تدقّ أبواب بلدتي مضايا وبقين في الريف الدمشقي، كارثة إنسانية جديدة، في ظل نفاذ المواد الرئيسة من غذاء ودواء، ويزيد انتشار مرض الفشل الكلوي في البلدتين كلتيهما منذ نحو شهرين من تعقيد المشهد في ظل عدم توافر العلاج اللازم، وعدم استجابة المنظمات الطبية الدولية لمطالب الكادر الطبي، بإدخال معدّات إسعافيه ضرورية من شأنها أن تُنقذ بعض الأرواح.
حول الأوضاع الصحية والنواقص الطبية في البلدتين قال محمد درويش، وهو طبيب في المستشفى الميداني في مضايا لـ (جيرون): “إن احتمالات وفاة أشخاص جدد من مرضى الفشل الكلوي في تزايد، ولا سيما أنه يوجد سبعة أشخاص حالتهم خطرة جدًا، من أصل خمسة وعشرين شخصًا مصابًا بالمرض ذاته، وهؤلاء لا تنفع معهم الأدوية أو الحميات الغذائية، يحتاجون لغسيل الكلى احتياجًا مستعجلًا، وإلا فإن حياتهم مهددة بالخطر”.
وبحسب الرأي الطبي، يزيد اعتماد الأهالي على أصناف غذائية محدّدة ومحدودة، وهي المساعدات الأممية المؤلفة -في معظمها- من نشويات وبعض البقوليات، من نقص المناعة، الذي يؤدي -بدوره- إلى سرعة انهيار الجسم، وعدم مقاومته للأمراض، كما يعزي السبب الرئيس للفشل الكلوي عدم تلقي الكليتين الغذاء الضروري؛ فتضعفان ولا تستطيعان القيام بوظيفتهما.
مع حلول فصل الشتاء تتكاثر معاناة الأهالي؛ ليصبح هذا الفصل -بالنسبة لهم- فصل النكبات والمآسي، وبحسب درويش، فإن “الأمراض تتزايد في الشتاء؛ بسبب اعتماد الأهالي على وسائل تدفئة ضارة مُخرجاتها من الدخان أكثر من فائدتها، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع نسبة إصابتهم بالتهاب القصبات والتهاب المجاري التنفسية، وفي ظل عدم توافر الأدوية تتفاقم الأعراض، كما يعتمد الأهالي -في الوقت الحالي- في طهي الطعام على حرق الكاتيوشا أو البلاستيك، وهذا ينتج عنه أيضًا أمراض تنفسية، والأدوية أغلبها غير متوفرة؛ حتى المسكنات بدأت تنفذ”.
ما تزال الهيئة الطبية في بقين ومضايا متوقفة عن العمل تفتتح في الحالات الطارئة والضرورية، ويقوم الكادر الطبي بزيارة الأهالي المرضى في منازلهم، لمتابعة أحوالهم، بالقدر المستطاع، وأكدت مصادر طبية في الهيئة عن ولادة رابع جنين متوفى في مضايا بسبب سوء التغذية.
من جهة ثانية، أطلق ناشطون مدنيون وسمًا، انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، باسم (أغيثوا المحاصرين قبل وقوع الكارثة)، موجهًا إلى المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية، والمؤسسات الخيرية حول العالم، لإغاثة الأهالي، ونشر المجلس المحلي في مضايا وبقين على صفحته الشخصية مناشدة إنسانية، محذرًا من أن الأهالي لا طاقة لهم على استقبال فصل الشتاء في ظل عدم توافر وسائل التدفئة والمحروقات، وبحسب ناشطين، فإن أغلب البيوت خلت من الأثاث؛ بسبب استخدام الأغراض المنزلية الخشبية للطهي والتدفئة عن طريق الحرق.
أشار المجلس المحلي -في بيانه- إلى أن المشكلة الأساسية الناتجة عن حصار النظام وميليشيا حزب الله للبلدتين المتلاصقتين، هي المجاعة التي لم تنتهِ بعد، بل تطورت عند إدخال مساعدات إنسانية إلى المنطقة، بأصناف محددة؛ ما أدى إلى ظهور أمراض جديدة غير متوقّعة، ابتداء من مرض كواشركور والسحايا والروماتيزم، وليس انتهاء بالفشل الكلوي.
ويعتقد درويش أن إدخال عيادات متنقلة مُجهّزة بكادر مختص ومعدات طبية، قد يكون حلًا إسعافيًا وخصوصًا أن كل المناشدات بفك الحصار لم تؤتِ أُكلها.
في سياق متصل، أصدر المجلس المحلي لمدينة الزبداني، بيانًا يؤكد أن المدينة دخلت في مرحلة المجاعة الثالثة خلال عام، بعد أن انتهت كمية المواد الغذائية التي احتوتها القافلة الانسانية التي دخلت عبر الأمم المتحدة، منذ نحو شهر ونصف الشهر، ولم يبقَ إلا الحشائش وبعض أوراق الشجر التي بات وجودها نادرًا بحلول فصل الشتاء، وورد في البيان: “إن المدنيين المحاصرين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الموت جوعًا، وعليه يطالب المجلس المحلي لمدينة الزبداني الأمم المتحدة والدول المعنية إلى الضغط على القوات والمليشيات المحاصرة للزبداني؛ للسماح بإدخال المواد الإغاثية إلى المدينة؛ لأن الكارثة ستحصل ما لم تدخل المساعدات إليها، ولا يمكن إيقاف الموت بعد ذلك”.