رد أنصار دونالد ترامب على النتائج الأولية ليلة الانتخابات في فندق هيلتون وسط نيويورك. (ماندل نغان / وكالة الصحافة الفرنسية/ صور غيتي)
كانت استطلاعات الرأي مخطئة، وكان الإعلام مخطئًا، وكنت أنا مخطئة.
أراد الناخبون الأميركيون -أو على الأقل، نصفهم- شيئًا مختلفًا عمّا كان كثير منا يتوقع أنهم يريدونه. رجل لا يقرأ الصحف الوطنية أبدًا، ولم يشاهد الرؤساء مباشرةً، وخسر في المناظرات الثلاث، وأنَّ 61 في المئة من المشاركين والخارجين من مراكز الاقتراع قالوا إنه غير مؤهلٍ ليكون رئيسًا، ها قد فاز بالرئاسة.
أحد الأسباب التي فسرنا بها الأشياء بشكل مغلوط هي أنَّه افترضنا أن معظم الأميركيين استعادوا وعيهم بقصد معرفة مدى خطورة دونالد ترامب وأفكاره السيئة. بعد كل شيء، نحن لم نقنع جمهورنا بهذا عدة مرات؟ مثل كثير من “النخب”، قضيت القسم الأكثر من السبعة عشر شهرًا الماضية محذرةً الجمهور من تعصب ترامب، وكرهه للنساء، وتفكيره السحري ودوافعه الاستبدادية.
لسوء الحظ، أيضا مثل كثيرين غيري من “النخب” لقد تعلمت منذ ذلك بأن الذين أردتهم أن يستجيبوا لهذه التحذيرات لم يفعلوا ذلك. وفي بيئة وسائل الإعلام المنغلقة على نحوٍ متزايد، حيث أنَّ استماع غير المستعدين للاستماع إلينا، والاتفاق معنا يبدو مستحيلًا على نحوٍ متزايد، فكيف بإقناعهم.
ككاتبةٍ، لقد كنت دائمًا أؤمن بقوة الكلمات. هذه الانتخابات، ووسائل الأعلام الموازية التي تردد صدى الغرف التي تحيط به، قد هزت هذا الاعتقاد. نحن الكتاب، يمكن أن نعظ مع الجوقة، ولكن فرصنا قليلة في نقل أي شخص خارج بيت طاعتنا.
لحسن الحظ، ما زلتُ أُؤمن في أداةٍ قويةٍ أخرى: الديمقراطية. وأعني بها الديمقراطية كما عرفها ه.ل. منكن، Mencken (1880-1956، أحد أبرز الكتاب الأميركيين تأثيرًا نتيجة لتفكيره الحرّ والنقدي، ومن أهم كتبه الديمقراطية التمثيلية، م.): “النظرية القائلة بأنَّ عامة الناس يعرفون ما يريدون، ويستحقون الحصول عليه جيدًا وباجتهاد.”
ربما الطريقة الوحيدة للأميركيين ليفهموا حقًا وبشكل واقعي كم هي سامةٌ، وخاطئة وغير مجديةٍ، سياسات ترامب، هي أن يسمحوا لترامب بأن يقدم إثباتًا للمفهوم.
وهذا هو، ما تقدمه لنا الترامبية من فائدة وجدية.
ربما الوسيلة الوحيدة لإثبات أنَّ ترامب، لا يمكنه أن يستعيد الوظائف في المصانع، أو في مناجم الفحم، أو أي وظائف أخرى ألغتها التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية، هي السماح له بمحاولة القيام بذلك من خلال علاقاته الطائشة وتعريفاته.
نعم، وهذا لربما يشعل حربًا تجارية. نعم، قد تؤدي إلى خسارة الملايين من فرص العمل، ولكن ربما هذا ما يطلبه الأميركيون حتى يصدقوا أنَّ مثل هذه الأمور تحدث، لأنهم بوضوح لا يثقون في توقعات الخبراء بشأن هذه المسائل.
وبالمثل، وربما الطريقة الوحيدة للأميركيين حتى يعرفوا أنَّ المهاجرين يحقنون اقتصادنا بالحيوية والابتكار، ويساعدون على المحافظة على الرعاية الطبية مستمرة في تقديم خدماتها، هو السماح لترامب أن يسورها، ومن ثم نرى ما يحدث لقوانا العاملة ولمستحقاتها.
