك فإن الوضع في مصر يعكس ابتزازًا غريبًا عجيبًا، يريدون حلَ مشاكل الشباب المصري ونسبة البطالة العالية عندهم، فيُلمِّعون صورة الشباب السوري، لتتخلص السلطة الحاكمة من مسؤوليتها تجاه شعبها، لكنهم لا يسمحون بإعطاء الفيزا للسوريين من أجل زيارة أقربائهم هناك، أو حتى للسياحة، بل في حالات متعددة لم يسمحوا للسوريين الخارجين من مصر بالعودة إليها، وكانوا قبل أن يفطنوا إلى توظيف صورة السوري لإلقاء اللوم على الشباب المصري الكسول المهمل وتبرئة نظام السيسي من مسؤولية معالجة نسب البطالة المرتفعة وانتشار الفقر وعودة الفساد بأشد مما كان قبل الثورة المصرية على نظام مبارك، كانوا يُقدّمون السوريين بأسوأ صورة يقدمها إعلام عن شعبٍ ما.

في تركيا تحول اللاجئون مادة انتخابية، يستغلها الفرقاء سلبًا أو إيجابًا، علماً أن تأثيرها الاجتماعي قد يحمل جوانب سلبية، وفق المعارضة السياسية التركية، لكن جوانبها الاقتصادية  إيجابية بوضوح، وبخاصة مع قوانين الاستثمار الأجنبي التركية الصارمة، عدا عن توظيف مسألة اللجوء السوري في مفاوضاتهم لدخول الاتحاد الأوربي، وفي إعادة رسمهم للحدود السورية التركية.

أما اللجوء السوري في الدول الغربية، فيعكس ابتزازًا من نوع آخر، إذ قلّما نجد برنامجًا حزبيًا للانتخابات البلدية أو الرئاسية لا يوجد فيه موقفٌ تجاه اللجوء واللاجئين، فإذا كان ترحيب ميركل باللاجئين السوريين أحد الأسباب الهامة في تراجع شعبيتها كما قيل، نفهم أكثر حالة الابتزاز السياسي، وبخاصة عندما نُدرك مسألتين في ألمانيا، الأولى: أن الدولة الألمانية بحاجة حقيقية إلى زيادة عدد السكان، والسلطة الألمانية بحاجة إلى تعويض أخلاقي عن فشلها في الضغط لحل المسألة السورية، هذا من جهة ومن جهة أخرى تنامي الحزب اليميني العنصري كرد على ما يسمونه الغزو الإرهابي لبلدهم، وخشيتهم من عدم قدرة اللاجئين على الاندماج في المجتمع الألماني، مع أن نسبة اللاجئين السوريين في ألمانيا لم تزد في أحسن الأحوال عن 22% من بين حركة اللجوء العامة للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، لكن الابتزاز السياسي والعنصري عامَلَ الظاهرة وكأنها ظاهرة سورية بحتة… والمضحك الحزين أن في فرنسا كلها (عدد سكان فرنسا 64 مليون) لم يزد اللجوء السوري عن بضعة آلاف، ومع ذلك تجد حرارة غير طبيعية حوله في برامج الانتخابات الرئاسية والحزبية يتجلى فيها الابتزاز السياسي بأوضح صورة، والأغرب أن غالبية دول اللجوء تلك ولاسيما الغربية منها، يربط إعلامها بين لجوء السوريين والإرهاب، علمًا أن حوادث الإرهاب فيها لم يفعلها سوري واحد…..

هذا الابتزاز لا يعني أن اللجوء لم يسبب مشاكل في الدول العربية بخاصة، ولكن يعني أن الأنظمة العربية لم تحاول حل أية مشكلة منه لإبقائه مادة ابتزاز سياسي ومالي لمصلحة السلطات الحاكمة، أما الدول الأخرى فقد حوّله الإعلام التابع لمؤسسات عالمية فيها، إلى ابتزاز اجتماعي وسياسي يضطر المرشحون إلى مراعاته وإظهار مواقفهم تجاهه، ويلفتون نظر مواطنيهم إلى نصف كأس اللجوء الفارغ، ويجعلونهم عميانًا عن نصفه -أو أكثر- الملآن.

لكن ماذا فعل السوريون؟ القيادات السياسية والمجتمع المدني، اللاجئون وغيرهم، لمعالجة هذا الابتزاز؟ هل استطاعوا أن يُجروا الأبحاث اللازمة لدحض استغلال المآسي السورية في دول اللجوء، أو الدول الأخرى التي توظف اللجوء للمناورات السياسية؟.. هل قاموا بحملات إعلامية مؤثرة لتغيير نظرة مجتمعات اللجوء إليهم، إن الجهود الفردية، في هذا المجال تركت أثرًا طيبًا، لكنها تبقى نقطة في بحر الجهل والتجاهل العالمي لمأساة الشعب السوري.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق