تم تمكين انتخاب ترامب من خلال السياسات التي تغاضت عن محنة مواطنينا الأكثر ضعفًا. نستعد لمستقبل راعب.
“ما العمل؟ أولًا يجب أن نحاول أن نقول الحقيقة” تصوير: صور أريس ميسينيس/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور غيتي
انتهت حقبة الليبرالية الجديدة في الولايات المتحدة مع انفجار الفاشية الجديدة، حيث حطّم الانتصار السياسي لدونالد ترامب، المؤسسات في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فكلاهما كان مرتبطًا بحكم المال الكبير وسيطرة السياسيين المزيفين.
تدمرت سلالات بوش وكلينتون، نتيجة إغراء وسائل الإعلام المشبعة للملياردير الشعبوي الزائف ذي الحساسيات النرجسية والقبيحة، والميول الفاشية. كان الانتخاب البارز لترامب صرخةً من قلوب البشر، يائسة ومعادية للأجانب، من أجل طريقٍ للخروج من تحت دمار النظام الليبرالي الجديد المتفسخ، وحنينًا للعودة إلى ماضٍ وهمي من العظمة.
رفضت الطبقة العاملة –ومواطنو الطبقة الوسطى البيض- من الغضب والكرب، الإهمال الاقتصادي للسياسات الليبرالية الجديدة، وغطرسة النخب المتظاهرة بالورع والتهذيب، مع أنَّ هؤلاء المواطنين ذاتهم أيّدوا أيضًا مرشحًا يبدو أنه يلقي لوم بؤسهم الاجتماعي على الأقليات، وهو يمقت المهاجرين المكسيكيين، والمسلمين والسود واليهود والمثليين والنساء والصين في السياق.
ركَّع هذا الانصهار القاتل من المخاوف الاقتصادية والضحية الثقافية، الليبرالية الجديدة. وفي اختصار، فإن الفشل الذريع الذي مني به الحزب الديمقراطي للتحدث عن توقف الحركية وتصاعد الفقر بين العمال والموظفين، أطلق العنان لشعبوية مليئة بالكراهية والحمائية (مجموعة الإجراءات الحكومية والسياسات التي تهدف إلى تقييد التجارة الدولية، وغالبًا ما تتمّ بقصد حماية الشركات المحلية، من المنافسة الأجنبية عن طريق التعريفات الجمركية والإعانات أو التخفيضات الضريبية الممنوحة للشركات المحلية، وتوفير فرص العمل، والهدف الأساسي منها هو تمكين الشركات أو الصناعات المحلية على أن تصبح أكثر قدرة على المنافسة، م) التي تهدد بتمزيق النسيج الهش لما تبقى من ديمقراطية الولايات المتحدة. وحيث أن التصدعات الأكثر تفجرًا في أمريكا في الوقت الحاضر، هي أولًا وقبل كل شيء، العنصرية، ثم النوع/ الجنس والخوف من المثليين والعرقية والدين، لذلك نحن نستعد لمستقبلٍ راعب.
ما العمل؟ أولًا، يجب علينا أن نحاول قول الحقيقة، وشرط الحقيقة هو السماح للمظلوم في أن يتكلم. لمدة 40 عامًا، عاش الليبراليون الجدد في عالمٍ من التجاهل وعدم المبالاة بمعاناة الفقراء والعمال، وكان هاجسهم الوحيد هو مشهد من النجاح. ثانيًا، يجب أن نشهد للعدالة، لا بد لنا من أن نهيئ الظروف لقول الحقيقة، ونكون على استعدادٍ للمعاناة والتضحية، ونحن نقاوم الهيمنة. ثالثًا، يجب علينا أن نتذكر النماذج الشجاعة مثل مارتن لوثر كينغ الابن، الذي يقدم إلهامًا أخلاقيًا وروحيًا، ونحن نبني تحالفات متعددة الأعراق لمكافحة الفقر وكراهية الأجانب، وجرائم وول ستريت وجرائم الحرب والاحتباس الحراري وسوء معاملة الشرطة، ولحماية الحقوق الكريمة والحريات.
