لا يبدو مستغربًا ما تقوم به بعض النساء السوريات اللاتي أصبحن في دول أوروبا، ولا أعتقد أنه يحتاج إلى كثير من التحليل والتفسير والدراسة، وهي الحالة التي أصبحت سائدة ومثار جدل؛ حيث طلبها الطلاق أو قيامها بالانفصال عن الزوج، دون أي رادع أو توجس. وعدم الاستهجان لهذه الحالة (على الرغم من عدم وجود الحجة والمبرر القوي لدى بعضهن) يعود إلى كمية الكبت والظلم والقهر الذي كانت تعاني منه النساء في بلادنا، فبمراجعة بسيطة لأي حالة، سمع عنها أي منا، أو مر بها، أو كان شاهدًا عليها، يدرك أن نسبة ليست قليلة تلك التي يصاحب المرأة فيها كل الحق، والتي تعدّ فيها هي الحلقة الأضعف والجناح المكسور الذي يسهل قلعه متى شاء الرجل.
في حين أن القوانين في بلادنا ما زالت تنتقص من حق المرأة، وتعدّها في المرتبة الأدنى من الرجل، وتغفل شخصيتها وكيانها، نجد الأعراف والعادات السائدة في المجتمع أكثر ظلمًا وإجحافًا لها، وكلنا يدرك ما تعانيه المرأة المطلّقة التي تبدو، وكأنها ارتكبت إثمًا أو نقيصة، تظل طوال حياتها ترافقها وتعيش تبعاتها وهمومها؛ لذلك تنحو معظم النساء المظلومات إلى السكينة، والمثول لطاعة الرجل الزوج، أو الرجال الآخرين، ممثلين بالأب والأخ؛ كي لا تعيش تلك التجربة (العار) في أغلب الأحيان، حتى وإن كانت على درجة متقدمة من التحصيل العلمي، فإن ذهبت غاضبة إلى منزل ذويها تشتكي ظلم الزوج، يأتيها التأنيب والتوبيخ من نبع الحنان الذي قصدته، بأنها لو لم تكن مذنبة لما أخطأ الزوج في معاملتها، فهي دائمًا وأبدًا المذنبة، المقصرة، وربما عديمة الفهم والإدارة.
أما وقد أصبحت النساء، بعد هذا العبور السوري باتجاه أوروبا، أمام قوانين إنسانية مختلفة، في بلاد ترعى حقوق الفرد، بمن فيهم الطفل والمرأة؛ فقد أصبح جناحها أقوى للطيران في عالم الحقوق والإنسانية، وباتت تدرك حقوقها، وتعرف أنها محمية بتلك القوانين السائدة في الدولة التي قصدتها، وأضحت أكثر قدرة على معرفة التفاصيل الخاصة بها، والتدقيق بكل ما يضمن لها الحرية الشخصية، والحقوق العامة، ككيان مستقل له ما للرجل، ما للإنسان.
رجاء المدرّسة التي تعيش حياة زوجية وعائلية، فيها نوع من الاستقرار، لكن هذا الاستقرار -على ما يبدو- لا يتعدى رتابة الحياة التي تتصف بها الأسرة العربية، فالزوج هو سيد البيت، ينام ويستيقظ متى يشاء، قهوته الصباحية، والتي ربما تكون الساعة الثانية بعد الظهر، يجب أن تكون جاهزة قبل مغادرته السرير، وطعامه يجب ألا يتأخر عن أول إشعار من معدته بالجوع. رجاء تبوح ببعض الكلام الذي لا يخلو من خفة الظل، أنها تهدد زوجها إن استمر على هذه الحال، فهي لا شك ستطلب الانفصال والعيش بعيدة عنه، حيث لم تعد تطيق تلك التفاصيل التي كانت تصمت، وتمررها في بلادنا، على الرغم مما تودعه من قهر في داخلها، لكنها -هنا في أوروبا- تعرف أن هذا المجتمع الغريب عنها يحميها كإنسان، أكثر مما كانت عليه بين ذويها، وحتى بجوار أهلها.