الحديث عن الجدران، وربما هو الطريقة الوحيدة للأميركيين حتى يدركوا كم من التفكير السحري يغلف وعود ترامب، هو السماح له أن يحاول ويفشل في إقناع المكسيك أن يدفعوا له الثمن الكبير مقابل جداره الجميل.
وأيضًا مراقبته يحاول ويفشل في الحفاظ على الأميركيين المرضى بعيدًا عن “الموت في الشوارع” ومنع خروج أسعار الرعاية الصحية عن السيطرة، في حين أنه يمزق في نفس الوقت تغطية وتكلفة الرعاية وفق أنظمة أوباما للرعاية الصحية. دعه يتلوَّ في مهب الريح، وهو يسعى إلى تحديد “شيء رائع” غامض الذي سيحل محل قانون الرعاية بأسعارٍ معقولة.
وكذلك مراقبته يحاول ويفشل لسد العجز بذات الوقت الذي يقوم بخفض الضرائب 7 تريليونات من الدولارات من دون أيّ موازناتِ إنفاق.
مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، كان ينبغي أن يكون أمامه القليل من الصعوبة صعوبة في تحويل العديد من مخططاته السياسية الرعناء التي تتحدى الرياضيات إلى قانون، على افتراض أنه قادرٌ على توقيعهم زورًا على الورق. مع مرور الوقت، سيدرك أتباعه الحريصون اقتصاديًا أنه حتى بعد أن يجف المستنقع ويُطرد المتشردون، فإن حديث ترامب الفظّ سيبقى غير قادرٍ على تحسين مستواهم الاقتصادي.
استعارةً من لين مانويل ميراندا (كاتب أميركي، ت 1986، كاتب مسرحي وناقد، م.) في مسرحيته الغنائية “هاملتون”، على لسان الرجل العجوز، حيث يقول: الفوز سهلٌ، ولكن الحكم هو الأصعب.
من المؤكد أن هناك خللًا في هذه الخطة.
السببية هي دائما من الصعب أن تعرفها، وترامب هو عرضةٌ يكون كبش فداءها. إذا تحولت سياساته إلى أن تكون فاشلة، سيضع اللوم بالنتائج على الرئيس أوباما، أو على أعداءٍ سياسيين آخرين، أو مجموعات عرقيةٍ مشكوك فيها (على افتراض أي بقايا بعد تنفيذ كامل أجندته السياسية).
أو أنه قد ينكر النتائج السلبية تمامًا، نظرًا لأنه وأتباعه عرضةٌ لإنتاج مجموعاتهم من الحقائق والبيانات.
الأكثر إثارةً للقلق، في الوقت حيث أن الجمهور هو مشغول بتشكيل شخصه الأول، وحكمه الخالي من الخبرة حول تجاربه السياسية، تجارب يمكن أن تؤدي إلى كثير من الضرر، ويمكن أن تعرض حياة الناس للخطر، سواءٌ هنا أو في الخارج، وإذا نفذ نواياه بمعاقبة الخصوم السياسيين، بمضاعفة انتهاكات أخرى لحقوق الانسان وزيادة التعذيب، وتقليص الحريات المدنية وتشجيع الطغاة على أن يتجولوا (ويقصفوا بالقنابل) بحرية.
لذا أعتقد أن ذلك يتركني أعود من حيث بدأت: أستخدم قلمي ببراعة، على أملٍ بأنَّ شخصًا ما مجهول، يقرأ خربشاتي، في محاولة قراءة المزيد لهم بعناية، وأحث ترامب لنفعل ما هو أفضل، حتى لو كنت أعرف أنَّه لا يصغي حقًا. ربما سوف يكون مجرد صراخٍ في الفراغ. ولكن نأمل، في بعض الأحيان، الفراغ سيعيد الصراخ.
اسم المقالة الأصلي | Americans have voted for Trumpism. Let them have it. |
الكاتب | كاترين رامبيل، Catherine Rampell |
مكان النشر وتاريخه | واشنطن بوست، The Washington Post، 9/11/2016 |
رابط المقالة | https://www.washingtonpost.com/opinions/americans-have-voted-for-trumpism-let-them-have-it/2016/11/09/3bfa8846-a6a8-11e6-ba59-a7d93165c6d4_story.html |
المترجم | أحمد عيشة |
تعليق واحد