كان عصر أوباما هو الرمق الأخير من الليبرالية الجديدة، وعلى الرغم من بعض الكلمات التقدمية والإيحاءات الرمزية، لكنه اختار أن يتجاهل جرائم وول ستريت، ورفض عمليات الإنقاذ لأصحاب المنازل، والإشراف على عدم المساواة المتزايدة، وسهَّل جرائم الحرب، مثل الطائرات الأمريكية بلا طيار التي تقتل المدنيين الأبرياء في الخارج.
الهجمات اليمينية على أوباما -وعلى ترامب- استوحت الكراهية العنصرية منه؛ فقد جعل من المستحيل تقريبًا سماع الانتقادات التقدمية لأوباما. كان الرئيس مترددا في التوجه نحو معاناة السود، سواء كان ذلك في السجون المكتظة والمدارس المتهالكة أو أماكن العمل المتهاوية، وعلى الرغم من ذلك، نحتفل بالوضع الراهن لليبرالية الجديدة التي تشكلت في رمزيةٍ عرقية وإرث شخصي، وفي الوقت نفسه، واصل الفقراء والمواطنين العمال من جميع الألوان معاناتهم في صمتٍ نسبي.
في هذا المعنى، يأتي دور الليبرالية الجديدة في تمكين انتخاب ترامب، وذلك بسبب السياسات الليبرالية الجديدة لكل من كلينتون وأوباما التي تغاضت عن محنة مواطنينا الأكثر ضعفًا. أطاحت الشعبوية التقدمية لـ بيرني ساندرز تقريبًا مؤسسة الحزب الديمقراطي، ولكن جاء كلينتون وأوباما لإنقاذ الوضع الراهن والحفاظ عليه. وأنا أعتقد أن ساندرز كان سيهزم ترامب ويتجنب هذه النتيجة من الفاشية الجديدة!
في هذه اللحظة القاتمة، يجب علينا أن يلهم بعضنا بعضًا تقودنا روح مهنية ديمقراطية من النزاهة والشجاعة والتعاطف والفهم الناضج بالتاريخ، حتى لو بدت ديمقراطيتنا تنزلق بعيدًا.
يجب علينا ألا نبتعد عن الشعب المنسي من سياسة للولايات المتحدة الخارجية، مثل الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، والمدنيين في اليمن قتلوا على يد القوات السعودية التي ترعاها الولايات المتحدة، أو الأفارقة الذين يخضعون لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي.
كواحدٍ؛ حيث عائلته الكبيرة والناس الناجون والمزدهرون من خلال العبودية، جيم كرو* والإعدام خارج نطاق القانون، البلاغة الفاشية الجديدة لترامب والحكم الاستبدادي الذي يلوح في الأفق، هما لحظةٍ قبيحة أخرى تستدعي الأفضل منا نحن وما يمكننا القيام به.
بالنسبة إلينا في هذه الأوقات، حتى الأمل هو نظري جدًا، بعيدٌ جدًا، بعيدٌ حيث لا يمكن رؤيته. وبدلًا من ذلك يجب أن نأمل، ونشارك ونمتلك القوة للخير، بينما نواجه هذه الكارثة.
*مصطلح أصبح شائع الاستخدام في الغرب في ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي، عندما صار الفصل الاجتماعي مشروعًا في كثير من الأجزاء الجنوبية للولايات المتحدة. يُشير المصطلح، أصلًا، إلى شخصية سوداء البشرة في أغنية شعبية تم تأليفها عام 1830م. (ويكيبيديا)
اسم المقالة الأصلي | Goodbye, American neoliberalism. A new era is here |
الكاتب | Cornel West ، كورنيل ويست |
مكان النشر وتاريخه | الغارديان، The guardian 17-11-2016 |
رابط المقالة | https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/nov/17/american-neoliberalism-cornel-west-2016-election |
المترجم | أحمد عيشة |