تقول رجاء: إنها تصل في بعض الأيام حد الاختناق، بسبب التناقض الذي تعيشه بين الخطأ والصواب في أي قرار ستتخذه، فهي على قناعة تامة بأن من حقها رمي حياة الذل والتبعية تلك، وعدم الاحترام لها كزوجة، مشبهة نفسها -بعض الأحيان- بنساء الجاهلية اللاتي يخدمن السيد، ويسهرن على راحته وطاعته، فهذه هي الصورة التي يريدها الزوج أن تتقمّصها على الدوام.و الرجال اآخريأو
أما منى التي أخرجها زوجها من سورية بطريقة غير شرعية، على أمل أن تلتحق به في إحدى دول أوروبا، ها هو زوجها يعلن زواجه من إحدى السوريات، ويجمد مشروع إيصالها إلى أوروبا، بعد شهرين من زواجه، يعلن عن طلاقها كزوجة أولى، وهي التي كان لا يجرؤ على مهاتفتها بحضور الناس؛ خشية أن تظن به سوءً، وهو من المؤكد لا يجرؤ على إعلامها بزواجه الثاني، لكن؛ بتحليل بسيط لمجريات الأمور، يستشف المرء أن الطلاق جاء ضربة استباقية، كنوع من الهجوم عوضًا عن البقاء في حالة دفاع، وهنا تلك المرأة الضعيفة أصلًا، والتي ستتساءل عن سبب طلاقها، وهو سبب تافه لا يستدعي الطلاق، حيث خرجت من المنزل لبعض الوقت، تاركة أطفالها، ستجد نفسها أمام الحالة الصعبة التي أصبحت عليها راضية بزواج زوجها، وسوف تستكين وتصمت؛ حيث إنه يمتلك السلاح الأقوى، وبيده تحديد مصيرها، وليس من حقها مساءلته، بل سيكون شغلها الشاغل، وهمها الآن إعادتها إلى بيت الزوجية، والإبقاء عليها زوجة؛ حتى وإن بقيت وزوجها كل منهما في بلد.
في حين تتخلى ماجدة عن زوجها الذي يحبها؛ لترتبط بشاب آخر، في حادثة لاقت كثيرًا من الاستهجان بين ذويهم ومن حولهم، فلا سبب مقنع لتصرفها، فيما زوجها السابق عانى قساوة الواقعة، هذه الحالة ليست غريبة عما كان يحصل في مجتمعاتنا، لكنها تمر -هنا في دول الغرب- مع بعض التمتمات من المحيطين فحسب، فسيادة القانون، والحرية الشخصية، تسمح لبعض الحوادث أن تمر بغير المجريات التي كانت ستمضي فيها في مجتمعاتنا ودولنا، وتحت سيادة الأعراف الاجتماعية التي على الرغم من كبحها بعض الزلات والهفوات، وحفاظها على كثير من القيم، إلا أنها في مواقع أخرى، لا شك أنها كانت قاسية وجائرة على الفرد، خاصة المرأة.
لا شك أن المجتمع الذي نعيش فيه يفرض شروطه وأحواله، وعلى الرغم من الصعوبات التي يلاقيها كثير من الأجانب في الاندماج مع المجتمعات الغربية، إلا أن ميزة سيادة القانون وحمايته للفرد، تصبح سلاحًا قويًا لدى كثيرين، إضافة إلى أنه كان من نتائج الثورة السورية التخلي عن عقدة الخوف، ما ساعد على أن تمسك بعض النساء بنقاط القوة. لكن -حتى هنا في أوروبا- يصعب على كثير من الرجال التخلي عن الموروث الاجتماعي الذي يسيّده على المرأة، ومن المفارقة أن الرجل الذي يعيش، ربما في ظل حكم سيدة كميركل، أو رئيسة حكومة في بلد آخر، بل ويخرج متصببًا عرقًا بعد تقديم إفادته لدى محققة، ستقرر منحه الإقامة في هذا البلد أو ذاك، هو نفسه الذي يعيش عنترة أو شهريار في بيت الزوجية الذي غالبًا ما يكون قد بُني هشًا.