عادت ظاهرة الاغتيالات مرةً أخرى إلى واجهة الأحداث في مدينة الضمير، الواقعة على بعد 45 كم إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق، حيث حملت آخر التطورات فيها أنباءً عن حادثة اغتيال جرت -في الآونة الأخيرة- بحق أحد عناصر المعارضة المعروفين فيها.
مع العلم بأن حادثة الاغتيال الأخيرة ليست فريدة من نوعها في مدينة الضمير، إلا أنها تُؤكّد، بحسب ناشطين محليين، على وجود أتباعٍ، ما يزالون على صلةٍ وثيقة بقيادة “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، على الرغم من خروجهم نهائيًا من المدينة أواخر نيسان/ إبريل 2016.
في هذا الشأن، قال الناشط الإعلامي، أحمد جمعة، لـ (جيرون): إن “عمر إبراهيم عيسى، الملقب بالحميدي، وهو من جيش الإسلام، اغتيل السبت الفائت، إثر تفجير سيارته بعبوةٍ ناسفة، وسط الأحياء السكنية لمدينة الضمير”، مبينًا أن القتيل “نجا من محاولة اغتيال سابقة، بعد اكتشافه عبوةً مماثلة ألصقت بسيارته، وبينما لم تعرف -حتى اللحظة- الجهة التي اغتالته، إلا أن أغلب الدلائل تشير إلى أنها إحدى الخلايا النائمة التي ما تزال تعمل -سرًا- لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، في مدينة الضمير”.
وأضاف جمعة أن القتيل “يُعدّ واحدًا من أبرز مقاتلي جيش الاسلام، الذين شاركوا في وقت مبكر في اشتباكات عديدة جرت مع تنظيم الدولة الإسلامية، قبل خروج عناصره بحماية قوات النظام من مدينة الضمير، باتجاه البادية السورية”.
عملاء للنظام في مناطق المعارضة
في سياقٍ متصل، أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة للمعارضة السورية في مدينة الضمير، قبل أشهر، عن إحباطها مخططًا سريًا للنظام، كان يهدف إلى تأسيس وتشكيل خلية تابعة لميليشيا تسمى “قوات درع القلمون”، مكونة من أبناء مدينة الضمير، والمدن المجاورة لها في منطقة القلمون الشرقي من ريف دمشق.
ووفقًا لمصدرٍ ميداني من داخل مدينة الضمير، فإن التحقيقات أسفرت عن معلوماتٍ خطرة أدلى بها عناصر الخلية حول طرق التجنيد والتواصل التي يتبعها النظام مع أبناء المنطقة، عن طريق إغرائهم بالمال والسلاح لقاء ارتكاب أعمالٍ تخريبية، تستهدف السلم الأهلي كالسرقة والخطف، والتخطيط لعمليات اغتيال بعض رموز المعارضة في مدينة الضمير.
وأوضح المصدر لـ (جيرون) أن عمل الخلية “كان يتمثل في تهيئة أوضاع ملائمة لضرب الجبهة الداخلية للمعارضة، وتأليب الرأي العام ضدها في عموم منطقة القلمون الشرقي، والتحرك ليس داخل مدينة الضمير فحسب، وإنما في مدينتي الرحيبة وجيرود المجاورتين أيضًا، بالتنسيق مع النظام؛ لمساعدة قواته في أي معركة قد تشنها مستقبلًا لإعادة احتلال المنطقة”.
وكانت الهيئة الشرعية للقضاء والعدل في مدينة الضمير قد أصدرت -آنذاك- بيانًا أكدت فيه، أن الفصائل المعترف بها داخل مدينة الضمير تنحصر في “جيش الإسلام”، و”تجمع قوات الشهيد أحمد العبدو – قطاع الضمير” وحسب، وشددت -أيضًا- على اتباع وتنفيذ الأحكام نفسها المطبقة على النظام، بحق كل من يتعاون أو ينسق مع قوات الأسد.
وعدّت الهيئة الشرعية في بيانها، أن ما عدا ذلك من أفرادٍ أو مجموعاتٍ أو مكاتب أمنيةٍ أو عسكرية فهي مجموعاتٌ لا شرعيةَ لها. وتركت لقيادة تجمع الدفاع عن مدينة الضمير، أخذ الإجراءات اللازمة؛ لحفظ أمن المدينة، وسلامة أهلها، بالتنسيق مع القائمين على الحراسة وحفظ الأمن.
هدوءٌ حذر
تشهد جبال القلمون الشرقي، في الوقت الراهن، هدوءً نسبيًا بين فصائل المعارضة، من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية، من جهة ثانية، بالتزامن مع تمكن الأخير من تحقيق تقدمٍ طفيف أدى إلى تضييق الخناق على المعارضة، وقطع طرق الإمداد عنها، نتيجة سيطرته على بعض المناطق الاستراتيجية للمعارضة في المنطقة.
ويحاول “تنظيم الدولة الإسلامية” استخدام الأوراق المتاحة كافة، بعد عجزه عن حسم الموقف الميداني لصالحه؛ لإحراز اختراقات نوعية في الصفوف الخلفية للمعارضة، ولا سيما في مدن المنطقة الرئيسة (الضمير، الرحيبة، جيرود) التي لجأت -بدورها- إلى تدابير أمنية مشددة، تمثلت في تكثيف الدوريات الليلية للمكاتب الأمنية، وتفعيل نقاط الحراسة تفعيلًا أكبر، فضلًا عن زيادة التنسيق بين الفاعليات الثورية المختلفة في المنطقة.
الجدير بالذكر أن سكان مدينة الضمير، البالغ عددهم نحو 100 ألف مواطن، نصفهم من النازحين، يعيشون أوضاعًا معيشية قاسية؛ بسبب الحصار وكثرة الاعتقالات من الحواجز المحيطة بمداخلها. كما أنها تطل على الطريق الدولي دمشق – بغداد، الذي تستخدمه قوات النظام؛ للوصول إلى مطاري الضمير والسين الحربيين.